أوّل الكلام آخره:
- دفع الغزو الروسي لأوكرانيا القادة الأوروبيين إلى تسريع الجهود لإيجاد بدائل لإمدادات الغاز الطبيعي الروسي.
- في البداية، تردد القادة الغربيون في فرض عقوبات على قطاع الطاقة في روسيا بسبب اعتماد أوروبا الكبير على روسيا في احتياجاتها من الطاقة.
- سيتطلب سوق الطاقة العالمي تعديلات كبيرة كي يتمكن الموردون الآخرون من التعويض عن صادرات الغاز الروسية.
- يمكن للعديد من البلدان في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا المساعدة في التخفيف من أي نقص كبير في الغاز في أوروبا.
أدى الفشل غير المتوقع للدبلوماسية الأمريكية والأوروبية المكثفة في ردع الغزو الروسي لأوكرانيا إلى إقناع القادة الأوروبيين بضرورة تقليل اعتمادهم على الصادرات الروسية من الغاز الطبيعي – المصدر الرئيسي للطاقة في القارة. ومع ذلك، فإن الحلول ليست بسيطة ولا سريعة. إذ إن روسيا تنتج 17٪ من الغاز الطبيعي و12٪ من نفط العالم، وهي تزود أوروبا بحوالي 40٪ من احتياجاتها من الغاز الطبيعي الذي يتدفق عبر أنابيب يمر بعضها عبر أوكرانيا. وقد رفضت شركة غازبروم الروسية العملاقة خلال الأشهر الماضية تقديم حصة أكبر من الحصص المقررة في العقود الطويلة الأجل، مما تسبب في ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا بشكل كبير. وقد تسبب الغزو الروسي غير المبرر لأوكرانيا في مزيد من ارتفاع أسعار الغاز والنفط؛ فقد ارتفع سعر النفط الخام مبدئيًا إلى أكثر من 100 دولار للبرميل بعد بدء الهجوم الروسي، وهو مستوى لم يصل إليه منذ عام 2014. وفي تشرين الأول (نوفمبر) 2021، وفقًا لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية، فقد استوردت الولايات المتحدة حوالي 600 ألف برميل نفط يوميًا من روسيا.
وقد مثل الغزو تحديًا خطيرًا للأمن الأوروبي، وعلّق قادة ألمانيا، على الرغم من ترددهم بادئ الأمر، الموافقات النهائية لتفعيل خط أنابيب الغاز نورد ستريم 2 من روسيا. ولكن الاعتماد على الطاقة الروسية دفع إدارة بايدن وشركاء الولايات المتحدة في أوروبا إلى عدم فرض عقوبات على البنية التحتية النشطة حاليًا والإمدادات من روسيا. ولكن تعذّر فرض عقوبات على قطاع الطاقة على روسيا يحرم القادة الغربيين من ورقة ضغط رئيسية، إذ توفر عائدات صادرات النفط والغاز أكثر من ثلث ميزانية الحكومة الروسية، وقد فشلت روسيا إلى حد كبير في تنويع اقتصادها بعيدًا عن الاعتماد على صادرات الهيدروكربونات. ومن وجهة نظر بعض الخبراء، فإن عقوبات الطاقة الشاملة على روسيا ستفرض تكاليف على الاقتصاد الروسي تكفي لدفع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الحد من أهداف هجومه على أوكرانيا ولردع أي عدوان روسي آخر خارج أوكرانيا.
وقد أدى اندلاع الصراع الفعلي إلى تكثيف المناقشات الغربية لترتيب مصادر طاقة بديلة، ولا سيما في مجال الغاز الطبيعي، على الرغم من أن روسيا لم تقطع أو تخفض صادراتها من الطاقة حتى الآن. ويبدو أن القادة الغربيين مقتنعون بضرورة تأمين إمدادات الغاز التي يمكن أن تعوض الصادرات الروسية إذا اتسع الصراع في أوكرانيا أو قرر الرئيس بوتين قطع صادرات الطاقة الروسية أو خفضها بشدة. وقد تكون الحلول السهلة والسريعة بعيدة المنال، على الرغم من أن بعض البلدان في وضع يمكنها من المساعدة في التخفيف من أزمة الطاقة في أوروبا، ولكن ليس حلها بالكامل. وتستورد الدول الأوروبية بعض الغاز الطبيعي من الولايات المتحدة. وقد وافقت أستراليا، وهي حليفة للولايات المتحدة وإحدى الدول الموردة للغاز الطبيعي، على زيادة الإمدادات إلى أوروبا، إذا لزم الأمر.
وتنظر الولايات المتحدة إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا الغنية بالطاقة على أنها قد تشكل مصدرا محتملا لإمدادات جديدة من الغاز الطبيعي. وفي أواخر كانون الثاني (يناير)، عقد الرئيس بايدن قمة قصيرة مع أمير قطر، وهي من الموردين الرئيسيين للغاز الطبيعي في العالم. وقد استهدفت القمة البحث في قدرة قطر على تعويض أي خسارة في إمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا. ولكن الجواب القطري أظهر صعوبة إعادة توجيه سوق الطاقة العالمية بالسرعة التي تتطلبها الأزمة الحالية. وقد أوضح وزير الطاقة القطري سعد الكعبي في 22 تشرين الثاني (فبراير) أنه سيكون «من شبه المستحيل» بالنسبة لأوروبا أن تعوّض وارداتها من الغاز في حال قررت روسيا تضييق الخناق على الإمدادات وسط الأزمة الأوكرانية المتفاقمة. وأضاف الوزير أنه بينما لا يستبعد إمدادات قطرية إضافية إلى أوروبا، فإنه «ما من دولة واحدة يمكنها أن تعوّض المقادير المطلوبة… فمعظم الإنتاج من الغاز الطبيعي المسال يرتبط بعقود طويلة الأجل ووجهات واضحة للغاية. لذا، فإن استبدال هذه الكميات بسرعة يكاد يكون مستحيلًا». وأشارت تعليقات الوزير إلى أنه لكي تتمكن قطر من توفير غاز طبيعي إضافي إلى أوروبا، يتعين على بعض عملائها الحاليين، مثل الهند وكوريا الجنوبية واليابان، الموافقة على قبول خفض وارداتهم من الغاز القطري بموجب عقود قائمة. وقد يؤدي ذلك إلى شح في المعروض وإلى ارتفاع الأسعار في تلك البلدان، وهذا سيجعل قادتها يترددون في القبول بإعادة توجيه صادرات الغاز القطرية.
ومن بين البلدان الأخرى في المنطقة، تعد الجزائر ثالث أكبر مزود للغاز في الاتحاد الأوروبي (بعد روسيا والنرويج)، حيث وفرت ما يقرب من 8٪ من إمدادات الغاز للاتحاد الأوروبي في عام 2021 عبر خطوط أنابيب تمر عبر البحر الأبيض المتوسط. ومع ذلك، يمكن للسياسات الإقليمية الجزائرية أن تعرقل قدرتها على زيادة صادراتها. وبالمثل، يرى بعض الخبراء أن ليبيا قادرة على المساعدة في تخفيف النقص، نظرًا لإنتاجها القوي من الغاز وقربها من القارة. ومع ذلك، فإن عدم الاستقرار السياسي في ليبيا سيجعلها شريكًا مزعجًا في مجال الطاقة، كما أن قدرتها على زيادة صادرات الغاز محدودة.
وعلى الرغم من أن الحلول البديلة للاعتماد الأوروبي على إمدادات الطاقة الروسية ليست متاحة بسهولة، إلا أن الأزمة الأوكرانية قد دفعت إلى إعادة التفكير مجددا في تنويع إمدادات الطاقة في أوروبا. وبمرور الوقت، من المرجح أن يتمكن القادة الأوروبيون من تأمين إمدادات بديلة من خلال عقود طويلة الأجل. كما أن الأزمة الأوكرانية ستعزز أيضًا التزامات القادة الأوروبيين للاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة وغيرها من حلول الطاقة الصديقة للبيئة. كما أن قرارات شركات الطاقة الرئيسية مثل بريتيش بتروليوم وشل، والتي ألغت مشاريع مشتركة مع شركات الطاقة الروسية مثل غازبروم، ستؤثر أيضًا على الإمدادات العالمية وتضر بدور روسيا في توريد الطاقة. ومع ذلك، فمن المؤكد أن إدراك الرئيس بوتين لاعتماد أوروبا على روسيا في مجال الطاقة قد أخذ في الاعتبار في حساباته للعواقب المحتملة لغزو أوكرانيا.