أوّل الكلام آخره:
- من المرجح أنّ جهة خارجية تقف وراء الانفجار الذي أصاب إحدى المنشآت النووية الإيرانية الرئيسة في 2 تموز / يوليو.
- أدت النكسات التي أصابت الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 إلى تجدد القلق الدولي بشأن البرنامج النووي الإيراني.
- سوف تعتمد الولايات المتحدة والقوى الإقليمية اعتمادا متزايدا على العمل المباشر لتقييد القدرات النووية الإيرانية.
- إن أثر أي تحرك عسكري أو استهداف مباشر لمنشآت إيران النووية هو أثر زائل بخلاف الأثر الذي يحدثه اتفاق نووي دائم مع إيران.
بين شهري حزيران / يونيو وتموز / يوليو 2020، وقع عدد من الانفجارات المبهمة في إيران وكان أبرزها الانفجار الذي وقع في 25 حزيران / يونيو في منشأة في بلدة خوجير في شرق طهران، وهو الانفجار الأكثر ارتباطا ببرنامج الصواريخ الباليستية الإيراني. كما وقع تفجير آخر في الثاني من تموز / يوليو في منشأة إيران الرئيسة لتخصيب اليورانيوم في نطنز في وسط إيران. هذا، فضلا عن انفجارات أخرى وحدوث أعطال في التيار الكهربائي على مدى الشهرين الماضيين، على الرغم من أنه لم يتضح بعد ما إذا كانت هذه الأحداث جميعا نتيجة استهداف متعمد أو أنها مرتبطة بعضها ببعض. وفي حين أن المنشأة التي تضررت في خوجير، والتي يزعم أنها من المنشآت المنتجة لوقود الصواريخ، ذات أهمية هامشية، إلا أن منشأة نطنز لها صلة مباشرة بالتهديد الذي يشكله البرنامج النووي الإيراني.
وتفيد عدة تقارير أن المبنى في منشأة نطنز، وهو مصنع لإنتاج أجهزة الطرد المركزي المتطورة التي تستخدم لتخصيب اليورانيوم، قد دمر دمارا هائلا كما ظهر في صور الأقمار الصناعية التجارية. ويسمح الاتفاق النووي لإيران بالبحث والتطوير فقط دون تركيب أجهزة طرد مركزي جديدة تساعدها على تخصيب كميات أكبر من المسموح بها. ومنذ منتصف عام 2019، وردا على انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق عام 2018 وإعادة فرضها لجميع العقوبات، خفضت إيران امتثالها بالقيود النووية المفروضة على الاتفاق. ولو بدأت إيران في تركيب أجهزة الطرد المركزي المتطورة التي كانت تقوم بتصنيعها في منشأة نطنز واستخدامها، لكان «وقت الاختراق» قد تقلّص على نحو يشكل تهديدا خطيرا على الولايات المتحدة وحلفائها. والمقصود بوقت الاختراق هو ذلك الوقت اللازم لصنع ما يكفي من المواد الانشطارية اللازمة لإنتاج سلاح نووي واحد.
ومع تضاؤل قدرة الاتفاق النووي لعام 2015 على تقييد البرنامج النووي الإيراني، ترى الولايات المتحدة وحلفاؤها الإقليميون، ولا سيما إسرائيل، أن العمل المباشر ضروري لتقييد البرنامج النووي الإيراني. وتشكّل منشأة نطنز التي تنتج أجهزة طرد مركزي متطورة هدفا مهما لأي جهة خارجية تريد أن تستهدف برنامج إيران النووي. وعلى الرغم من غياب أي دليل مباشر، برز توافق واسع في الآراء على أن انفجار نطنز في 2 تموز / يوليو ناجم عن هجوم متعمد. وذكر تقرير نشرته صحيفة واشنطن بوست في 6 تموز / يوليو نقلا عن «مسؤول أمني في الشرق الأوسط»، أن عبوة ناسفة زرعت في المنشأة «لإرسال إشارة» إلى طهران. وقال وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس إن بلاده ليست «بالضرورة» وراء كل انفجار في إيران، وهي صياغة يبدو أنها تؤكد على أن الانفجار عملية إسرائيلية. ولم ترد تقارير عن وجود طائرات مقاتلة أو نشاط صاروخي في إيران وقت وقوع الانفجار، مما يشير إلى أن إسرائيل ربما استخدمت عملاء داخل إيران لضرب المنشأة. وقد أثبتت إسرائيل عام 2018، أنها قادرة على العمل داخل إيران، وذلك عندما تمكّنت من إخراج مجموعة من الوثائق حول جهود إيران السابقة لتطوير جهاز متفجر نووي. وفي عام 2010، قامت الولايات المتحدة وإسرائيل بتطوير دودة كمبيوتر «ستوكس نت» واستخدامها لتدمير حوالى 1000 جهاز طرد مركزي من أجهزة الطرد المركزي الإيرانية التي كانت تعمل في نطنز آنذاك والبالغ عددها 5000 جهاز. ومن المرجح أن تستهدف كل من إسرائيل أو الولايات المتحدة البنية التحتية النووية الإيرانية بأقرب وقت بعد أن ثبت عجز الاتفاق النووي لعام 2015 على تقييد التكنولوجيا الإيرانية.
يسهم أي استهداف مباشر ضد المنشآت النووية الإيرانية بإحياء الجدل حول الوسائل المثلى للحد من البرنامج النووي الإيراني. ومن شبه المؤكد أن إيران ستكون قادرة على إعادة بناء ما دمّر في منشأة نطنز المتضررة، تماما كما حصل مع الهجوم الإلكتروني بدودة كمبيوتر «ستوكس نت» سابقا. وكانت إدارة أوباما قد خلصت إلى أن العمل العسكري أو الهجمات الإلكترونية من شأنها أن تؤدي إلى تراجع البرنامج الإيراني ولكن بصورة مؤقتة فقط، ولذلك فإن الاتفاق الدبلوماسي مطلوب لتحقيق أهداف الولايات المتحدة. وقد سعى الرئيس ترامب إلى إجبار إيران على الموافقة على اتفاق منقح يفرض قيودا أكثر صرامة على البرنامج النووي الإيراني ويتضمن قضايا أخرى تثير قلق الولايات المتحدة، لكن طهران ترفض التفاوض حتى اليوم. وتعد الخيارات اليوم محدودة أمام إدارة ترامب، فخيار الضغط المباشر يكاد يكون الخيار الوحيد المتاح حاليا، ولكنه أثره لا يعدو أن يكون هامشيا، فإذا ما تجاوز ذلك فإنه قد يتسبب بحرب شاملة مع إيران تسعى الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى تجنبها.