أوّل الكلام آخره:
- بدأ سلطان عمان الجديد هيثم بن طارق آل سعيد يضفي لمساته الخاصة على الحكم بعد وفاة السلطان قابوس في كانون الثاني / يناير الذي حكم البلاد لمدة 50 عاما.
- تواجه عمان ضغوطا من الحلفاء في الولايات المتحدة والخليج الفارسي للابتعاد عن الحيادية النسبية التي كان يتمتع بها قابوس في الشؤون الإقليمية.
- تضغط إدارة ترامب على السلطنة لتنحو منحى دولة الإمارات العربية المتحدة في تطبيع العلاقات مع إسرائيل قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية في تشرين الثاني / نوفمبر 2020.
- سيحذو السلطان هيثم حذو قابوس في سياسته مع إيران، بما في ذلك تسهيل المفاوضات حول تنقيح الاتفاق النووي المتعدد الأطراف مع إيران.
توفي قابوس بن سعيد، الذي حكم سلطنة عمان، وكان حليفا قويا للولايات المتحدة في الخليج الفارسي منذ عام 1970، في كانون الثاني / يناير بعد مرض طويل، وخلفه ابن عمه السلطان هيثم بن طارق آل سعيد، وذلك قبل أن ينتشر وباء كورونا في المنطقة، وهو ما ألحق المزيد من الضرر بالاقتصاد العماني الهش أصلا. وستشكل الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها عمان، فضلا عن الصراعات والتوترات التي تشهدها المنطقة بين الولايات المتحدة وإيران، اختبارا لقدرة السلطان الجديد على الحفاظ على سياسات قابوس القائمة منذ فترة طويلة على الوساطة بين الحلفاء المتخاصمين والابتعاد عن المشاركة العسكرية المباشرة في صراعات المنطقة.
وفي آب / أغسطس، سعى السلطان هيثم إلى تعزيز سيطرته السياسية من خلال إعادة تشكيل مجلس الوزراء. ومن بين التغييرات الرئيسة، الاستبدال بيوسف بن علوي بن عبد الله، وزير الخارجية الأطول خدمة في العالم العربي، الأمين العام للوزارة، بدر بن حمد البوسعيدي، الذي اشتهر في السنوات الأخيرة بخطاباته حول السياسة الخارجية العمانية. كما استلم سلطان الحبسي، الأمين العام للمجلس الأعلى للتخطيط ورئيس مصلحة الضرائب في سلطنة عمان، منصب وزير المالية. وقد أقام وزير التجارة والصناعة الجديد قيس اليوسف علاقات وثيقة مع القطاع الخاص بوصفه رئيس غرفة التجارة والصناعة العمانية. وقد احتفظ السلطان هيثم رسميا بوزارة الدفاع، ولكنه عين شقيقه شهاب بن طارق نائبا لرئيس الوزراء لشؤون الدفاع، لخبرته العسكرية الواسعة التي يفتقر إليها السلطان هيثم.
وخلافا لمعظم حلفاء عمان في دول مجلس التعاون الخليجي، فهي ليست مصدرا هاما للنفط والغاز، كما أنها لا تعتمد، ولا يمكنها أن تعتمد، على عكس البحرين، على تبرعات دول كالمملكة العربية السعودية. ونتيجة لذلك، فإن السلطان هيثم معرض لضغوط الإمارات العربية المتحدة، التي توظّف ثقلها المالي، وهو ثقل ظاهر في عُمان، في خدمة أهدافها الإقليمية. وتضغط الإمارات العربية المتحدة وهي مستثمر رئيس في سلطنة عمان، وكذا الولايات المتحدة، الحليف الاستراتيجي الوثيق لعمان، في ظل إدارة ترامب على السلطان الجديد ليحذو حذو الإمارات العربية المتحدة في تطبيع العلاقات مع إسرائيل. كما تشهد مسقط ضغوطات متزايدة لتبقى على مسافة من إيران، التي حافظ قابوس على علاقات طيبة معها على الدوام. ومن شأن تطبيع العلاقات بين عمان وإسرائيل أن يكون متسقا مع سياسات قابوس، فهو كان قد استقبل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في مسقط في زيارة مفاجئة في تشرين الأول / أكتوبر 2018. وقد التقى وزير الخارجية مايك بومبيو بالسلطان هيثم في أواخر آب / أغسطس في محاولة لتشجيع عُمان على الإعلان عن مثل هذا التطبيع قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية في 3 تشرين الثاني / نوفمبر، وهي خطوة من شأنها أن تساعد إدارة ترامب على الظهور بمظهر من يحلّ السلام في منطقة تعاني من الصراعات المزمنة. وبالنسبة لدولة الإمارات العربية المتحدة، فإن انضمام عُمان إليها في تطبيع العلاقات مع إسرائيل قد يزيد من عزلة قطر، وهي دولة تنتمي إلى مجلس التعاون الخليجي أيضا ولكن الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية تحاصرانها منذ عام 2017. وكان قابوس يرفض عزل قطر ويسعى بدلا من ذلك إلى التوسط لإنهاء الخلاف بين دول مجلس التعاون الخليجي، وهو الموقف الذي يتبناه السلطان هيثم حتى اليوم.
ومن المستبعد أن تسفر الضغوط التي يمارسها حلفاء عمان في مجلس التعاون الخليجي ومعهم إدارة ترامب عليها للانضمام إلى الاستراتيجية الأمريكية المتمثلة في حملة «الضغط القصوى» ضد إيران عن نتائج ملموسة. ولم يعط السلطان هيثم أي إشارة تدل على أنه ينوي اعتماد سياسة تغاير سياسة قابوس في التعامل مع إيران، والدخول معها في مشاريع مشتركة للتنمية الاقتصادية، والوساطة بينها وبين خصومها، بما في ذلك الولايات المتحدة. وقد ارتكزت السياسة العمانية على اعتقاد يقضي بأن التفاعل المستمر مع إيران سيحدث تغييرات إيجابية في سلوك إيران، في حين أن مواجهة طهران ستؤدي إلى اندلاع الأزمات والصراعات. ولم تنضم عُمان إلى التحالف الذي تقوده السعودية ضد حركة الحوثيين المدعومة من إيران في اليمن، وكانت الدولة الوحيدة في مجلس التعاون الخليجي التي لم يتراجع مستوى علاقاتها مع إيران في ظل الأزمة الدبلوماسية التي وقعت بين إيران والسعودية عام 2016. وقد أسهم التواصل بين عُمان وإيران إلى نجاح الأولى في وساطتها بين الطرفين لإجراء محادثات هادئة في أوائل عام 2013، وهي المحادثات التي أدت في نهاية المطاف إلى إبرام الاتفاق النووي المتعدد الأطراف عام 2015. وقد انسحبت إدارة ترامب من هذا الاتفاق عام 2018، لكن الرئيس ترامب يسعى إلى تعديل الاتفاق بموجب شروط أكثر ملاءمة لمصالح بلاده، ومن الواضح أن المرشح الديمقراطي للرئاسة، نائب الرئيس السابق جوزيف بايدن، يؤيد العودة إلى هذا الاتفاق. وبغض النظر عن نتيجة الانتخابات الأمريكية، فمن المرجح أن تلعب عُمان دورا رئيسا في أي مفاوضات مقبلة بين الولايات المتحدة وإيران.