أوّل الكلام آخره:
- بالنسبة للعديد من الأمريكيين، تمثل الاحتجاجات والمظاهرات المناهضة لوحشية الشرطة مؤخّرا أول إدراك منهم لعسكرة الشرطة في الولايات المتحدة.
- ترتب على تأمين المعدات العسكرية لقوات الشرطة الأمريكية من خلال برنامج 1033 آثار سلبية، خاصة على عقلية ضباط الشرطة الذين يخدمون في مجتمعاتهم المحلية، إذ كانوا يتعاملون وكأنهم يكافحون تمردا مسلحا.
- تعد «الحرب على الجريمة» محاولة أخرى للتعامل مع التحديات الاجتماعية عسكريا، كما «الحرب على المخدرات» و«الحرب على الفقر»، وهي كلها استعارات تُبسّط المفاهيم المعقدة أكثر من اللازم وتفشل في مواجهة هذه التحديات عامة.
- تتزايد الضغوط شيئا فشيئا في الكونغرس للحد من عمليات نقل المعدات العسكرية في إطار برنامج 1033.
بالنسبة للعديد من الأمريكيين، تمثل الاحتجاجات والمظاهرات المناهضة لوحشية الشرطة أول إدراك منهم لعسكرة الشرطة في الولايات المتحدة. بينما بالنسبة لآخرين، وخاصة للأمريكيين من أصول إفريقية وغيرهم من الذين يعيشون في مجتمعات الأقليات، كان خلط العمل العسكري بعمل الشرطة واضحا منذ فترة طويلة لهم. وقد شكل ما يسمى «الحرب على الجريمة» كارثة على عدة مستويات، وأدى إلى تآكل النسيج الاجتماعي للمجتمعات المحلية وبروز حالة من الشك الكبير بين موظفي إنفاذ القانون وأولئك الذين يفترض أنهم في خدمتهم. إن كل ما سبق أدى إلى نتائج عكسية، وأقل ما يُقال هو أن الشرطة اعتمدت فلسفة، تجبرها حرفيا، في بعض الحالات، على مواجهة الشعب الذي أقسمت اليمين يوما على حمايتهم. إن سردية «نحن وهم»، وتبني «عقلية المحارب»، ووصف الشرطة بأنها «الخط الأزرق الرفيع» الذي يعيق المد الإجرامي الساحق، كلها عوامل تقود عمل الشرطة وتبلور معظم تفاعلات قواتها مع جيرانهم من عامة الناس. كل ذلك جعل الأذهان تستدعي صور قندهار عند مشاهدة شوارع مدينة كانساس سيتي.
ومنذ أواخر التسعينيات، قدمت الحكومة الأمريكية معدات عسكرية جديدة ومستعملة لأكثر من 8 الاف عسكري في الشرطة المحلية تبلغ قيمتها أكثر من 6 مليارات دولار. ومن خلال وكالة اللوجستيات الدفاعية، وفي إطار برنامج 1033، تستطيع إدارات الشرطة المحلية والفيدرالية الحصول على المعدات العسكرية، ومنها المركبات المدرعة مثل المركبات البرية المضادة للألغام وقاذفات القنابل اليدوية. وقد شددت إدارات الشرطة وحكومات المدن التي تشرف عليها على أن عمليات نقل المعدات هذه كانت بلا مقابل، ولكن كانت تداعياتها في الواقع كبيرة، خاصة على المجتمعات المحلية التي وزعت عليها الأسلحة. كما ظهرت هذه التداعيات واضحة على عقلية ضباط الشرطة الذين يخدمون في مجتمعاتهم المحلية فقد باتوا يتعاملون معها كما لو كانوا يكافحون تمردا مسلحا. وعند امتلاك إدارات الشرطة لمثل هذه المعدات، فإنها ستجد طريقة ما لاستخدامها، فيما يشكّل حجة للحفاظ عليها وصيانتها، فضلا عن إظهار خطة كسب «الحرب» أمام الشعب.
وتعد «الحرب على الجريمة» محاولة للتعامل مع التحديات الاجتماعية عسكريّا، كما «الحرب على المخدرات» و«الحرب على الفقر»، وهي كلها استعارات تُبسّط المفاهيم المعقدة أكثر من اللازم بينما تفشل في معالجة هذه القضايا بفعالية. وكانت «الحرب على الجريمة» كارثة لا يمكن لأي طرف التخفيف منها بأي مقياس، حيث عمد السياسيون من كل الفئات، من إدارات المدن إلى البيت الأبيض، إلى إظهار حرصهم ومدى صرامتهم ضد الجريمة العنيفة فيما يظهر الواقع أن معدلات الجرائم العنيفة آخذة في الانخفاض على مدى العقود المنصرمة. وقد تبنت إدارات الشرطة بشكل كامل مفهوم هذه الحرب ودرّبت عناصرها على «عقلية المحارب» نظرا إلى أنهم يقومون بدوريات في الأحياء الأمريكية التي لا يسكنها أفراد الشرطة ولا يقضون أي وقت فيها. وقد تحولت العديد من إدارات الشرطة تدريجيا إلى منظمات شبه عسكرية، قولا وفعلا، كما يتضح من التدريب إلى الزي الرسمي، المؤلف من سترات مزودة بالعتاد تذكرنا بالجنود الأمريكيين في ساحات القتال. وقد صممت معدات السلامة اللازمة، مثل السترات البالستية، لسلامة الضباط التي شكلت الأولوية، أما سلامة الشعب فقد كانت مسألة ثانوية بحسب الاتجاه المعتمد في إدارات الشرطة بعد عام 2001 وبداية «الحرب على المخدرات».
وتتزايد الضغوط شيئا فشيئا في الكونغرس للحد من عمليات تقديم المعدات العسكرية في إطار برنامج 1033. ويدعم الحزبان الجمهوري والديمقراطي حظر الأسلحة الهجومية وفرض قيود على البرنامج للاكتفاء بأدوات محددة مثل الإمدادات الطبية والسترات الواقية من الرصاص والدروع. ولكن أي إصلاح ينبغي أن يمر عبر لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ، التي تحتفظ بحق الإشراف على البرنامج. ويؤمن مؤيدو البرنامج أن الشرطة بحاجة إلى مثل هذه المعدات، مشددين على سلامة الضباط وفكرة الحرب في الشوارع الأمريكية. وقد أثار استخدام المعدات العسكرية ضد المتظاهرين (مع ضرورة التمييز بينهم وبين مثيري الشغب) القلق والغضب. لكن لا تزال تداعيات هذا الغضب مبهمة، إذ لا يمكن التأكد من إمكانية تحقيق إصلاحات مهمة، خاصة الإصلاحات التي تفرض قيودا على أسلحة الحرب وتكون بداية مشوار إعادة صياغة عقلية أفراد الشرطة الذين يعدون أنفسهم محاربين. إن عمل الشرطة في أمريكا عمل محلي بجدارة. وعليه، فإن المبادئ التوجيهية الاتحادية والقيود المفروضة على المعدات العسكرية ضرورية ولكن لا تكفي لتكون بداية عملية إصلاح طال انتظارها.