أوّل الكلام آخره:
- خففت زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى المملكة العربية السعودية أواخر نيسان (أبريل) من التوترات الثنائية بين البلدين، بما في ذلك تلك المتعلقة بمقتل الصحفي السعودي المعارض جمال خاشقجي في 2018.
- يحاول أردوغان إنهاء عزلته الإقليمية وتحسين اقتصاد تركيا قبل الانتخابات الوطنية في عام 2023.
- لم يتلق أردوغان أي التزامات مؤكدة من محمد بن سلمان الزعيم الفعلي للملكة بإنهاء الحظر التجاري أو المساعدة في استقرار العملة التركية.
- تشير استضافة محمد بن سلمان لأردوغان إلى إعجابه بالقدرات الدفاعية التركية، وعزمه على كسب تركيا لتكون حليفا له في مواجهة طهران.
في 28 نيسان (أبريل)، وصل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى المملكة العربية السعودية للقاء الأمير محمد بن سلمان ولي العهد والزعيم الفعلي للبلاد. وهي زيارة تاريخية تشير إلى أن الزعيمين قررا إعادة بناء العلاقات بعد فترة طويلة من التشنج. وكانت زيارة أردوغان الأولى له منذ عام 2017، وشملت الحج إلى مكة المكرمة، فضلا عن لقاء بروتوكولي على الأغلب جمعه بالملك سلمان المريض. وتتوج الرحلة أشهرا من التقارب التدريجي التقى خلالها وزيرا خارجية البلدين وخففت المملكة العربية السعودية بشكل طفيف الحظر الذي فرضته سنة 2020 على البضائع التركية 2020. وكانت زيارة أردوغان في شباط (فبراير) للإمارات العربية المتحدة، الحليف الوثيق للسعودية، مؤشرا إلى أن التصالح السعودي التركي بات وشيكًا – إذا تمكنت تركيا من تنحية مقتل الصحفي السعودي المعارض جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في اسطنبول عام 2018 جانبًا. وكانت المخابرات الأمريكية قد ربطت هذا الاغتيال علانية بمحمد بن سلمان مباشرة. ولكن الحكم الصادر عن محكمة تركية في أوائل نيسان (أبريل) بنقل محاكمة 26 شخصًا مشتبهًا بعلاقتهم بقتل خاشقجي إلى المملكة العربية السعودية مهد الطريق أمام زيارة أردوغان. ومن غير المرجح أن تعاقب المحاكم السعودية المشتبه بهم بقسوة. وقد تعرض قرار المحكمة التركية لانتقادات واسعة النطاق من جماعات حقوق الإنسان وخطيبة خاشقجي.
وبالنسبة لمحمد بن سلمان، تساعد زيارة أردوغان في إحياء مكانته في المنطقة بعد العديد من العثرات التي أضرت بعلاقاته لا بالقادة الإقليميين الآخرين فحسب، بل بالمسؤولين الأمريكيين والحلفاء أيضا. فقد ارتكب محمد بن سلمان سلسلة من الأخطاء الفادحة والجرائم، لا تقتصر على مقتل خاشقجي فحسب، بل تشمل أيضًا التدخل السعودي الإماراتي في اليمن عام 2015، وحصار عام 2017 لقطر، واحتجاز رئيس الوزراء اللبناني آنذاك سعد الحريري عام 2017، من بين أمور عديدة أخرى. وفضلا عن مساعدة محمد بن سلمان في إعادة بناء سمعته الإقليمية، يمكن أن تحقق رحلة أردوغان فوائد استراتيجية ملموسة للمملكة. وعلى عكس مطالبة السعودية عام 2017 لقطر بطرد القوات التركية من البلاد، يرى محمد بن سلمان وحليفه الإماراتي محمد بن زايد الآن أنقرة حليفا محتملا في جهودهما لمواجهة القدرات الإستراتيجية المتقدمة لإيران. ويرجع ذلك جزئيا إلى شعور الزعيمين الخليجيين بأن الولايات المتحدة لم تعد ملتزمة التزاما كاملا بأمن الخليج، وسعيهما إلى البحث عن حلفاء إقليميين جدد. وتريد المملكة العربية السعودية من أردوغان المساعدة في إقناع طهران بتحويل وقف إطلاق النار لمدة شهرين في اليمن إلى تسوية دائمة بين الحكومة اليمنية المدعومة من السعودية والإمارات وحركة الحوثي المدعومة من إيران. وفضلا عن ذلك، أعجب محمد بن سلمان ومساعدوه بشكل متزايد بالتكنولوجيا العسكرية التركية. فقد أثبتت الطائرة التركية بدون طيار من طراز بيرقدار فعاليتها البالغة في ساحات القتال الأخيرة في القوقاز وأوكرانيا، وقد تكون مفيدة للمملكة إذا ما كانت تسعى لشراء سلاح مماثل.
وبالنسبة لأردوغان، يعزز الترحيب السعودي به أهدافه الدبلوماسية، حتى لو فشل هو ومحمد بن سلمان في التوافق على رؤية موحدة لمستقبل المنطقة. فمن الناحية السياسية، كانت تركيا معزولة نسبيًا في المنطقة، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى رفض السعودية والإمارات لدعم تركيا للحركات الإسلامية الإقليمية في ليبيا وسوريا ومصر وقطاع غزة. وقد سعى أردوغان لأكثر من عام إلى إنهاء هذه العزلة من خلال التواصل مع القادة الذين لا يشاركونه رؤيته للمنطقة، بما في ذلك محمد بن زايد والزعيم المصري عبد الفتاح السيسي. وأعرب أردوغان عن ارتياحه لأن زيارة المملكة عززت التكامل الإقليمي لتركيا، وقال بعد مغادرته المملكة: «أعتقد أن زيارتي ستعلن عن حقبة جديدة في العلاقات بين بلدينا، وقد أظهرنا إرادتنا المشتركة لتعزيز العلاقات».
ولكن الأمر الأقل وضوحًا هو ما إذا كان أردوغان قد حقق هدفه المركزي للزيارة: حشد المساعدة السعودية في القضايا الاقتصادية التي يحتاج أردوغان إلى معالجتها إذا ما كان يريد أن ينجح في انتخابات العام المقبل. كان الاقتصاد التركي يترنح حتى قبل الغزو الروسي لأوكرانيا، ولم تؤد الحرب إلا إلى تفاقم هذا التدهور. وقد بلغ معدل التضخم في تركيا حوالي 70 % في نيسان (أبريل)، وانخفضت قيمة العملة التركية بنسبة زادت عن الـ 50 % منذ أوائل عام 2021. وكانت أنقرة تأمل أن تنهي الرحلة، في الحد الأدنى، المقاطعة السعودية للواردات التركية تمامًا. وفي محاولة للمساعدة في استقرار العملة التركية، اقترحت أنقرة أيضًا أن تنضم المملكة العربية السعودية إلى شبكة قائمة اليوم لمقايضة العملات بقيمة 28 مليار دولار وتشمل الصين وكوريا الجنوبية وقطر والإمارات العربية المتحدة. وبحسب بعض التقارير فقد سعى أردوغان أيضًا إلى التزام سعودي باستثمارات جديدة في تركيا، بما يفوق صندوق الاستثمار البالغ 10 مليارات دولار الذي تعهدت به الإمارات العربية المتحدة لتركيا في تشرين الثاني (نوفمبر) 2021. ولكن لم يعلن حتى الآن عن أي التزامات مالية أو تجارية سعودية خلال زيارة أردوغان، مما يشير إلى أن الأهداف الاقتصادية للرحلة لم تتحقق. وخلال عودته إلى أنقرة، قدم أردوغان قراءة غامضة للاتفاق الاقتصادي بالقول: «اتفقنا مع المملكة العربية السعودية على إعادة تنشيط الإمكانات الاقتصادية الكبيرة من خلال المنظمات التي ستجمع مستثمرينا معًا». ومع ذلك، فإن النجاح الدبلوماسي للرحلة قد يؤدي إلى فوائد اقتصادية ملموسة لتركيا في الأشهر المقبلة، وربما يكون ذلك في الوقت المناسب لأردوغان لتجديد حملته لإعادة انتخابه العام المقبل.