إأوّل الكلام آخره:
- باتت البرازيل اليوم الدولة الثانية في العالم بعد الولايات المتّحدة في عدد الإصابات بوباء كورونا بسجلّ يزيد على ثلاثة أرباع المليون من الحالات.
- أمّا عدد الوفيات بالوباء فهو الأعلى في العالم، وإذا علمنا أن نسب الوفيات تتضاعف في أحزمة البؤس البرازيلية الكثيفة السكان والموبوءة بالفقر ونقص الخدمات، أدركنا حجم الكارثة التي ألمّت بهذه الأحياء.
- وقد أثّرت الفوضى سلبيا في الاستثمارات الأجنبية المباشرة، ويخشى اليوم من تدخّل الجيش في الحياة السياسية تحت غطاء إعادة الاستقرار.
- وأما القادة السياسيون من أصحاب الخطابات السلطوية فقد زادوا الطين بلّة، بدل التعامل بعقلانية مع الوباء ومع القضايا الاجتماعية والاقتصادية التي قذف بها الوباء إلى الواجهة.
باتت البرازيل اليوم الدولة الثانية في العالم بعد الولايات المتّحدة في عدد الإصابات بوباء كورونا بسجلّ يزيد على ثلاثة أرباع المليون من الحالات. وقد أثار موقف الرئيس البرازيلي في التعاطي مع الوباء، ولا سيّما تصريحه أنه يشعر بالحزن على الموتى ولكن الموت قدر محتوم على الجميع، موجة من الانتقادات الحادّة. ولكن الأخطر هو سوء تعامل إدارته المدمّر مع الوباء. وقد عمدت الحكومة في الأسبوع الماضي إلى حذف العدد الإجمالي للوفيات بكورونا من الصفحة الرسمية لوزارة الصحة، وهذا ما جعلها عرضة للاتّهامات بالتستّر على المعلومات. وقد استقال عدد من كبار وزراء الصحة في البلاد مؤخّرا احتجاجا على ما عدّوه استجابة طائشة من الرئيس بولسونارو، تضمّنت احتقارا للعلم وتبنّيا لنظريات المؤامرة وللعلاجات التي لم تثبت فعاليتها في معالجة المرض.
أمّا عدد الوفيات بالوباء بالبرازيل فهو الأعلى في العالم، وإذا علمنا أن نسب الوفيات تتضاعف في أحزمة البؤس البرازيلية الكثيفة السكان والموبوءة بالفقر ونقص الخدمات، أدركنا حجم الكارثة التي ألمّت بهذه الأحياء. وبحسب دائرة الصحة في سان باولو، فإن فقراء المدينة هم عشر مرات أكثر عرضة للموت بسبب كورونا من أغنيائها. وقد ملأت منظمات تهريب المخدرات الفراغ الحكوميّ في أحزمة البؤس، وهذا أعطى للعصابات المحلية شرعية سياسية أكبر لدى سكان الأحياء الفقيرة، فغياب الخدمات الحكومية، ولا سيّما في ظل الجائحة، أعطى الفرصة لهذه العصابات لتزويد السكان بالنصائح الصحية الضرورية المتعلقة بالوقاية من المرض. وقد اندمجت اليوم المظاهرات المندّدة بطريقة تعامل الرئيس مع المرض مع تلك المندّدة بالعنصرية والتفاوت الطبقي. على أن التوتر بين الشرطة والمواطنين ليس أمرا جديدا، وقد أدت تكتيكات القبضة الحديدية التي تتبعها الشرطة في ريو دي جينيرو وغيرها من المدن إلى اتهام الشرطة بأنها تتصرف وهي تشعر بالأمن التام من أي عقاب أو مساءلة، وهي بالفعل قليلا ما سوئلت، فضلا عن أن تكون قد عوقبت، في أحداث القتل غير القانونية.
وأدى وصف بولسونارو لفيروس كورونا بـأنه «فيروس بسيط» إلى زعزعة استقرار البلد الأكبر في أمريكا اللاتينية بعدد سكان يتجاوز الـ 210 مليون نسمة. ومما لا شك فيه أن نظام الرعاية الصحية في البرازيل اليوم نظام مثقل وعاجز عن استيعاب الحالات التي تتزايد يوميا. كما أصبح مشهد المقابر الجماعية مشهدا شائعا جدا في البلاد، ولا سيما في المناطق التي يعيش فيها أفقر مواطني البرازيل وأكثرهم هشاشة، بما في ذلك شعوب المجتمعات الأصلية. وقد أدت الفوضى إلى تراجع الاستثمار الأجنبي المباشر وتزايد المخاوف في جميع أنحاء البلاد من انخراط الجيش البرازيلي في السياسة تحت غطاء تأمين الاستقرار. وكان حكم الديكتاتورية العسكرية في البرازيل قد استمر على مدى عقدين من الزمان، من منتصف الستينيات إلى منتصف الثمانينيات عندما انتقلت إلى الحكم الديمقراطي وبدأ الازدهار الاقتصادي فيها. ومن المفارقات أن بولسونارو أثار مع محيطه المقرب شائعات عن دور مباشر وأكبر للجيش في السياسة وسعى إلى تصوير القضية على أنها قضية قانون ونظام، مما حفّز الجيش على المحكمة العليا والقضاء في البرازيل.
وتلاحق الاتهامات بالفساد إدارة بولسونارو، وكذلك بأنها تنشر المعلومات المضللة عمدا على وسائل التواصل الاجتماعي، مما أدى إلى مقارنتها بإدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وغيرها من إدارات القادة الشعبويين في جميع أنحاء العالم. وعلى غرار ترامب، أقال بولسونارو مسؤولي الصحة الذين عارضوا سعيه لإعادة فتح الاقتصاد، وأشار إلى مبالغة الإعلام في قضية وباء كورونا، كما انتقد منظمة الصحة العالمية بسبب «التحيز الإيديولوجي». وتكثر أوجه التشابه بين ترامب وبولسونارو، ومنها معارضة الأخير المسؤولين الحكوميين والمحليين الذين اتبعوا نهجا أكثر صرامة للحد من انتشار الوباء. والواقع أن القادة السياسيين من أصحاب الخطابات السلطوية لم يفعلوا إلا زيادة الطين بلّة، بدل التعامل بعقلانية مع الوباء ومع القضايا الاجتماعية والاقتصادية التي قذف بها الوباء إلى الواجهة.