أوّل الكلام آخره:
- تتوسط الولايات المتحدة في نزاع حدودي بحري طويل الأمد بين إسرائيل ولبنان، من أجل تسريع تطوير استخراج الغاز الطبيعي وإنتاجه في شرق المتوسط.
- اكتسب حل النزاع الحدودي البحري الإسرائيلي اللبناني طابعا ملحا في سياق الغزو الروسي لأوكرانيا.
- تسعى إسرائيل إلى تبوّء صفة المورد للغاز الطبيعي لدول الاتحاد الأوروبي الذي يحاول تقليل اعتماده على الطاقة الروسية.
- يسعى حزب الله اللبناني إلى إعادة تنشيط دوره المناهض لإسرائيل من خلال تهديد الجهود الإسرائيلية، مما يزيد من خطر اندلاع أعمال عنف عبر الحدود.
في منتصف حزيران (يونيو)، استأنف المسؤولون الأمريكيون جهودهم المتوقفة منذ فترة للتوسط في اتفاق بشأن ترسيم الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان، في إطار حملة أوسع لتسريع تطوير موارد الغاز الطبيعي في شرق المتوسط. ويعود الخلاف إلى زمن اعتراف الأمم المتحدة عام 1948 باستقلال إسرائيل، وهو واحد من العديد من الخلافات القائمة بين إسرائيل وجيرانها العرب. والدولتان في حالة حرب رسميًا منذ استقلال إسرائيل ولا يزال العنف الدوري عبر الحدود مصدر قلق للاستقرار الإقليمي والتنمية. وعلى مدى السنوات الـ 15 الماضية، وبناءً على بعض التقييمات التي تفيد أن الحقول الواقعة قبالة الساحل الإسرائيلي يمكن أن تحتوي على 34.5 تريليون متر مكعب من الغاز، شرعت إسرائيل في تطوير احتياطيات الغاز الطبيعي قبالة سواحلها، والتي يطالب لبنان ببعض منها. ومنذ عام 2010، عندما قدم لبنان مطالباته إلى الأمم المتحدة، سعى عدد من الوسطاء الأمريكيين إلى التفاوض على اتفاقية حدودية بحرية لبنانية إسرائيلية تسمح لكلا البلدين بالمضي قدمًا في تطوير الغاز البحري.
وقد بدأت المرحلة الأخيرة من الوساطة بقيادة المبعوث الخاص لوزارة الخارجية الأمريكية لشؤون الطاقة، عاموس هوشستين، في شباط (فبراير) 2022 لكنها سرعان ما توقفت وسط خلافات بين القادة اللبنانيين أنفسهم. وتركزت الخلافات، التي تفاقمت بسبب المنافسة في الانتخابات الوطنية، حول ما إذا كان ينبغي قبول المقترحات الأمريكية التي تتطلب من لبنان تقليص مطالباته الخارجية. وقد أدرجت الولايات المتحدة في عرضها إمكانية أن يبدأ لبنان في تلقي الغاز الإسرائيلي بعد وقت قصير من إبرام اتفاق الحدود البحرية – وذلك لتخفيف مشكلة المهلة الطويلة التي يحتاجها لبنان لتطوير حقول الغاز البحرية. وستساعد مثل هذه الإمدادات على تخفيف الأزمة المالية والاقتصادية الشديدة في لبنان – والتي كان نقص الوقود أحد عواملها وتجلياتها، الأمر الذي دفع الأسعار إلى الارتفاع إلى ما هو أبعد من إمكانيات معظم المواطنين اللبنانيين.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، في محاولة على ما يبدو للضغط على القادة اللبنانيين، بدأت إسرائيل بناء منصة للغاز الطبيعي في حقل غاز كاريش البحري. وتزعم إسرائيل أن الحقل جزء من منطقتها الاقتصادية الخالصة التي تعترف بها الأمم المتحدة، لكن لبنان يصر منذ فترة طويلة على أنه يقع في منطقة متنازع عليها. ويبدو أن تكتيك الضغط قد نجح، على الأقل في المدى القصير. ففي منتصف حزيران (يونيو)، دعا الرئيس ميشال عون هوشستين إلى بيروت لعرض موقف الحكومة الموحد، وصرّح المبعوث الأمريكي لاحقًا أن المقترحات اللبنانية «ستمكّن المفاوضات من المضي قدمًا». وأضاف: «لقد سمعت فهمًا واضحًا أن الأزمة الاقتصادية في لبنان التي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بأزمة الطاقة بحاجة إلى حل وأن حل الخلاف البحري هو خطوة حاسمة لحل الأزمة الاقتصادية». ومن المقرر أن يلتقي هوشستين بالمسؤولين الإسرائيليين، الذين اعتمدوا موقفا متطرفا وأعلنوا أنهم لن يوقفوا الحفر في حقل غاز كاريش. ومع ذلك، فمن المتوقع أن يضغط المسؤولون الأمريكيون من أجل التوصل إلى اتفاق في إطار جهد أوسع لا لتخفيف الأزمة الاقتصادية في لبنان فحسب، بل لأن غاز المنطقة أمر بالغ الأهمية بالنسبة لأوروبا أيضا، التي تسعى لإيجاد بدائل لإمدادات الغاز الروسي. وقد وقع الاتحاد الأوروبي في 15 حزيران (يونيو) على اتفاقية مع إسرائيل ومصر ستمكن إسرائيل من تصدير الغاز الطبيعي إلى أوروبا عن طريق خطوط الأنابيب المصرية ومصانع الإسالة.
كما تتناول الجهود الأمريكية للتوسط في ترسيم الحدود البحرية اللبنانية الإسرائيلية الهدف الاستراتيجي المتمثل في الحد من احتمال اندلاع المزيد من الصراعات في المنطقة. وقد وجد حزب الله اللبناني في التطورات الأخيرة فرصة لإعادة تأكيد دوره في مواجهة إسرائيل بعد أن ووجه بحملات إعلامية قوية صاحبت الانتخابات البرلمانية اللبنانية في أيار (مايو). وفي التاسع من حزيران (يونيو)، قال الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، إن الحزب لن يقف مكتوف الأيدي أمام ما عده نهبا لثروات لبنان، وقال إن المقاومة قادرة تقنيا على منع العدو من استخراج الغاز من كاريش، إذا لم يجر ترسيم الحدود، دون أن يحدد كيفية ذلك. وعلى الرغم من أن تهديدات حزب الله لم تتحول بعد إلى عمل ميداني، إلا أن تجدد الأعمال العدائية عبر الحدود أمر محتمل في أي لحظة. ومن المرجح أن يكثف المسؤولون الأمريكيون جهود الوساطة على الحدود البحرية الإسرائيلية اللبنانية من أجل معالجة التهديدات العديدة التي يشكلها هذا النزاع المستمر.