أوّل الكلام آخره:
- وسط طفرة تاريخية في عمليات عبور المهاجرين وفي ظلّ أزمة إنسانية وأمنية متفاقمة، زار الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن الحدود في إلباسو بولاية تكساس، في أول رحلة له إلى الحدود الجنوبية للولايات المتحدة منذ أن تولى الرئاسة.
- على الرغم من أنّ بايدن عمد لشهور عدة من حملته الانتخابيّة إلى انتقاد تشريعات الهجرة في عهد ترامب مثل «القانون 42»، فقد وسعت إدارته تطبيق القواعد المثيرة للجدل المتعلقة بالصحة الوبائية.
- أدت الحملة على المهاجرين على الحدود الجنوبية للولايات المتحدة إلى زيادة الطلب بشكل كبير على المهربين والمتاجرين بالبشر، وإثراء الكارتلات، وتصعيد العنف حول الحدود.
- تواجه إدارة بايدن-هاريس انتقادات متزايدة من جانب الجمهوريين والمدافعين عن المهاجرين على حد سواء بشأن طريقة تعاملها مع الحدود الجنوبية للولايات المتحدة، واعتمادها على التدابير المؤقتة، فيما يبدو الحل المستدام أمرا بعيد المنال.
في 8 يناير زار الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن الحدود في إلباسو بولاية تكساس، في أول رحلة له إلى الحدود الجنوبية للولايات المتحدة منذ توليه منصبه قبل عامين. وتأتي زيارة الرئيس بايدن وسط طفرة تاريخية في عمليات عبور المهاجرين، وهي أزمة إنسانية وأمنية بدأت تتكشف منذ سنوات وتسارعت في الأشهر الماضية. ووفقًا لإدارة الجمارك وحماية الحدود الأمريكية، فقد وقعت أكثر من 2.3 مليون مواجهة مع أفراد حاولوا عبور الحدود الجنوبية في السنة المالية 2022 – وهو أعلى رقم تسجله الإدارة. وفي السنة المالية 2023 وحدها، زاد عدد المواجهات الجنوبية الغربية عن تلك المسجلة في عام 2020 بأكمله، مما يشير إلى أن الاتجاه المسجل سيستمر في التصاعد على الأرجح. وفي زيارة بايدن القصيرة، التقى بضباط حرس الحدود وأعضاء من الكونغرس ومسؤولين محليين عند جسر ميناء الدخول للأمريكيتين – أكثر معابر إلباسو ازدحامًا – وجال في مركز خدمات المهاجرين في مقاطعة إلباسو. وكان الرئيس بايدن قد اختار في عام 2021 نائبته كامالا هاريس لقيادة جهود البيت الأبيض لمعالجة الهجرة على الحدود الجنوبية للولايات المتحدة والعمل مع دول أمريكا الوسطى للتعامل مع الأسباب الجذرية للهجرة إلى الولايات المتحدة من المنطقة. على أن استراتيجية التركيز على الظروف في أمريكا الوسطى – حيث يأتي تاريخيًا عدد كبير من المهاجرين إلى الولايات المتحدة – قد عقدت استجابة الإدارة مع تغير تدفقات الهجرة بشكل كبير وتزايد الأعداد القادمة من فنزويلا ونيكاراغوا وكوبا وهايتي.
على خلفية الزيارة، أعلنت إدارة بايدن عن برنامج يوسع نطاق «القانون 42» المثير للجدل، وهو قانون يعود إلى عهد ترامب أدى اعتماده إلى طرد العديد من طالبي اللجوء – 29 بالمائة من جميع الطالبين في نوفمبر – على الفور إلى المكسيك بذريعة الحد من انتشار كوفيد-19. على أن هذا القانون قد ينتهك القانون الدولي بشأن اللجوء، وصرح مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، بأن السياسات الجديدة «تخاطر بتقويض الأسس الأساسية للقانون الدولي لحقوق الإنسان وقانون اللاجئين». وكان من المقرر أن ينتهي سريان قانون الوباء هذا الشهر الماضي، لكن المحكمة العليا الأمريكية أوقفت ذلك، فيما كان آلاف المهاجرين قد توافدوا إلى الحدود في انتظار انتهاء صلاحية القانون 42. وعلى الرغم من إدانة بايدن السابقة لهذا القانون واعتراف إدارته بأنه يؤدي إلى تفاقم المشاكل على الحدود، فقد عمدت الإدارة في وقت سابق من هذا الشهر إلى توسيع نطاقه ليشمل المهاجرين من نيكاراغوا وكوبا وهايتي، وكثير منهم يفرون من الأنظمة القمعية أو الصراع العنيف في بلادهم.
وفضلا عن توسيع نطاق القانون 42، اقترحت الإدارة أيضًا تنظيما من شأنه استبعاد المهاجرين من حق اللجوء في الولايات المتحدة إذا عبروا الحدود بشكل غير قانوني دون طلب الحماية أولًا في بلد ثالث مثل المكسيك. والاقتراح مشابه لسياسة إدارة ترامب التي كانت قد استبعدت في وقت مبكر من إدارة بايدن، وسيسمح لمسؤولي الحدود الأمريكيين بترحيل المهاجرين غير المستوفين للشروط بسرعة، حتى لو توقف العمل بالقانون 42 في نهاية المطاف. إن توسيع نطاق القانون 42 ليشمل النيكاراغويين والكوبيين والهايتيين، فضلا عن الاقتراح الجديد، يضع مزيدًا من الضغط على نظام الهجرة واللجوء المتراكم بشكل مذهل، مع احتمال انتهاك حقوق اللجوء المقننة في الولايات المتحدة والقانون الدولي. وإلى جانب هذه السياسات، أعلنت الإدارة أن النيكاراغويين والكوبيين والهايتيين سيكونون مؤهلين لبرنامج صغير الحجم يمكنهم من خلاله دخول الولايات المتحدة بموجب عفو إنساني، فضلا عن الفنزويليين الذين يحق لهم ذلك أصلا. ولكن هذا البرنامج لا يمنح إلا لـ 30000 طالب لجوء شهريًا – مقسمين على الجنسيات المؤهلة – ولا يسمح لهم بالبقاء في الولايات المتحدة إلا لفترة محدودة من الوقت. وقد اعترفت الإدارة بأن السياسات هي «إسعافات مؤقتة»، وأنها لا تعالج الأزمة الإنسانية والأمنية المتفاقمة، ودعت الكونجرس إلى سن إصلاح أكثر شمولًا في مجال الهجرة.
وقد أدى التدفق التاريخي للمهاجرين الذين يعبرون الحدود إلى اكتظاظ مراكز الاستقبال في إلباسو وترك مئات المهاجرين ينامون في الخارج في ظروف غير آمنة حيث يتعرض الكثير منهم لعدد لا يحصى من المخاطر البيئية، حيث يمثل انخفاض درجات الحرارة خطرًا حقيقيًا على المهاجرين غير المؤهلين لظروف الطقس البارد. وبالنسبة لأولئك الذين ينتظرون طلبات اللجوء في المكسيك، فإن الوضع في المخيمات مريع، حيث يواجه العديد منهم ندرة الغذاء وظروفا غير لائقة للسكن. ويساهم العنف الجنسي والجنساني الموثق، والاختطاف، والاكتظاظ، والمرافق الصحية المحدودة، والبنية التحتية السيئة في المخيمات المؤقتة في خلق ظروف معيشية لا يمكن تحملها.
وقد أدى الطرد الفوري للمهاجرين إلى زيادة عدد محاولات الدخول بدلًا من أن يشكل رادعا، وزاد الطلب على المهربين، مما أدى إلى نتائج عنيفة أو مميتة. وعُثر في يونيو على أكثر من 50 مهاجرًا ميتين في شاحنة مهجورة خارج سان أنطونيو فيما يبدو أنه أكثر حالات تهريب البشر فتكًا في تاريخ الولايات المتحدة الحديث. ومع انخفاض المسارات القانونية بشكل كبير، والظروف الخطرة لأولئك الذين ينتظرون طلباتهم، يكون العديد من المهاجرين على استعداد لدفع آلاف الدولارات للمهربين لإيصالهم إلى الولايات المتحدة. هذا الطلب على المهربين يعمل أيضًا على إثراء الجماعات الإجرامية المنظمة، بما في ذلك بعض أعنف عصابات المخدرات في المكسيك. وما كان في يوم من الأيام شبكة متناثرة من «الذئاب» المستقلين من المهربين تطور اليوم إلى «شركة» دولية بمليارات الدولارات تسيطر عليها الجماعات الإجرامية المنظمة، وفقًا لتحقيقات الأمن الداخلي. ومع تطور الأعمال المربحة، أصبح من المستحيل عمليًا على المهاجرين الذين يحاولون عبور الحدود الهرب من الكارتلات، مما يعرض المهاجرين لخطر متزايد من العنف والاختطاف والتعذيب والابتزاز. ومع اشتداد القيود على الحدود، ستستمر المنظمات الإجرامية في الاستفادة من الوضع، مما يرسخ مخاوف الأمن القومي ويؤجج الأسباب الجذرية العنيفة التي تحفز الهجرة.
وتأتي زيارة الرئيس بايدن والقيود الجديدة على الحدود في الوقت الذي يواجه فيه الرئيس انتقادات متزايدة من جميع جوانب الطيف السياسي، حيث شجب أعضاء الحزب الجمهوري والمدافعون عن الهجرة تعامل الإدارة مع الحدود الجنوبية، وإن كان ذلك لأسباب مختلفة. وقد اندلعت المعارك العامة حول السياسات في الأشهر القليلة الماضية، حيث أرسل حكام تكساس وأريزونا الآلاف من طالبي اللجوء إلى نيويورك وواشنطن العاصمة، وأحيانًا إلى منزل نائبة الرئيس هاريس، تنصلا من مسؤولياتهم وإجبارا للحكومة الفيدرالية على تحمل مسؤولية الأزمة. ولكن مجموعة السياسات الحدودية المعلنة حديثًا تضع الرئيس في مواجهة العديد من حلفائه، حيث عارض بعض السياسيين في حزبه والمدافعين عن الهجرة نهج الإدارة المتمحور حول إنفاذ القوانين. ويبدو أن الجدل الدائر حول اكتشاف مجموعتين من الوثائق السرية قد يصرف الانتباه عن الأزمة على طول الحدود الجنوبية، وهي أزمة لا تغطى جيدا في الإعلام على كل حال. وعلى الرغم من أن الإدارة قالت إنها تتعاون مع وزارة العدل الأمريكية أثناء مراجعتها للأمر، إلا أن الإعلان وفر غذاءً للمنتقدين في الكونجرس. ومع استمرار الجدل الدائر، فقد تطمس الأزمة على الحدود، فيما يبدو الحل المستدام والإنساني أمرا بعيد المنال.