أوّل الكلام آخره:
- أثارت إعادة فرض طالبان للقيود على النساء والفتيات التي ميزت حكمها السابق إدانة واسعة النطاق في الداخل والخارج.
- وتؤكد المراسيم الجديدة التي تحد من حقوق المرأة وتحل هيئات حقوق الإنسان أن القادة المتشددين في طالبان ما زالوا مهيمنين على الحركة.
- إن سياسات طالبان تجاه المرأة ستعيق جهودها للحصول على اعتراف رسمي بحكومتها في أفغانستان.
- قد تؤدي قيود طالبان إلى فرض عقوبات أمريكية إضافية كما أنها تهدد المساعدة الدولية التي تعدّ حيوية للاقتصاد الأفغاني.
فرضت طالبان أقسى قيودها على النساء منذ عودتها إلى السلطة في كابول في آب (أغسطس) 2021، وأمرت في 7 أيار (مايو)، جميع النساء بالتستر في الأماكن العامة مبدية تفضيلها للأثواب التي تغطي النساء من الرأس إلى أخمص القدمين (أو ما يعرف بالبرقع)، والتي ليس فيها سوى ثقب صغير في الوجه للرؤية. وصرح مسؤول من وزارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التابعة لحكومة طالبان، وهي المسؤولة عن فرض القيود على جميع أشكال الحياة الاجتماعية في أفغانستان: «بالنسبة لجميع الأفغانيات الكريمات، فإن ارتداء الحجاب ضروري، وأفضل الحجاب هو التشادور (البرقع) وهو جزء محترم من تقاليدنا. ويجب على النساء من غير الصغيرات أو الطاعنات في السن تغطية وجوههن، باستثناء العيون». وأضاف المرسوم أنه يجب على النساء البقاء في المنزل ما لم يكن لديهن «عمل مهم» في الخارج. وتبدو الوزارة جادة في تعقب المخالفات للمراسيم الجديدة. وقد أمرت السلطات بفصل الموظفات الحكوميات اللائي لا يلتزمن بقواعد اللباس الجديدة وفرضت عقوبات على الذكور من عوائل النساء اللواتي لا يمتثلن. وبالنسبة للعديد من الأفغان، يهدد المرسوم أيضًا بمحو التقاليد المحلية والإقليمية التي غالبًا ما تشمل الملابس الملونة والإكسسوارات التي تعكس عادات ثقافية وتاريخية طويلة الأمد. ومع هذا المرسوم، بدأ العديد من النساء الأفغانيات (والرجال) حملات لعرض الأنواع المتعددة من الملابس والمجوهرات التي تعكس التقاليد الأفغانية المتنوعة.
ولعل «مرسوم البرقع» هو الأبرز بين جملة إجراءات اتخذتها طالبان مؤخرا وأثارت التساؤل عن التزام الحركة بتجنب تكرار تجربة حكمها القاسي الذي استمر بين 1996 و2001. في 23 آذار (مارس)، وبعد ساعات قليلة من توقع عودة الفتيات إلى مدارسهن الثانوية، أعلنت سلطات طالبان إغلاقها. وفي كانون الأول (ديسمبر) 2021، حظرت الحركة على النساء السفر لمسافة تزيد عن 45 ميلًا دون محرم. وفي 12 أيار (مايو)، أصدرت الوزارة تعليمات لسكان هرات، وهي مدينة رئيسية في غرب أفغانستان يسكنها إلى حد كبير الطاجيك الناطقون بالفارسية، بضرورة فصل الرجال والنساء (بما في ذلك الأزواج) في المطاعم. كما أمرت الوزارة بفصل المتنزهات العامة في هرات حسب الجنس، مع السماح للرجال والنساء بالزيارة في أيام مختلفة. وفي وقت مبكر من هذا الأسبوع، قامت طالبان أيضًا بحل عدد من الهيئات المرتبطة بالحكومة السابقة بما في ذلك اللجنة الوطنية الأفغانية لحقوق الإنسان، والمجلس الأعلى للمصالحة الوطنية، ومجلس الأمن القومي، ولجنة الإشراف على تنفيذ الدستور الأفغاني. وعدتها جميعا «غير ضرورية» ولم تُضمّن في ميزانية الحكومة.
وتعكس اللوائح والتدابير الجديدة بوضوح صعود المتشددين داخل النظام الجديد على النحو الذي كان سائدا خلال فترة سيطرة طالبان السابقة على الحكومة. وتشكل وزارة الأمر والنهي معقلا للمتشددين الإسلاميين، ولخا سلطات شبه مطلقة. وقال القائم بأعمال رئيس الوزارة، عندما سأله صحفيون عن القيود المفروضة على المرأة: «المبادئ الإسلامية والأيديولوجية الإسلامية أهم بالنسبة لنا من أي شيء آخر». وفي أعقاب مرسوم قواعد اللباس، فرّق موظفو الوزارة والسلطات الأخرى احتجاجًا نسائيًا صغيرًا ضد اللوائح الجديدة، ومنعوا الصحفيين من تغطية المظاهرة، مبددين أي انطباع كان وقت استيلائهم على السلطة عن أنهم باتوا «أكثر ليونة». وفيما بعد، اعتقلت السلطات منظمي الاحتجاج، واحتجزتهم بمعزل عن العالم الخارجي، ولكنها في الوقت عينه نفت اعتقالهم. ولم تترك ممارسات الوزارة أي أمل في أن يسود المعتدلون داخل طالبان في الصراع الداخلي، وأن يعتمدوا سياسات تحترم حقوق النساء والفتيات وتلتزم بالالتزامات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان. ويخشى البعض من أن نظام طالبان الحالي قد يعيد إحياء ممارسات الحركة السابقة المتمثلة في تنفيذ عمليات إعدام علنية وفرض عقوبات قاسية باسم العدالة. وقد تمحو مثل هذه التدابير عقدين من التقدم المحرز في دعم حقوق الإنسان وحقوق النساء وتشجيع جيل كامل من المواطنين الأفغان على الانخراط في الفضاء العام والسياسة والأمن ووسائل الإعلام.
وكان رد فعل المجتمع الدولي سريعًا على القيود الجديدة المفروضة على المرأة. فبعيد صدور مرسوم قواعد اللباس، صرحت مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى ومسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي في بيان مشترك: «بهذه الإجراءات، فإن طالبان تزيد من عزلة نفسها عن المجتمع الدولي». وصرح مبعوث الاتحاد الأوروبي الخاص إلى أفغانستان، توماس نيكلاسون، أن القيود المفروضة على النساء والفتيات في الأشهر العديدة الماضية «زرعت بعض الشكوك لدينا بشأن موثوقية وعودهم». وأضاف أن ما تريده المرأة الأفغانية حقًا هو الحق في العمل والتعليم والوصول إلى المرافق الصحية، «وليس تعليمات حول كيفية ارتداء الملابس». وقد أكدت النساء الأفغانيات والناشطات في الداخل والخارج مرارًا وتكرارًا هذه الأهداف، كما أن العديد من منظمات المجتمع المدني تعمل على مراقبة التطورات وتركز على الآثار الضارة لحكم طالبان. وقد حذر المجتمع الدولي طالبان مرارًا وتكرارًا من أن الإفراج عن أموال المانحين مرتبط بتحسين أوضاع حقوق الإنسان والحفاظ على الإصلاحات الجندرية السابقة وتعزيزها. ونظرًا لأن الحكومة الجديدة معزولة نسبيًا سياسيًا واقتصاديًا، فقد أصبحت أفغانستان أكثر اعتمادًا على المساعدات الخارجية مما كانت عليه الحكومات المدعومة من الولايات المتحدة خلال الفترة من 2001 إلى 2021. ومن شأن تقليص المساعدة الدولية أن يفاقم الأوضاع الإنسانية المتردية في أجزاء كثيرة من أفغانستان. وعلى الرغم من أن عدة دول في المنطقة قد أقامت علاقات دبلوماسية مع حكومة طالبان، فإن أيا منها لم يعترف بعد بطالبان حكومةً شرعية لأفغانستان. ولا شك أن القيود الجديدة التي فرضتها طالبان على النساء والفتيات ستزيد من تعقيد حملة الحركة للحصول على اعتراف رسمي.
وأشار المسؤولون الأمريكيون إلى أنهم سيضغطون على الحركة لإلغاء الإجراءات. وفي أعقاب مرسوم قواعد اللباس الذي أصدرته طالبان، أشار المتحدث باسم وزارة الخارجية نيد برايس إلى أن الولايات المتحدة قد تستخدم نفوذها المالي لإجبار النظام على تغيير مساره، وأضاف: «لقد أثرنا صراحة قلقنا هذا [بشأن قواعد اللباس] مع طالبان، وتحت تصرفنا بعض الأدوات التي نحن على استعداد لاستخدامها إذا تأكدنا أن حملة طالبان الأخيرة على النساء لن تلغى». ومن بين هذه الأدوات الأموال المجمدة من أصول البنك المركزي الأفغاني في الحسابات الأمريكية وتبلغ ما يقرب من 7 مليارات دولار؛ وقد خصصت الولايات المتحدة نصف هذا المبلغ لاستخدامه في الإغاثة الإنسانية في أفغانستان، وما يصل إلى النصف تعويضا محتملا لضحايا هجمات 11 أيلول (سبتمبر). وفضلا عن ذلك، يمكن تعديل سياسة العقوبات الأمريكية لزيادة الضغط على طالبان. فعلى سبيل المثال، يمكن إنهاء إجراءات تخفيف العقوبات التي اتخذت لتسهيل تدفق المساعدات الإنسانية الأمريكية والدولية إلى البلاد. وقد كانت هذه الاستثناءات الإنسانية انتصارًا صعبًا للجمعيات الإنسانية والخبراء الذين شنوا حملات ضد مخاطر التشدد في العقوبات وإجراءات مكافحة الإرهاب على تدفق المساعدات الإنسانية الضرورية للشعب الأفغاني؛ إن إزالة هذا الاستثناء لن يؤثر فقط على أفغانستان ولكن على السياقات الأخرى التي يمكن فيها أن يعتمد مثل هذا الاستثناء مستقبلا. وفي كل الأحوال فإن سيطرة المتشددين داخل طالبان تجعل من احتمال تمكن الولايات المتحدة والمجتمع الدولي من إجبار طالبان على تغيير مسارها بشأن حقوق المرأة – وحقوق الإنسان على نطاق أوسع – احتمالا محدودا في أحسن الأحوال.