أوّل الكلام آخره:
- مخاوف الصين من المتطرفين الإسلاميين بين سكانها من الأويغور تشكل سياستها تجاه طالبان وأفغانستان.
- تبالغ الصين منذ فترة طويلة في تأكيداتها على ارتفاع معدّلات التطرف بين الأويغور لتسويغ إجراءات القمع الجماعي ضدهم، ولا سيما في إقليم شينجيانغ.
- من المرجح أن تحافظ الصين على استثماراتها في أفغانستان، لتشكّل حافزا لطالبان للتعاون معها في مكافحة الإرهاب وغيرها من القضايا.
- تعمل الصين على توسيع حضورها العسكري في آسيا الوسطى في محاولة لضمان ألّا تتمكّن الجماعات الجهادية من العبور إلى أراضيها.
سارعت الصين، على غرار القوى العالمية الأخرى، إلى اجتراح الطرائق المناسبة للتعامل مع استيلاء طالبان المفاجئ على أفغانستان. ولعل من بين أهم الاعتبارات بالنسبة للصين هو احتمال تمتع الجماعات الإسلامية المتطرفة العنيفة بملاذ آمن جديد في أفغانستان. وعلاوة على ذلك، فلدى الصين مصالح استثمارية في أفغانستان (ولا سيّما في قطاع التعدين) كانت قد أنشأتها في ظل حكم الحكومة الأفغانية السابقة. ولمعالجة مخاوف الصين المختلفة، يبدو أنها قد استقرت على استراتيجية متعددة المسارات تستند إلى الانخراط الدبلوماسي من جهة وإلى توسيع التحالفات السياسية والعسكرية الإقليمية من جهة أخرى؛ وتمكّن هذه الترتيبات بكين من الدفاع عن مصالحها في حالة تهديد نظام طالبان أو سياساته للأمن القومي الصيني.
على الصعيد الدبلوماسي، تبلورت سياسة الصين بشكل جدي في أواخر تشرين الأول (أكتوبر) مع اجتماعات وزير الخارجية وانغ يي مع أعضاء حكومة طالبان الأفغانية المؤقتة في الدوحة بقطر. فقد تعهدت الصين، في إشارة إلى رغبتها في التعاون مع طالبان، بمواصلة الاستثمار في أفغانستان – وهو حافز مهم يغري طالبان بالتعاون نظرًا للانهيار الفعلي للاقتصاد الأفغاني منذ استيلاء التنظيم على السلطة. وقال المتحدث باسم طالبان ذبيح الله مجاهد منتصف تشرين الأول (أكتوبر):
[الصين] مهتمة بالاستثمار في بعض القطاعات في أفغانستان وتريد التفاوض على التفاصيل. وأحد المشاريع هو مس عينك (وهو موقع أحد أكبر مناجم النحاس في أفغانستان والذي يضم أيضًا أطلالًا بوذية قديمة)، وهو أحد المناطق المهمة التي يريدون استثمار مليارات الدولارات فيها، وتحتاج أفغانستان أيضًا إلى ذلك. لقد وعدناهم بتوفير الأمن لاستثماراتهم وأصولهم.
وكانت المشاريع الصينية في أفغانستان قد توقفت منذ فترة طويلة بسبب القتال في المناطق المجاورة، ومن المحتمل أن يسمح انتهاء الحرب الأهلية في أفغانستان، فيما إذا كتب لهذه الحرب بالانتهاء، لهذه المشاريع بالاستئناف. والصين مهتمة أيضا، وكذا مستثمرون آخرون، برواسب معادن الأرض النادرة والمعادن الأخرى المفيدة في التقنيات الجديدة والناشئة.
ورغم اهتمام الصين بالعوائد الاقتصادية الممكنة لاستثماراتها في أفغانستان، فإن ما يعنيها في المقام الأول هو الحصول على مساعدة طالبان في مواجهة ما تعدّه الصين تهديدات لأمنها القومي. ومن بين مخاوف الصين المعلنة احتمال تمتع المتطرفين الإسلاميين بين سكانها من الأويغور بملاذ آمن في أفغانستان، يمكّنهم من شن هجمات على أهداف صينية في المنطقة أو في مقاطعة شينجيانغ الغربية حيث يقيم الكثير من الأويغور. وقد أعربت الصين عن مخاوف كبيرة بشأن مجموعة تسمى حركة تركستان الشرقية الإسلامية، والتي باتت تدعى اليوم الحزب الإسلامي التركستاني، والتي تسعى إلى إنشاء دولة مستقلة باسم تركستان الشرقية تغطي منطقة تضم أجزاء من تركيا وكازاخستان وقيرغيزستان وأوزبكستان وباكستان وأفغانستان ومنطقة شينجيانغ أويغور المتمتعة بالحكم الذاتي. وقد أدرجت وزارة الخارجية الأمريكية الحركة في عام 2002 ضمن قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية، ثم «شُطبت من القائمة» في عام 2004، ثم أعادت إدارة أوباما إدراجها في القائمة في عام 2016. وبالتوازي مع ذلك، صنّفت الأمم المتحدة الحركة مجموعة إرهابية في عام 2002، بناءً على طلب الولايات المتحدة والصين وأفغانستان وقيرغيزستان، ولا تزال على قائمة عقوبات الأمم المتحدة «1267» حتى اليوم.
ومع ذلك، يقدر عدد كبير من الخبراء أن الصين تستخدم التهديد المزعوم بالتطرف العنيف لتسويغ حملتها القمعية على الإيغور في شينجيانغ. وتفيد بعض التقارير أن الصين تحتجز أكثر من مليون من الإيغور على مدى سنوات في شبكة واسعة مما تسميه الدولة «معسكرات إعادة التعليم»، كما أنها حكمت على مئات الآلاف بالسجن. وفي تشرين الثاني (نوفمبر) 2019، نشرت صحيفة نيويورك تايمز أكثر من أربعمئة وثيقة داخلية تقدم معلومات غير مسبوقة حول الاعتقال الجماعي المنظم في الصين لسكانها المسلمين؛ وقد دعم القصص الواردة بعض أعضاء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ويبدو أنها تتمتع بشيء من المصداقية. وقد أكد تقرير سنوي إلى الكونجرس أصدرته وزارة الخارجية الأمريكية في تموز (يوليو) 2021 موقف الولايات المتحدة بأن «جمهورية الصين الشعبية ترتكب إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية ضد الأويغور، وهم في الغالب مسلمون، فضلا عن بعض الأقليات العرقية والدينية الأخرى في شينجيانغ». وتشمل الانتهاكات المبلغ عنها التعذيب والتعقيم القسري والعنف الجنسي والعنف الجندري والفصل القسري للأطفال. على أن السردية الرسمية الصينية حول ما يسمى «معسكرات إعادة التعليم» في شينجيانغ يعارضها أيضا كلام كثير من الخبراء العالميين عن افتقار المتطرفين الأويغور إلى التنسيق والأعداد الكافية التي تمكنهم من شن هجمات كبيرة في الصين. وعلى أي حال فلا يمكن لأي استراتيجية صحيحة لمكافحة الإرهاب أن تسوّغ مثل هذا الحجم من الجرائم ضد الإنسانية. وبعد أيام قليلة من الانتخابات الرئاسية الأمريكية في تشرين الثاني (نوفمبر) 2020، أزالت إدارة ترامب، مستشهدة بقمع الصين للأويغور – أحد موارد الخلاف العديدة بين إدارة ترامب والصين – الحركة من قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية. ثم أكد وزير الخارجية مايك بومبيو أنه «لا يوجد دليل مؤكد على استمرار هذه الحركة.»
إن الصين، التي لم تخجل من الانتقادات الدولية لمعاملة الأويغور ولمنعها أي تفتيش للأمم المتحدة بشأن حقوق الإنسان، تعمل على توسيع حضورها العسكري بالقرب من حدودها مع أفغانستان. وهذا يجعلها في وضعية تسمح لها بمنع المتطرفين من عبور الحدود إلى الصين من أفغانستان من جهة، وبالعمل عسكريا ضد طالبان إذا سمحت بملاذ آمن للجماعات المعادية للصين أو دعمت نشاطها من جهة أخرى. وسيكون من المثير للاهتمام ملاحظة ما إذا كانت الجماعات الأفغانية المعارضة لطالبان ستستخدم علاقة طالبان الوثيقة بالصين، على الرغم من قمع الصين للمسلمين في شينجيانغ، لتحدي دعاوى طالبان الإسلامية. وفي تشرين الأول (أكتوبر)، وافقت طاجكستان، التي تشارك الصين مخاوفها بشأن نوايا طالبان، على تمويل الصين لقاعدة عسكرية ونقل السيطرة الكاملة إلى الصين في قاعدة أخرى تقع بالقرب من تقاطع الحدود الأفغانية والصينية والطاجكية. ومع ذلك، يقدر معظم الخبراء أن مبالغة الصين في تصوير التهديد الذي يمثله مجتمع الأويغور لتسويغ أفعالها التي لا تقبل التسويغ، وتوسيع حضورها العسكري في آسيا الوسطى، لن يفعلا الكثير لتهدئة الانتقادات الدولية أو كسب الدعم لسياسات الحكومة الصينية المحلية.