أوّل الكلام آخره:
- فشل اتفاق نيسان / أبريل لخفض إنتاج النفط العالمي بين كبار منتجي النفط في تثبيت أسعار النفط العالمية.
- تزعزع سوق النفط في ظل تفشي جائحة الوباء.
- ينخفض إنتاج النفط في الولايات المتحدة في المقام الأول بسبب ارتفاع التكاليف وأعباء الديون في مقابل انخفاض الطلب.
- يتسبب تزعزع استقرار سوق النفط بإلحاق ضرر بالغ بـالمملكة العربية السعودية بسبب افتقارها إلى التنوع في المداخيل وبسبب اعتماد شريحة واسعة على السخاء الحكومي وتعوّدها عليه.
في أوائل عام ٢٠٢٠، كانت سوق النفط العالمية في حالة سقوط حر نتيجة وباء كورونا، فضلا عن الصدام بين روسيا والمملكة العربية السعودية، وهما اثنان من المنتجين الرئيسين. ويعد انهيار أسعار النفط هذا، أول انهيار من نوعه منذ أن أصبحت الولايات المتحدة منتجا رئيسا للنفط، معتمدة في ذلك على قوة التكنولوجيا الأمريكية لاستخراج النفط من رواسب الصخر الزيتي من خلال عملية التكسير أو التكسير الهيدروليكي. كما أدى ظهور الولايات المتحدة منتجا رئيسا إلى كبح الولايات المتحدة معارضتها التقليدية لمحتكري الإنتاج مثل منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك) التي تحافظ على ارتفاع الأسعار. وتعد السعودية المهيمنة على أوبك المنتج الأكبر والأرخص تكلفة. ويدعم العديد من أعضاء أوبك من حلفاء السعودية في الخليج الفارسي كالإمارات العربية المتحدة والكويت السياسات النفطية السعودية. وعلى مدى السنوات الأربع الماضية، تواءمت روسيا وأوبك في ترتيب عرف باسم أوبك+، وهو ما أبقى الأسعار مستقرة نسبيا عند حدود ٥٥ دولارا للبرميل حتى ظهور ضربة الكورونا.
وعندما انهارت مفاوضات أوبك مع روسيا لخفض الإنتاج في أوائل آذار / مارس، زادت المملكة العربية السعودية من إنتاجها مع تخفيض للأسعار في محاولة لاستعادة سيطرتها على السوق العالمية. وكان الرئيس ترامب قد قرر التدخل لإعادة بناء توافق سعودي روسي لحل مشاكل منتجي النفط الصخري الأمريكيين الذين يطالبون بسعر لا يقل عن ٤٠ دولارا للبرميل لتتحقق شروط الاستمرارية، ولا سيّما مع تراكم الديون عليهم والتي تقدّر بمليارات الدولارات على مدى العقد الماضي. ويشكل تهاوي صناعة النفط الأمريكية المحلية تهديدا لا يستهان به للرئيس ترامب، في ظلّ احتمال غرق الولايات المتحدة في حالة ركود كارثية بسبب الوباء. ومن شأن تخلف منتجي النفط الصخري عن سداد الديون المزيد من إضعاف النظام المالي الأمريكي الضعيف أصلا.
وفي ١٢ نيسان / أبريل، أسفر التدخل المباشر للرئيس ترامب مع ولي عهد السعودي محمد بن سلمان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين وغيرهما من قادة أوبك وقادة بعض الدول من خارج أوبك عن التوصل لاتفاق يقضي بخفض إنتاج النفط بمقدار ٩,٧ مليون برميل يوميا. غير أن خفض الإنتاج لم يكن كافيا للتعويض عن الانخفاض في الطلب خلال فترة الوباء، فاستمر انخفاض أسعار النفط. وقد بدأ الإنتاج بتجاوز المعروض في مرافق تخزين النفط. وقد رفع بعض منتجي النفط الصخري في الولايات المتحدة دعاوى إفلاس، ومن المرجح بروز إخفاقات أخرى إذا لم يحصل المقترضون على ائتمانات إضافية. ولا يستطيع الرئيس ترامب أن يكلف الشركات الأمريكية بخفض الإنتاج، لكن حالة سوق النفط ستضمن انخفاض الإنتاج الأمريكي، مما يساهم في استعادة توازن السوق. ومع ذلك، فإن انخفاض الطلب العالمي في ظل أزمة الكورونا يقدر بنحو ٢٥ مليون برميل يوميا، وهذا يعني أن انتعاش الأسعار سيكون مشروطا بانتهاء أزمة الوباء وتحقيق نمو اقتصادي عالمي.
بالنسبة للمملكة العربية السعودية، قد يكون لانهيار سوق النفط عواقب وخيمة، لأن المملكة العربية السعودية تحتاج إلى سعر وسطي للبرميل يقدّر بـ ٨٠ دولارا لتحقيق التوازن في ميزانيتها. وفي ظل سعر يعادل ربع هذا السعر، سيكون على المملكة الاستدانة والسحب من أرصدة صناديق الثروة السيادية. ولن يتمكن الأمير محمد بن سلمان على الأغلب من تحقيق «رؤية المملكة 2030»، التي أعلن عنها قبل أربع سنوات بالضبط. وتهدف الرؤية إلى تنويع الاقتصاد السعودي وتلبية توقعات المواطنين بالحصول على الوظائف وعلى مستويات معيشة راقية. ولا يواجه النظام السياسي في المملكة خطرا داهما، على الرغم من الأخطاء العديدة التي ارتكبها الأمير محمد بن سلمان، ومنها الحرب الكارثية في اليمن. وقد وسعت خصخصة أجزاء من أرامكو عام ٢٠١٩ شريان الحياة المالي للمملكة لعدة سنوات على الأقل. ومع ذلك، أدت مساهمة السعودية في انهيار أسعار النفط عام ٢٠٢٠ إلى تفاقم الانتقادات الموجهة للأمير محمد بن سلمان والمملكة في الأوساط السياسة الأمريكية الرئيسة. وفضلا عن ذلك، قد يكون من الصعب على الأمير محمد بن سلمان الوفاء بوعوده بدعم المملكة وتطويرها في ظل تراجع الاقتصاد المحلي فيها. وقد تشير الضائقة الاقتصادية والضغوط المتزايدة الناجمة عن التغيرات الديموغرافية، إلى إلحاق متاعب بالأمير محمد بن سلمان وبنهجه المتهور في السياسة الداخلية والخارجية. وقد يصبح سعيه من أجل تنفيذ الإصلاحات غير مستساغ مع تزعزع الاستقرار المتنامي الذي يلبّد سماء مستقبل المملكة الغامض بالغيوم.