أوّل الكلام آخره:
- على الرغم من أن روسيا لم تكن تعد قوة عسكرية رئيسة في إفريقيا منذ الحرب الباردة، إلا أنها اليوم تصبح بسرعة قوة عسكرية بارزة وسط إفريقيا.
- أصبحت جمهورية إفريقيا الوسطى البلد الأكثر اعتمادا على الدعم العسكري الروسي في معركتها ضد المتمردين المناهضين للدولة.
- انتقدت الأمم المتحدة والعديد من البلدان المدربين الروس لمساهمتهم في انتهاكات حقوق الإنسان بالتعاون مع جنود جمهورية إفريقيا الوسطى.
- ساهم حضور روسيا في وسط إفريقيا في زيادة التوترات، بما في ذلك مع تشاد، حيث وقعت مواجهة مميتة بين الجنود التشاديين والمدربين الروس في أيار / مايو.
خلال الأشهر الأخيرة، تزايد الحضور العسكري الروسي في وسط إفريقيا. وفي 25 حزيران / يونيو، أصدرت الأمم المتحدة تقريرا أكدت فيه أن جنود جمهورية إفريقيا الوسطى ومدربيهم الروس، المعروفين بأنهم «مستشارون غير مسلحين»، استخدموا القوة المفرطة ضد المدنيين. ومنذ أن بدأت روسيا بتقديم مساعدتها لحكومة جمهورية إفريقيا الوسطى في الدفاع عن عاصمة البلاد وأكبر مدنها، بانغي، في مواجهة تقدم المتمردين في كانون الثاني / يناير، فإنها سعت أيضا إلى نشر هؤلاء المدربين في مناطق المناجم. وتستغل روسيا لتوسيع مشاركتها في جمهورية إفريقيا الوسطى قلة اهتمام المجتمع الدولي العام بالبلاد. وعليه، تمكنت روسيا من نشر مقاولين أمنيين خاصين في الجمهورية لتأمين الوصول إلى الثروة المعدنية الهائلة في البلاد. وتدعم كل من روسيا ورواندا، الدولة الأخرى الوحيدة التي لها مشاركة عسكرية جادة وحالية، الحكومة الحالية لجمهورية افريقيا الوسطى.
وبينما كانت روسيا الطرف المتلقي لانتقادات على الساحة الدولية لدورها في ارتكاب العنف في جمهورية إفريقيا الوسطى، فإنها سعت إلى صياغة مبادرات القوة الناعمة في بانغي لمواجهة ردود الفعل السلبية بين السكان المحليين. ومن بين مبادرات القوة الناعمة التي استخدمها الروس عند وصولهم إلى بانغي إقامة الحفلات الموسيقية وألعاب كرة القدم، وتوزيع الحلويات على السكان المحليين، والتبرع بالمركبات إلى جيش الجمهورية لمساعدته على التنقل بين التضاريس الوعرة في البلاد ومكافحة المتمردين. وتشير اندفاعة روسيا إلى أنها تعلمت من الفاعلين الدوليين الآخرين وأنها تخطط لالتزام طويل الأجل وأنها عازمة على الحفاظ على سلطة الحكومة الحالية. وتعد عملية الاستحواذ على المعادن، وخاصة الذهب والماس منها، من صميم هذه الخطة، ولكن روسيا نادرا ما تعترف بأسبابها الحقيقية لنشر القوات والمرتزقة، مفضلة بدلا من ذلك العمل من خلال تكتيكات أخرى كالتشويش والتضليل والهجمات الإلكترونية.
إن الحضور الروسي المتنامي في المنطقة لم يخل من الجدل. ففي أيار / مايو، قام جنود الجمهورية والمدربون الروس بمطاردة المتمردين إلى تشاد المجاورة، مما أسفر عن مقتل ستة جنود تشاديين وثلاثة روس. وكانت تشاد قد تدخلت في البداية في جمهورية إفريقيا الوسطى عندما اندلعت الحرب الأهلية سنة 2013 لكنها ظلت في الغالب على الهامش خلال الموجة الجديدة من الحرب، والتي اكتسبت زخما مرة أخرى خلال كانون الثاني / يناير الماضي. وينظر إلى تشاد على أنها تدعم المتمردين ضمنيا. وقد تعد تشاد حضور روسيا في جمهورية إفريقيا الوسطى مصدر إزعاج وربما تهديدا، إلا أنها تبدو قلقة أيضا من وجود الروس في الشمال بالقرب من الحدود الليبية. وفي أواخر حزيران / يونيو، ألقت السلطات التشادية القبض على مجموعة من عشرة روس في شمال تشاد. وأصبحت هذه المنطقة منطقة حساسة أكثر من السابق منذ دخول المتمردين التشاديين المناهضين للدولة من ليبيا في محاولة للإطاحة بالحكومة. وعلى الرغم من إحباط تحركات المتمردين جنوبا بطرق عدة، وأحيانا بمساعدة الدعم الجوي الفرنسي للجيش التشادي، تمكن المتمردون من قتل الرئيس التشادي إدريس ديبي. وقد تسلم نجله، محمد إدريس ديبي، زمام السلطة لفترة مؤقتة.
وقد زعمت الحكومة الروسية أن مواطنيها في شمال تشاد كانوا مجرد «سواح» مهتمين بالمناظر الطبيعية للبلاد. وقامت تشاد بنقل الروس على متن مروحيات عسكرية إلى العاصمة التشادية، نجامينا، ومن ثم أعادوا لهم جوازات سفرهم ورحلوهم. وقد سلط الحادث الضوء على التوترات الدبلوماسية المتزايدة بين روسيا وتشاد. إن وجود المدربين الروس في جمهورية إفريقيا الوسطى، ودعم الجيش الروسي منذ عدة سنوات لقوات خليفة حفتر في ليبيا، يعني أن تشاد محاصرة من الجيش الروسي شمالا وجنوبا. ومع انسحاب فرنسا، القوة الاستعمارية الإقليمية السابقة، من منطقة الساحل، تستعد روسيا لتلعب دورا أكثر أهمية في إفريقيا، وخاصة في وسط إفريقيا الناطق بالفرنسية. وترتكز استراتيجية الكرملين على العمل في دول مثل جمهورية إفريقيا الوسطى، التي لا تقع ضمن دائرة اهتمام المجتمع الدولي، ولكن مشاركة موسكو في ليبيا وموزمبيق تدل أيضا على نفوذها المتزايد في المنطقة. وقد لا تكون إفريقيا الأولوية الجيوسياسية العليا لروسيا مقارنة بأوكرانيا أو سوريا، ولكن لأول مرة منذ حقبة الحرب الباردة، تبرز روسيا قوة عسكرية أجنبية مؤثرة في القارة.