أوّل الكلام آخره:
- يتركز اهتمام العالم على الانتشار العسكري الروسي المتزايد باطراد والذي يكاد يطوق أوكرانيا الآن، فيما أمر الرئيس بوتين بإرسال «قوات حفظ سلام» إلى دونباس.
- قد لا تكون خطة موسكو تشمل هجوما شاملا وصولا إلى كييف، بل قد تكون دفع العالم، بقوة السلاح، إلى الاعتراف باستقلال المناطق الشرقية من أوكرانيا.
- يُظهر تاريخ التدخل الروسي العدواني – في جورجيا (2008) وسوريا (2013) وشبه جزيرة القرم (2014) – أنه ما من «خطوط حمراء» لن ينتهكها الكرملين، كما أن الاستجابة الغربية الفاترة لم تفعل شيئا سوى تشجيع بوتين على أفعاله العدوانية.
- اجتمعت دول الناتو لإظهار حزمها في مواجهة روسيا، ولكن الحلف تشوبه عدد من الثغرات. على أنه ما من شيء خلال الأشهر العديدة الماضية أثر إيجابا في وحدة الناتو كمسألة التعامل مع العدوانية الروسية.
يتركز اهتمام العالم على الانتشار العسكري الروسي المتزايد باطراد والذي يكاد يطوق أوكرانيا الآن، فيما أمر الرئيس بوتين بإرسال «قوات حفظ سلام» إلى دونباس. في غضون ذلك، أشار الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن إلى أن واشنطن تعتقد أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد اتخذ قراره وسيغزو أوكرانيا «في الأيام المقبلة». وإذا قامت موسكو بالفعل بغزو، فهي في وضع جيد للقيام بذلك، فلديها ما يصل إلى 190.000 فرد على حدود أوكرانيا فضلا عن الوحدات الآلية وغيرها من المنظومات العسكرية الروسية الأكثر تطورًا. وهذا يشمل ما يصل إلى 125 مجموعة قتالية تكتيكية، كل منها تتكون مما يزيد عن 1000 جندي. بالنسبة لموسكو، بدأت بالفعل عمليات المرحلة صفر، كما يتضح من الهجمات الإلكترونية التي شنت ضد البنوك والمواقع الحكومية الأوكرانية الأسبوع الماضي، ربما في محاولة لإثارة الذعر على نطاق واسع بين السكان الأوكرانيين. وقد قامت العديد من الدول الغربية، بما في ذلك الولايات المتحدة، بنقل سفاراتها مؤقتًا من كييف إلى لفيف، الواقعة في غرب أوكرانيا. وفي الأيام الأخيرة، كُشف عن العديد من محاولات تلفيق الذرائع للغزو، والعديد منها كان سيئ التصميم، وذلك أن الولايات المتحدة اعتمدت استراتيجية رفع السرية ودفع المعلومات الاستخباراتية المهمة من أجل استباق تحركات موسكو ومحاولة إحباط غزو قائم على هذه الحوادث المفبركة، دون كبير جدوى. وظهرت أيضًا تقارير موثوقة تشير إلى أن روسيا تحتفظ بقائمة من الأفراد الذين سيستهدفون بعد الغزو الروسي، بما في ذلك نشطاء حقوق الإنسان، والمعارضون السياسيون الروس، ونشطاء مكافحة الفساد، من بين آخرين.
لن يتوقف بوتين إلى أن يحقق مراجعة كاملة للبنية الأمنية الأوروبية ما بعد الحرب الباردة، وهو أمر غير مقبول أبدا لمعظم أعضاء الناتو، إن لم يكن لجميعهم. وقد أصبح بوتين مهووسًا بإعادة أوكرانيا إلى الحظيرة الروسية، بأي وسيلة ممكنة، فهذا بلا شك سيكون جزءا من إرثه السياسي. ويُظهر تاريخ التدخل الروسي العدواني – جورجيا في عام 2008، وسوريا في عام 2013، وأوكرانيا في عام 2014 – بوضوح أنه ما من «خطوط حمراء» تردع الكرملين. ويرى بعض المراقبين أن ضعف مستوى الردود على إجراءات موسكو العدوانية، أو على التدخل الروسي في الانتخابات في الولايات المتحدة ودول أخرى، لم يفعل سوى تشجيع موسكو. ومن خلال العقد العسكري الخاص لمجموعة فاغنر، تواصل روسيا توسيع نفوذها في جميع أنحاء إفريقيا، مما يدل على أن روسيا تتطلع إلى ملء فراغات السلطة الحالية. لكن بوتين يدرك أيضًا أن أي توغل روسي سيكون مكلفًا وأن العقوبات الناتجة ستؤثر بشكل كبير على السكان الروس. قد لا يكون هدف موسكو هجومًا شاملًا وصولا إلى كييف، ولكن بدلاً من ذلك، قد يكون الهدف دفع العالم بقوة السلاح للاعتراف باستقلال المناطق الانفصالية في شرق أوكرانيا. وقد يراهن بوتين أيضًا على أنه يمكنه الحصول على تنازلات مهمة دون الاضطرار إلى تقديم الكثير، إن وجد ما يقدمه أكثر من وقف ما وصفته الدول الغربية بأنه غزو وشيك. لتحقيق هذه الغاية، أشارت روسيا إلى نشر «قوات حفظ سلام» في دونباس.
وقد تضمنت التدريبات العسكرية الضخمة تجارب إطلاق صواريخ قادرة على إطلاق صواريخ نووية، كل ذلك بينما كان القادة السياسيون والعسكريون الغربيون يجتمعون في ميونيخ بألمانيا لمناقشة الأزمة الحالية. وقد أعلنت روسيا أنه بعد التدريبات العسكرية في بيلاروسيا، سيبقى 30 ألف جندي روسي في ذلك البلد. وفي دونيتسك ولوهانسك المنطقتين في شرق أوكرانيا الخاضعتين لسيطرة الانفصاليين المدعومين من روسيا، حث قادة الميليشيات السكان على ضرورة الإخلاء، مستخدمين خطاب الضحيّة، ومشيرين إلى قصف أوكراني بالمدفعية وقذائف الهاون لمنطقة دونباس. وفي خطاب ألقاه يوم أمس، قال بوتين إن روسيا ستعترف بالمنطقتين الانفصاليتين، مما يمهد الطريق لمزيد من المواجهة ويشكل محاولة صارخة لاغتصاب السيادة الأوكرانية. وفي يوم الاثنين أيضا، طلبت أوكرانيا عقد اجتماع عاجل لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لمواجهة تطورات الأزمة. وضمن نهج الحرب الهجينة لروسيا، وهي استراتيجية نجحت بشكل جيد لموسكو في المسارح الأخرى في الماضي، يعمل بوتين وكبار مساعديه بنشاط لاستغلال الانقسامات المتصورة داخل حلف الناتو، بالاعتماد على ضخ المعلومات والضغط الاقتصادي والابتزاز في مجال الطاقة، لتوسيع الخلافات القائمة. لقد اجتمعت دول الناتو لإظهار حزمها في مواجهة روسيا، ولكن الحلف تشوبه عدد من الثغرات. على أنه ما من شيء خلال الأشهر العديدة الماضية أثر إيجابا في وحدة الناتو كمسألة التعامل مع العدوانية الروسية.
لطالما كانت قضية توسع الناتو باتجاه الشرق من القضايا التي تؤرق الروس، لكن التعزيز العسكري الأخير لم يكن له ما يسوغه. وقد ظهر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي متحديًا في خطاب ألقاه مؤخرًا، مشيرًا إلى أنه إذا كانت واشنطن وحلفاؤها متأكدين جدًا من هجوم روسي وشيك، فيجب فرض عقوبات على روسيا على الفور، وليس فقط بعد وقوعها. وفضلا عن كون الغزو ضربة أخرى للقانون الدولي والمعايير الراسخة للحكم الرشيد، فإن الحرب الناتجة ستكون مدمرة وقد تؤدي إلى سقوط عشرات الآلاف من الضحايا في الأيام القليلة الأولى من الصراع. وتواصل العديد من قادة العالم مع فلاديمير بوتين في اليومين الماضيين فقط، بما في ذلك الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني أولاف شولز والرئيس الأمريكي بايدن. وتواصل الولايات المتحدة عبر وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن ووزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين عرض خطط بديلة على روسيا داعية إلى الدبلوماسية، كما أن الرئيس بايدن نفسه كرر أن الفرصة ما زالت متاحة للتوصل إلى حل دبلوماسي. ولا شك أن الدول من طهران إلى بكين تراقب عن كثب كيفية حل المأزق الحالي، بينما تراقب الدول الأخرى مدى جدية الغرب وحزمه.