أوّل الكلام آخره:
- اعتمد تنظيم داعش المسار الذي اعتمدته القاعدة قبل عشر سنوات وهو التركيز على فروعه الإقليمية.
- حتى في الحالات التي ضعفت فيها فروع داعش، فإن تغيير ديناميكيات الصراع قد يعيد تنشيط هذه الفروع في المحطات المختلفة من هذا العام.
- يتوقّع أن تنمو ثلاثة فروع لداعش (الصحراء الكبرى وولاية غرب إفريقيا وولاية وسط إفريقيا) هذا العام.
- لا يخلو منح فروع التنظيم قدرا أكبر من الاستقلالية من المخاطر على التنظيم، لأن الاستقلالية الزائدة قد تؤدي إلى تحول المجموعة الفرعية إلى مجموعة مارقة.
في نمط مماثل للمسار الذي اتبعه تنظيم القاعدة منذ ما يقارب العقد من الزمن، يقوم تنظيم داعش بتحميل المجموعات التابعة له وفروعه المنتشرة في جميع أنحاء العالم المزيد من المسؤولية. وقد حافظ زعيم داعش، محمد سعيد عبد الرحمن المولى، على مستوى منخفض من الظهور، مؤكدا على الأمن العمليّاتي ومتجنّبا التواصل المباشر مع قادة التنظيم. ويسعى المولى إلى تجنب مصير زعيم داعش السابق أبي بكر البغدادي، الذي قتل في غارة شنتها القوات الأمريكية الخاصة في شمال سوريا في أواخر تشرين الأول / أكتوبر 2019. وأصدر المتحدث باسم داعش أبو حمزة القرشي أربعة أشرطة صوتية خلال العام الماضي، لكن ذلك لا يعد بديلا عن التواصل المباشر بين الزعيم ذي الكاريزما وأتباعه.
ولا زالت داعش تحافظ على فروعها في جميع أنحاء العالم، من شمال إفريقيا إلى جنوب شرق آسيا. ولداعش، في الشرق الأوسط، أي خارج العراق وسوريا، فروع إقليمية في اليمن وشبه جزيرة سيناء في مصر (أنصار بيت المقدس) وليبيا. وقد تراجعت فعالية هذه الفروع جميعا خلال العام الماضي، ولكن تغيير ديناميكيات الصراع قد يعيد تنشيط أي من هذه الفروع أو جميعها في المحطات المختلفة من هذا العام. وفي جنوب آسيا، عانى تنظيم ولاية خراسان التابع لداعش في أفغانستان من نكسات في مقاطعتي نانغارهار وكونار. ومع ذلك، وعلى الرغم من فقدان الأراضي وكثير من القادة، فلا يزال بإمكان التنظيم شن هجمات كبيرة مع الإفلات من العقاب في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك في العاصمة كابول، واستقطاب المتشددين من طالبان غير الراضين عن محادثات السلام. أما في جنوب شرق آسيا، فيحافظ تنظيم داعش على صلات كبيرة مع مجموعة من الفصائل الجهادية، وخاصة في جنوب الفليبين. وكما لوحظ في تقرير حديث للأمم المتحدة، فإن جائحة كورونا قد أعاقت «قوى القانون والنظام أكثر من إعاقتها الإرهابيين»، بل إنها قد وفّرت للفروع التي تراجع نفوذها فرصة لالتقاط أنفاسها وإعادة التسلح. ويمكن لأي من الفروع المذكورة أعلاه أن تستعيد جهوزيتها وهمتها خلال الأشهر القليلة المقبلة، خاصة في حال تخفيف القيود المفروضة جراء كورونا، مما يسهل حرية أكبر في الحركة والمزيد من الأهداف السهلة لهجوم الإرهابيين.
ويتوقع هذا العام أن تنمو ثلاثة فروع لداعش في إفريقيا وهي تنظيم داعش في الصحراء الكبرى، وتنظيم داعش في ولاية غرب إفريقيا، وتنظيم داعش في ولاية إفريقيا الوسطى. وقد أثبتت كل الفروع قدرتها على شن هجمات كلاسيكية على غرار حرب العصابات، بما في ذلك زرع الكمائن والاغتيالات واستخدام الأجهزة المتفجرة المرتجلة. ومن دون شك، فقد واجهت قوات أمن الدولة في إفريقيا عبئا يفوق طاقتها، وحتى القوات العسكرية الفرنسية العاملة في منطقة الساحل عانت كثيرا لاحتواء التهديد المتزايد الذي لا يشكله مسلحو تنظيم داعش فحسب، بل أولئك المنتسبون إلى تنظيم القاعدة أيضا، بما في ذلك جماعة أنصار الإسلام والمسلمين، وسط تزعزع الأمن في الإقليم برمّته. ولقد أثبت تنظيم داعش مرارا وتكرارا أنه يحسن اقتناص الفرص وسيسعى إلى التوسع في جميع أنحاء منطقة الساحل، في ظل ضعف الدول القائمة، وتداخل دوائر الصراع داخلها، وسهولة اختراق الحدود، وارتفاع منسوب الفساد، وتحديات أخرى تواجهها الدول وتلعب جميعا لصالح الجهاديين. ومن شأن توسع دائرة العنف في المنطقة أن يزعزع استقرار السنغال وساحل العاج وبوركينا فاسو، فضلا عن استمراره في زعزعة الاستقرار في مالي.
ويعد فرع تنظيم داعش في ولاية إفريقيا الوسطى الفرع الذي يشكل أكبر مصدر قلق للمجتمع الدولي. وهو يواصل تعزيز قدراته العسكرية وقدرته على الاستيلاء والسيطرة على الأراضي في الموزامبيق. وشنت المنظمة مؤخرا هجوما عابرا للحدود في تنزانيا، واستولت على ميناء موسيمبو دا برايا، مما مكنها من إعادة إمداد مقاتليها وكسب المال من خلال التجارة أو فرض الضرائب على السلع المشروعة وغير المشروعة على حد سواء. وقد تبنّى تنظيم داعش المركزي نجاح فرع ولاية إفريقيا الوسطى. وعليه، فقد أرسل إليه التمويل ومزيدا من المدربين والاستراتيجيين من خلال شبكة موجودة مسبقا من الميسرين الإقليميين واللوجستيين. وفي الحالات الأخرى التي أرسل فيها تنظيم داعش تمويلا ودعما، فقد ضاعف ذلك من قوة الجماعات الجهادية المحلية، وهو ما يتضح من حصار مراوي في أيار / مايو 2017. ومن المؤكد أن منح فروع التنظيم مزيدا من الاستقلالية هو سيف ذو حدين. فقد يؤدي الاستقلال الزائد إلى تحول الفروع إلى مجموعات مارقة، كما حصل عندما رفض تنظيم القاعدة في العراق مرارا وتكرارا توجيهات القيادة المتمركزة في جنوب آسيا، مما أدى في نهاية المطاف إلى نشوء تنظيم داعش. وللحفاظ على التماسك، سيتعين على المولى تحقيق التوازن بين الأولويات المختلفة وضمان أن تظل فروع تنظيم داعش نشطة للغاية ولكنها تتقبل توجيهات القيادة الأساسية. وسيظل ذلك يمثل تحديا لمجموعة ذات قيادة جرى إضعاف قدرتها على التحكم وتتردد في التواصل المباشر مع أتباعها.