أوّل الكلام آخره:
- لا يزال الجدل يتصاعد في فرنسا حول نشر عدّة رسوم كاريكاتورية مسيئة للنبي محمد.
- يتزايد القلق من التطرف المتبادل، فردود الفعل العنيفة قد تبعث على مزيد من التطرف في الطرف المقابل والعكس بالعكس.
- قد تجد فرنسا نفسها في مواجهة مع سكانها المسلمين، وهم يشكلون أكبر جالية مسلمة في أوروبا، وقد تتّهم بالفشل في دمج المسلمين في المجتمع الفرنسي.
- اتخذ الوضع في فرنسا أبعادا دولية، وتطور إلى خلاف بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والزعيم التركي رجب طيب أردوغان.
لا يزال الجدل يتصاعد في فرنسا حول نشر عدة رسوم كاريكاتورية مسيئة للنبي محمد. فبالأمس في مدينة نيس جنوب فرنسا، قتل إرهابي ثلاثة أشخاص، بينهم ضحية قطع رأسها، وجرح عدة أشخاص آخرين في كاتدرائية. وتفيد التحقيقات الأولية أن المجرم مهاجر تونسي عمره 21 سنة، وكان قد وصل إلى إيطاليا في أيلول / سبتمبر الماضي قبل أن يغادرها إلى فرنسا في أوائل تشرين الأول / أكتوبر. وفي اليوم نفسه، أطلقت الشرطة النار على شخص في أفينيون وقتلته بعد أن هدد المدنيين بمسدسه، وهو حادث ما زال مسؤولو مكافحة الإرهاب يحقّقون فيه، على أن بعض التقارير أفاد أن المعتدي كان يمينيا متطرفا وربما على ارتباط بحركة الهويّاتية. وقد وقع حادثان آخران ما زالا قيد التحقيق، أحدهما في محطة قطار في ليون، والآخر بالقرب من كنيسة في سارتوفيل في شمال غربي باريس. وأخيرا، تعرض أحد حراس الأمن للطعن في القنصلية الفرنسية في جدة بالمملكة العربية السعودية، وحث بيان صادر عن السفارة الفرنسية في المملكة المواطنين الفرنسيين على «توخي أقصى درجات الحذر». وكانت وزارة الخارجية الفرنسية قد أصدرت تحذيرا مماثلا في وقت سابق من هذا الأسبوع للمواطنين الفرنسيين الذين يعيشون في بنغلاديش وإندونيسيا وتركيا والعراق وموريتانيا أو يسافرون إليها.
وتأتي هذه الحوادث في أعقاب قطع إرهابي من أصل شيشاني رأس أستاذه صموئيل باتي بالقرب من باريس الأسبوع الماضي. وكان عبد الله أنزوروف، المعتدي الذي قتلته الشرطة، غاضبا من عرض باتي رسوما كاريكاتورية مسيئة للنبي محمد على طلابه، وهذه الرسوم هي نفسها التي كانت المجلة الفرنسية الساخرة شارلي إيبدو قد نشرتها في 2015، مما أدى في حينه إلى مهاجمة مكاتبها. وبعد عدة أيام من مقتل باتي، طُعنت امرأتان مسلمتان ترتديان الحجاب بالقرب من برج إيفل. ويبرز قلق جدي ومتزايد بشأن التطرف المتبادل، حيث تغذّي الجماعات المتطرفة خطاب بعضها بعضا، مما يؤدي إلى موجات من العنف المتبادل. وعقب جريمة قطع رأس باتي المروعة، شنت أجهزة الأمن الفرنسية عشرات المداهمات فى جميع أنحاء البلاد وسعت إلى احتجاز متطرفين إسلاميين مشتبه فيهم. وعلى مدى السنوات الثماني الماضية، شهدت فرنسا أكثر من 34 هجوما إرهابيا، كثير منها مستوحى من أفكار تنظيم داعش أو بتحريض منه، مما أسفر عن مقتل المئات من مواطنيها. وتعد فرنسا أكبر مصدر غربي للمقاتلين من الرجال والنساء الذين غادروها للقتال مع تنظيم داعش في سوريا والعراق.
وتبدو فرنسا اليوم في مواجهة مع سكانها المسلمين الذين يبلغ عددهم حوالي 6 ملايين نسمة، وهذه أكبر جالية مسلمة في أي دولة غربية، وهي تشكل نحوا من 10 في المائة من السكان. ولا تزال فرنسا تواجه اتهامات بأن حكوماتها فشلت في دمج المسلمين في مجتمعاتها، بمن فيهم أولئك الذين ولدوا في فرنسا. ويلقي بعض رجال السياسة الفرنسيين البارزين باللائمة على المسلمين لفشلهم في التكيف مع المجتمع الفرنسي. إن العنف المتبادل والتعليقات الحادة من مجموعة من النخب السياسية من شأنها أن تزيد من تضخيم الشقاق في فرنسا. وتحدث وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانين عن «العدو في الداخل»، في إشارة إلى المسلمين المتطرفين، في حين نشرت السياسية اليمينية المتطرفة مارين لوبان تغريدة مفادها الدعوة إلى «القضاء على الإسلاموية». وقد حذر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من «الانفصالية الإسلامية» في فرنسا. وتعد قضايا حرية التعبير موضوعا ساخنا للنقاش، بما في ذلك مسألة الإساءة المتعمدة للدين، والتي على الرغم من أنها تقع ضمن الحق القانوني للمواطنين الفرنسيين، فقد ينظر إليها الآخرون على أنها استفزازية. وبعد مقتل باتي، انتشرت صوره في الأماكن العامة في جميع أنحاء البلاد، وعلّقت الرسوم الكاريكاتورية للنبي محمد على المباني العامة في عدة مدن فرنسية. وكانت وفاة باتي بمثابة صرخة حشدت المواطنين الفرنسيين للدفاع عن حرية التعبير ومعارضة همجية قطع الرؤوس.
وقد اتخذ الوضع أبعادا دولية، وتطور إلى حرب كلامية بين ماكرون والزعيم التركي رجب طيب أردوغان، اللذين اشتبكا في السابق حول السياسة الخارجية في أماكن مثل ليبيا وشرق البحر الأبيض المتوسط. ولكن الخلاف الأخير دفع أردوغان إلى دعوة جميع الدول الإسلامية إلى مقاطعة البضائع الفرنسية. وفي أعقاب سلسلة الهجمات التي وقعت أمس في فرنسا، نشر رئيس الوزراء الماليزي السابق مهاتير محمد تغريدة على تويتر قائلا إن «للمسلمين الحق في الغضب وقتل الملايين من الفرنسيين ردا على مجازر الماضي». ولا تزال فرنسا ملتزمة بشدة بالمثل العليا التي تأسست عليها البلاد، والمفهوم الفرنسي للعلمانية متأصل بعمق في المجتمع الفرنسي. ولكن العديد من المسلمين الفرنسيين يشكون من ازدواجية المعايير، ويصرون على أن مفهوم العلمانية نادرا ما يمتد إلى الكاثوليك الفرنسيين، الذين يشكلون (اسميّا على الأقل) ثلثي السكان. وفي السنوات الأخيرة، أثار الحظر الفرنسي على الحجاب في الشارع أو في المدارس العامة وحظره على الموظفات الحكوميات العاملات في المؤسسات الحكومية جدلا كبيرا، بل وجذب انتباه زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، الذي ناقش هذه المسألة في أحد التسجيلات الدعائية لجماعته.