أوّل الكلام آخره:
- تعرض أليكسي نافالني، أبرز منتقدي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، للتسمم في مطار روسي في 20 آب / أغسطس، وهو يتلقى علاجه حاليا في برلين.
- لم يشكل حديث الاتحاد الأوروبي عن فرض عقوبات على روسيا رادعا لها، إذ ما زالت تخطط لعمليات استخباراتية جريئة، بما في ذلك محاولات اغتيال على الأراضي الأوروبية.
- تعد إمدادات الطاقة الروسية التي تنقل عبر خط أنابيب نورد ستريم 2 مصدرا لنفوذ بوتين، الذي يرى أنها أداة حاسمة لابتزاز الدول الأوروبية وإخضاعها.
- وفي حين أن استكمال مشروع خط أنابيب نورد ستريم 2 يحقق جملة مكاسب اقتصادية، إلا أنه مثير للقلق من الناحية السياسية في برلين وغيرها من العواصم الأوروبية.
من المشتبه به أن اليكسي نافالني زعيم المعارضة الروسية الذي لم يتراجع عن مواقفه المنتقدة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، تعرض للتسمم بمادة كيميائية تعرف باسم «نوفيشوك» في سيبيريا في 20 آب / أغسطس، وهو يتلقى علاجه اليوم في برلين. وقد تحسنت حالته مؤخرا بعد شفائه من غيبوبة مصطنعة طبيا. وقد أكدت دولتا السويد وفرنسا أن نافالني تعرض للتسمم بمادة «نوفيشوك»، وهو سم تستخدمه روسيا عادة ضد أعدائها. واتفق الزعماء السياسيون الأوروبيون على أن استخدام هذه المادة ينتهك معاهدة حظر الأسلحة الكيميائية لعام 1993، واتفاقية الأسلحة الكيميائية، وبالتالي فإن الجريمة تحتم فرض عقوبات دولية. وقد تعاونت المملكة المتحدة وألمانيا ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية جميعها في السابق في محاولة لمحاسبة روسيا على انتهاكاتها السابقة، بما في ذلك محاولة تسميم الضابط العسكري الروسي السابق سيرجي سكريبال وابنته يوليا في سالزبري، في إنجلترا، عام 2018. وردا على ذلك، طردت المملكة المتحدة مع 28 بلدا آخر ما مجموعه 158 دبلوماسيا روسيا. ومع ذلك، ظلت موسكو دون رادع نسبيا واستمرت في التخطيط لعمليات استخباراتية جريئة، بما في ذلك محاولات اغتيال على الأراضي الأوروبية.
وأشار وزير الخارجية الألماني هايكو ماس إلى أن ألمانيا قد تسعى للرد على قضية نافالني من خلال فرض عقوبات على خط أنابيب الغاز الروسي نورد ستريم 2. ويمتد خط الأنابيب من روسيا إلى ألمانيا عبر بحر البلطيق، على نحو يوفر موارد الطاقة الحيوية إلى أوروبا مع تجاوز أوكرانيا. وأضاف في حديث له: «آمل ألا تجبرنا روسيا على تغيير موقفنا فيما يتعلق بـخط أنابيب نورد ستريم 2». ومع ذلك، اعترضت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل على أي إجراء محتمل يؤثر في خط الأنابيب. ومن غير المحتمل استغلال احتياطيات الغاز الطبيعي المحلية الألمانية بديلا لخط الأنابيب، إذ يتطلب المزيد من الإنتاج القيام بأعمال تصديع، وهذا محظور منذ عام 2016، غير أن الحظر يتضمن ثغرات تسمح بإصدار تصاريح خاصة لم تمنح بعد. ويشير التحليل الذي قامت به شركات البحوث البيئية إلى أن النقص في الطاقة سيسد عن طريق الواردات، حيث توفر خطوط الأنابيب القائمة كميات كافية من الغاز الطبيعي لتلبية الطلب في المستقبل.
وتملك شركة غازبروم الروسية الحكومية مشروع خط أنابيب نورد ستريم 2. ويزعم منتقدو علاقة ألمانيا المستمرة مع بوتين أن عائدات مشروع «غازبروم» تتحول مباشرة إلى الدولة الروسية. وبالتالي فإن إحجام ألمانيا عن تغيير موقفها تجاه الطاقة الروسية يسمح لروسيا بالاستمرار في العربدة في أوروبا، كما أنه يجعل الكرملين في مأمن من المحاسبة على الانتهاكات المستمرة للقانون الدولي. ويتعارض مشروع الأنابيب نورد ستريم 2 مع مصالح عدد من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، في مجالي الطاقة والسياسة على حد سواء. وعلاوة على ذلك، لا يتلاءم المشروع مع استراتيجية التكتل الطويلة الأمد المتمثلة في تحقيق اتحاد للطاقة، فهو يقوّض المنافسة المفتوحة والتسعير وفق آليات السوق، وذلك من خلال التدفق الكبير للنفط الروسي.
ولا تقتصر معارضة مشروع خط الأنابيب على الاتحاد الأوروبي فحسب، فقد فرضت الولايات المتحدة عقوبات على المشروع منذ عام 2019. وتخشى العديد من الدول الغربية من زيادة الاعتماد على روسيا، فحصة الواردات الروسية في سوق الطاقة في الاتحاد الأوروبي وفي سوق الغاز الطبيعي الألماني بلغت حوالي 40 % عام 2018. وفضلا عن ذلك، يتناقض استيراد الغاز عبر خط الأنابيب مع أهداف ألمانيا لخفض واردات الغاز الأجنبية بموجب مبادرة «Energiewende» الصادرة عام 2018. ومما لا شك فيه أن هذه المبادرة هي خطة لنقل ألمانيا إلى اعتماد استراتيجية للطاقة المستدامة بيئيا. ويصنف المواطنون الألمان اليوم قضية تغير المناخ ضمن لائحة أهم التحديات التي تواجه بلادهم، بل والمنطقة والعالم أجمع. وعلى الرغم من التحفظات الألمانية، فإن مشروع خط أنابيب نورد ستريم 2 قد اكتمل تقريبا. وفي حين أن استكمال مشروع خط الأنابيب يحقق مكاسب اقتصادية، إلا أنه مثير للقلق من الناحية السياسية. ومن المرجح أن يسهم الانتهاء من إنشائه في تنفير الحلفاء الغربيين في أوروبا والولايات المتحدة. وفي حين أن تسمم نافالني قد لا يحفز سحب الدبلوماسيين الروس كما حصل عام 2018، إلا أن اتفاقية الأسلحة الكيميائية قد تدفع إلى عرض القضية على مجلس الأمن الدولي أو الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهذا قد يجعل مشروع خط أنابيب نورد ستريم 2 عرضة لمزيد من التدقيق، فيكون بمثابة أداة مساومة مع روسيا.