أوّل الكلام آخره:
- أعادت فرنسا هذا الأسبوع 16 امرأة مرتبطات بما يسمى تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) و35 طفلًا من مخيمات في شمال شرق سوريا.
- معظم الدول التي استعادت بعض مواطنيها اقتصرت على استعادة النساء والأطفال، دون الرجال والفتيان الأكبر سنًا الذين ما زالوا رهن الاحتجاز.
- في حين أن الكثير من الاهتمام قد تركز على البعد الإنساني للعودة إلى الوطن، فإن المساءلة عن جرائم داعش والإرهاب لا تقع على سلم الأولويات عالميا.
- ومع ذلك، فإن الجماعات الإرهابية وغيرها من الجهات الفاعلة غير الحكومية قد استفادت سابقًا من هذه الظروف لتعزيز سردياتها واستقطاب المزيد من الأنصار.
أعادت فرنسا هذا الأسبوع 16 امرأة مرتبطات بما يسمى تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) و35 طفلًا من مخيمات في شمال شرق سوريا، وهي أكبر مجموعة مستعادة منذ هزيمة داعش، بعد أن تزايدت الضغوط على الدول لاستعادة مواطنيها مع تدهور الأوضاع الأمنية والإنسانية في المخيمات. وكانت فرنسا تتردد في القيام بذلك، وترى أنه يجب محاكمة جميع الأعضاء المرتبطين بداعش في مناطق قريبة إلى مكان ارتكاب الجرائم. ولكن تحديات عديدة حالت دون إنشاء آليات قانونية تفي بالمعايير الغربية والمحلية على حد سواء. وسلطت جملة حوادث هذا العام (كالهروب من سجن الحسكة في وقت سابق من هذا العام والإضراب عن الطعام في مخيم روج) الضوء على التحديات الأمنية والإنسانية المعقدة المحيطة بالمخيمات وضرورة معالجة أوضاعها قبل أن تتدهور أكثر.
وقد اقتصرت معظم الدول التي استعادت بعض مواطنيها على استعادة النساء والأطفال، دون الرجال والفتيان الأكبر سنًا الذين ما زالوا رهن الاحتجاز. وقد لاحظت Fionnuala Ni Aolain، مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بمكافحة الإرهاب وحقوق الإنسان، تعاظم المخاوف بشأن إهمال قضايا الأطفال والمراهقين الذكور الذين يقتربون من عتبة البلوغ، حيث ظل التركيز إلى حد كبير على النساء والأطفال المرافقين لهم في المخيمات. وبالنسبة للعديد من الدول، تنبع المخاوف بشأن استعادة مواطنيها من التحديات التي تواجه التحقيقات مع الأفراد ومقاضاتهم في ظل عدم توفر الأدلة أو في ظل أدلة لا تقبلها المحاكم الغربية، فضلًا عن احتمال عودة العائدين إلى الانخراط في التنظيمات الإرهابية أو ارتكاب أعمال عنف. كما ساهمت التكاليف واللوجستيات المعقدة – وهي عوامل مهمة بالنسبة للدول التي يحتمل أن تضطر إلى إعادة دمج مئات العائدين – في عدم رغبة الحكومات في تخصيص الموارد لحل المشكلة، لا سيما في ظل الأزمة الاقتصادية التي تسبب بها انتشار الوباء. وقد انتقدت العديد من جماعات حقوق الإنسان الحكومات واتهمتها بالعنصرية والتمييز بين مواطنيها.
إن الغموض المستمر الذي يحيط بمستقبل المعتقلين لا يؤدي إلا إلى تعزيز المخاطر. وفي ظل الجدل القائم بين خبراء القانون والسياسة حول إعادة المواطنين، يمكن لجماعات مثل داعش الاستفادة من الوضع. وفي حين كان التركيز الدولي هائلا على ظروف المخيمات التي تأوي معظم النساء والأطفال، مثل الهول وروج، فإن عدم وجود أي ضغوط واسعة النطاق لإعادة الرجال والفتيان الأكبر سنًا إلى أوطانهم يلقي بالمزيد من الضبابية حول مستقبلهم، وهو ما يسمح لداعش أو الجماعات الأخرى بالاستفادة من استمرار الصراع في سوريا، وتأجيج السرديات الجهادية بما يسمح باستقطاب عناصر جديدة.
وفي حين أن الكثير من الاهتمام قد تركز على البعد الإنساني المتمثل بضرورة استعادة المواطنين، فإن المساءلة عن جرائم داعش والإرهاب لا تقع على سلم الأولويات عالميا. وعلى الرغم من أن فريق التحقيق لتعزيز المساءلة عن الجرائم التي ارتكبتها داعش قد أثبت ارتكاب الجماعة لجرائم حرب، بما في ذلك الإبادة الجماعية، وعلى الرغم أيضا من أن استخدام داعش للعنف الجنسي قد لقي إدانة دولية واسعة النطاق، فإن عدد المحاكمات كان قليلا جدا، وأقل منه عدد الإدانات لأفراد مرتبطين بداعش. وحتى الآن لم تقم أي دولة بإدراج أفراد مرتبطين بداعش ممن استخدموا العنف الجنسي واتجروا بالبشر لتمويل الإرهاب في القوائم المرتبطة بعقوبات الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب «1267». كما أن الدول التي أعادت بعض النساء تركز على مسألة إعادة التأهيل وإعادة الدمج، ولا تولي كثيرا من الاهتمام بمساءلتهن. على أن الإعلان عن تسليم فرنسا النساء البالغات إلى السلطات القضائية للتحقيق معهن يشكل سابقة مهمة لتعزيز المساءلة، دون التخلي عن ضرورة تلبية الاحتياجات الإنسانية الحرجة والحقوق القانونية للمرأة والاطفال.
وبينما تحول الدول انتباهها إلى تحديات السياسة الخارجية الجديدة والملحة، تتراجع أولوية اجتراح الحلول لمعالجة أوضاع المخيمات في شمال شرق سوريا. وقد استغلت الجماعات الإرهابية وغيرها هذه الظروف سابقًا لتعزيز سردياتها حول نفاق الخطاب الغربي بشأن حقوق الإنسان. كما أن مرافق الاحتجاز والسجون تشكل حواضن للجماعات المتطرفة، حيث تتيح للأفراد تبادل الأيديولوجيات المتطرفة والمهارات التقنية التي يمكن استخدامها لدعم الإرهاب. فعلى سبيل المثال، كان العديد من القادة البارزين لما سيصبح فيما بعد داعش قد أمضوا عدة سنوات في التدريب والتنسيق في معسكر بوكا قبل إطلاق سراحهم في نهاية المطاف. وعلاوة على ذلك، فإن مداهمة السجون لتحرير الأعضاء المخضرمين أسلوب شائع تستخدمه الجماعات المتمردة. وتمثل مرافق الاحتجاز في شمال شرق سوريا أهدافًا ضعيفة ولكنها عالية المردود نسبيًا لجماعات مثل داعش، ولذلك فمن المهم لاستقرار المنطقة على المدى الطويل أن تُخلى هذه المخيمات بشكل مسؤول. وقد يؤدي التحول الجذري في موقف فرنسا أيضًا إلى تشجيع الدول الأخرى التي اتخذت مواقف مماثلة على تغيير نهجها. وفي عام 2020، أدى عجز أعضاء مجلس الأمن على الاتفاق على نهج عالمي مشترك بشأن هذه القضية إلى استخدام حق النقض (الفيتو) لأول مرة على الإطلاق بشأن مكافحة الإرهاب منذ عقدين. ويبدو أن الاحتياجات الأمنية والإنسانية الملحة المتزايدة المرتبطة بالمخيمات قد دفعت باتجاه هذا التحول المهم في سياسة فرنسا. ومع ذلك، فمن الأهمية بمكان اعتماد معايير متسقة في التعامل مع هذه القضية، لما تحمله من أبعاد إنسانية أولا، ولما قد تشكله من مخاطر أمنية ثانيا.