أوّل الكلام آخره:
- يستغل أعداء روسيا في القوقاز تركيز روسيا على حربها ضد أوكرانيا ونقاط ضعفها الواضحة في ساحة المعركة.
- يشعر حلفاء روسيا في القوقاز بالقلق من أن موسكو قد لا تكون راغبة بحمايتهم أو قادرة على ذلك في ظل انشغالها بحرب أوكرانيا.
- تصر أرمينيا، حليفة روسيا، على أن تقوم روسيا بما يلزم لمنع أذربيجان من التقدم في إقليم ناغورنو كاراباخ المتنازع عليه.
- تستخدم الفصائل المؤيدة والمناهضة لروسيا في جورجيا، ويشمل ذلك الأراضي التي تحتلها روسيا، حرب أوكرانيا للمضي قدمًا في أجنداتها.
من الواضح أن الأداء الضعيف للقوات الروسية في ساحة المعركة في أوكرانيا شجع خصوم روسيا في دول القوقاز – جورجيا وأذربيجان وأرمينيا، وكلها جمهوريات في الاتحاد السوفياتي السابق – على المضي قدمًا في أجنداتهم الطويلة الأمد. ويبدو أن حلفاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في المنطقة قلقون من أنه قد لا يمتلك الموارد اللازمة لحمايتهم، نظرًا للصعوبات التي يواجهها في حرب أوكرانيا. وقد كانت أرمينيا تاريخيًا حليفًا رئيسيًا لروسيا؛ فيما كانت أذربيجان بوجه عام خصما لروسيا وحليفة لتركيا. أما جورجيا فهي، مثل أوكرانيا، كانت ضحية للعدوان الروسي، حيث خسرت أراضي أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا لصالح الانفصاليين المدعومين من روسيا في عام 2008. ومع ذلك فقد سعت حكومة جورجيا إلى الحفاظ على علاقاتها مع موسكو في الصراع الحالي بين روسيا وأوكرانيا.
يسعى قادة أذربيجان على ما يبدو إلى الاستفادة من انشغال روسيا بأوكرانيا وأدائها السيئ في ساحة المعركة للبناء على انتصاراتهم في عام 2020 في النزاع الإقليمي الطويل مع أرمينيا على إقليم ناغورني كاراباخ. وكانت روسيا قد توسطت في أعقاب اشتباكات عام 2020 التي استعادت فيها أذربيجان جميع الأراضي التي كانت قد خسرتها لأرمينيا في حرب ناغورني كاراباخ عام 1994، لوقف إطلاق النار، كما أنها نشرت قوات حفظ السلام للفصل بين الجانبين.
ومع ذلك، ووفقًا لبيان وزارة الدفاع الروسية، «فقد دخلت القوات المسلحة الأذربيجانية في الفترة من 24 إلى 25 آذار (مارس) [2022]، منطقة مسؤولية وحدة حفظ السلام الروسية في إقليم ناغورنو كرباخ وأنشأت نقطة مراقبة، في انتهاك لاتفاقية وقف إطلاق النار الثلاثية الموقّعة في 9 تشرين الثاني (نوفمبر) [2020]». كما اتهمت الوزارة أذربيجان بضرب القوات الأرمنية باستخدام طائرات بيرقدار المسيرة، وهي الطائرات التي قدمتها تركيا، الحليفة الرئيسية لباكو، والتي كانت محورية في مكاسب أذربيجان في معارك 2020. ويذكر أن تركيا تزود أوكرانيا أيضا بهذه الطائرات التي ساعدتها في التصدي القوي وغير المتوقع للغزو الروسي. وقد ترافق التقدم البري لأذربيجان مع انقطاع في إمدادات الغاز الطبيعي إلى كاراباخ، وقد ادعت السلطات الأرمنية أن ذلك كان محاولة من جانب أذربيجان لتخويف السكان من أصل أرمني في تلك المنطقة.
ومن الواضح أن السلطات الأرمنية قلقة بشأن قدرة روسيا على حماية حلفائها في سياق الأولوية القصوى التي تضعها موسكو لحربها في أوكرانيا. وقد ألقت أرمينيا باللوم على قوات حفظ السلام الروسية في التقدم الأذربيجاني. وفي 26 آذار (مارس)، صرحت وزارة الخارجية الأرمينية، «نتوقع أيضًا أن تتخذ فرقة حفظ السلام الروسية في ناغورنو كاراباخ خطوات ملموسة ومرئية لحل الوضع ومنع وقوع إصابات وأعمال عدائية جديدة». وتستضيف أرمينيا، وهي العضو في منظمة معاهدة الأمن الجماعي بقيادة روسيا، أكثر من 10000 جندي روسي، ويشمل ذلك عديد القاعدة العسكرية الروسية في أرمينيا، وحرس الحدود الروسي، وقوة حفظ السلام الروسية في المناطق التي يسيطر عليها الأرمن في ناغورنو كاراباخ. ويبدو أن القادة الأرمن قلقون من أن روسيا ستسحب بعض هذه القوات لتعزيز قواتها المنهكة في أوكرانيا. وفي محاولة لطمأنة حلفاء روسيا في يريفان، ورد أن وزير الدفاع الروسي سيرجي شويغو – الذي قيل إنه يتعرض لضغوط من بوتين بسبب الأداء العسكري الروسي الضعيف في أوكرانيا – اتصل بنظيره الأذربيجاني لمناقشة «سبل تحقيق الاستقرار في ناغورنو كاراباخ ودعم الأمن في القوقاز». وقد أصدرت الولايات المتحدة وفرنسا بيانات تنتقد أذربيجان بسبب التصعيد، وربما كان ذلك من أجل حث موسكو على إنهاء القتال في أوكرانيا. وقالت وزارة الخارجية الأمريكية: «إن الولايات المتحدة قلقة للغاية بشأن اضطرابات إمدادات الغاز وتحركات القوات الأذربيجانية. تحتاج أرمينيا وأذربيجان إلى استخدام قنوات الاتصال المباشرة للتهدئة على الفور».
وتواجه موسكو أيضًا مشاكل جديدة في جورجيا، والتي لم تزعج موسكو بشكل كبير، على الرغم من الاستياء العام من التوغل العسكري الروسي في عام 2008. وفي بداية حرب أوكرانيا، صرح القادة الجورجيون أن البلاد لن تنضم إلى حملة العقوبات الغربية على روسيا. ومع ذلك، فإن المعارضة السياسية، التي تتعاطف بقوة مع أوكرانيا بوصفها ضحية للعدوان الروسي، هاجمت الحكومة لمحاولتها تقويض الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي. وبدا أن ضغط المعارضة نجح، فقد تعهد الرئيس الجورجي سالومي زورابيشفيلي في وقت لاحق بالانضمام إلى العقوبات المالية الدولية ضد الكرملين. وجدد وزير خارجية جورجيا هذا الموقف قائلًا: «نحن ملتزمون بشكل كامل بالعقوبات المالية التي فرضها المجتمع الدولي [ضد روسيا]. لقد أوضح البنك الوطني لجورجيا بالفعل أن جورجيا تمتثل لالتزاماتها وللمعايير الدولية». ثم ما لبث أن اتخذ الحزب الحاكم في جورجيا خطوة أخطر، وأعلن عن خطط لتقديم طلب «على الفور» للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، بعد أن دعم برلمان الاتحاد محاولة أوكرانيا للحصول على العضوية في ظل الغزو الروسي.
وقد انتهز بعض حلفاء موسكو في المناطق الانفصالية الموالية لروسيا في جورجيا غزو أوكرانيا فرصة للتحرك. فقد سعت منطقة أوسيتيا الجنوبية الانفصالية المدعومة من روسيا إلى إجراء استفتاء على الانضمام إلى روسيا. ولكن أبخازيا، وهي المنطقة المنشقة الأخرى التي يدعمها الكرملين، لم تتخذ بعد إجراءات مماثلة. ووصفت الحكومة الجورجية التصويت المزمع في أوسيتيا بأنه غير مقبول، ونفى القادة الروس على الفور أنهم حرضوا على محاولة الاستفتاء. وليس من الواضح ما إذا كانت محاولة أوسيتيا الجنوبية الانضمام بشكل قانوني إلى روسيا ستستمر. ومع ذلك، فإن الاستقطاب المتزايد في سياسة جورجيا – بما في ذلك دعوات العديد من الجورجيين لاستعادة أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا من السيطرة الروسية – قد يعقد خطط بوتين المقررة لإعادة نشر 1200 إلى 2000 جندي من الأراضي الجورجية التي تحتلها روسيا إلى أوكرانيا. وبالنسبة لحكومة جورجيا، يبدو أن محاولة البقاء في المنطقة الرمادية قد فشلت عندما قرر زيلينسكي استدعاء سفير أوكرانيا من تبليسي، مدعيًا أن جورجيا لم تفعل ما يكفي لمعاقبة روسيا على الغزو. وعلى أي حال فإن عودة اشتعال بؤر الخلافات الكامنة في القوقاز يؤكد أن قرار بوتين بغزو أوكرانيا كان له عواقب وخيمة غير مقصودة قد تدوم لفترة أطول من الحرب.