أول الكلام آخره
- احتفل العالم في الثالث من أيار باليوم العالمي السابع والعشرين لحرية الصحافة، على الرغم من أن حرية الصحافة هذه تتعرض للانتهاك في جميع أنحاء العالم.
- اتّخذت بعض الحكومات من فيروس كورونا ذريعة لفرض رقابة على وسائل الإعلام، حتّى تلك قصرت عملها على تقديم تقارير شفافة عن الوباء وآثاره، بل ربّما كان هذا السعي منها خطيئتها الكبرى.
- وقد اتخذت الصين التي تعد من بين أسوأ الدول فيما يخص حرية الصحافة، إجراءات أكثر صرامة منذ انتشار وباء كورونا في أواخر عام 2019، والذي نشأ في ووهان وانتشر من هناك إلى بقية أنحاء العالم.
- لا تزال إدارة ترامب تواصل الاستخفاف بفكرة الصحافة الحرة، رافضة كل الانتقادات قائلة إنها «أخبار مزيفة» ومروجة لفكرة أن الإعلام هو «عدو الشعب«.
كانت السنوات الماضية صعبة للغاية بالنسبة للصحفيين والمدافعين عن حرية الصحافة. ففي الولايات المتحدة، أدت اقتصاديات الصحافة المتعثرة – التي همّشها عمالقة التكنولوجيا وشركات وسائل التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وغوغل – إلى إغلاق الصحف المحلية والمستقلة. وتعد هذه الصحف من بين المعاقل القليلة المتبقية للناخبين المحليين لبناء خياراتهم على أساس معرفي متين، وهي تمثل المراقب، أو الحارس، الذي يراقب عمل الحكومات المحلية وحكومات الولايات، ويشير إلى مكامن الخلل والتقصير. وقد فُقدت عشرات الآلاف من الوظائف في مجال الصحافة خلال العقد الماضي، ولا يبدو أنّ هذا المنحى سيتغير في أي وقت قريب. كما يواجه العدد المتضائل من الصحفيين المتبقين حالة أشبه بأزمة وجودية – بيئة سياسية يتزعّمها عدد من الديكتاتوريين والقادة الذين يسعون لقمع الصحافة الموضوعية، وبيئة مهنية يسيطر عليها انخفاض عدد القراء وعائدات المعلنين.
ويواصل رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب الاستخفاف بفكرة الصحافة الحرة، وهو يساوي بشكل علني وصريح بين جودة الصحافة وإيجابيّة تعاملها معه ومع إدارته، على أن تعامله مع الصحافة لا يختلف كثيرا عن نهجه في التعامل مع قضايا السياسة المحلية والخارجية، كما أن ازدراء الصحافة بات أشبه بالموقف الرسمي لأركان السلطة التنفيذية بأكملها، حيث يقوم كبار المسؤولين بشكل مستمر بترداد صرخات الرئيس بشأن «الأخبار المزيفة». وقد فشلت الناطقة الصحفية للبيت الأبيض والتي استبدلت مؤخّرا، ستيفاني جريشام، في عقد مؤتمر صحفي واحد خلال الأشهر الثمانية من عملها ناطقة باسم الرئيس. يمتد هذا النفور ليشمل «قاعدة» الرئيس ترامب، أو مؤيديه المخلصين، الذين ينددون بانتظام بـ «وسائل الإعلام الهزيلة» كما وصفها الرئيس. وفي الثالث من أيار، حيث احتفلت الأمم المتحدة بـ «اليوم العالمي السابع والعشرين لحرية الصحافة»، غرّد الرئيس ترامب على تويتر قائلا إن «وسائل الإعلام الهزيلة هي فاسدة تماما وعدوة للشعب!» وغالبا ما عبر الرئيس ترامب عن إحباطه من أن وسائل الإعلام لم توافق على تقويم إدارته لاستجابتها لوباء فيروس كورونا، والذي عدّه معظم المراقبين الموضوعيين غير كفؤ على الإطلاق. وعلى الرغم من أن أكثر من 71000 أمريكي قد توفوا بسبب كوفيد-19 حتى تاريخ 6 أيار 2020، إلا أن صهر الرئيس ترامب جاريد كوشنر حاول مؤخرًا أن يؤكد أن استجابة إدارة ترامب كانت بمثابة «قصة نجاح كبيرة»، الأمر الذي باعتقاده هو «حقا ما يجب أن تقوله» وسائل الإعلام. هذا ومن المتوقع حصول عشرات الآلاف من الوفيات الناجمة عن فيروس كورونا خلال الأشهر المقبلة.
أما خارج الولايات المتحدة، فإن الوضع أسوأ بكثير في الدول الاستبدادية كالصين وروسيا والمملكة العربية السعودية ومصر. وقد أثبت فيروس كورونا أنه كاشف فعّال عن الطابع الحقيقي للأنظمة الحاكمة والحكومات. فالانتقادات التي واجهها الحزب الشيوعي الصيني بصورة محقة بسبب تعامله الغامض والمتعمد خلال الأيام الأولى لوباء فيروس كورونا، واجهتها بكين بقمع وسائل الإعلام التي انحرفت عن الخط الرسمي للحزب. ووفقا للجنة حماية الصحفيين، تحتل الصين المرتبة الأولى في العالم في سجن الصحفيين (وتليها تركيا والمملكة العربية السعودية ومصر وإريتريا في المراكز الخمسة الأولى). لقد اعتقل المبلّغون وهدّدوا، ولم تكن جريمتهم إلّا أنّهم حاولوا كشف المدى الحقيقي لانتشار الوباء في الصين. ونتيجة لذلك، فمن الحماقة الاعتماد على أي من الإحصاءات التي قدمها الحزب الشيوعي الصيني من حيث عدد القتلى وعدد الإصابات. ويمكن قول الشيء نفسه عن الأرقام الصادرة عن حكومتي روسيا وإيران. حيث نفى الرئيس الروسي بوتين التقارير التي تشير إلى ارتفاع معدل الإصابة في بلاده، ولم يعترف الكرملين علانية بمدى انتشار الوباء إلا في الآونة الأخيرة. في هذه الأثناء، استجابت إيران للجائحة بمزيد من الرقابة والترهيب، وتكهن البعض بأن عدد وفيات كورونا في إيران المعلن والبالغ 6،418 فردا أقل بكثير من العدد الحقيقيّ.
إن جهود الرقابة التي تقودها مثل هذه الأنظمة تجعل من الاستجابة العالمية الواعية مستحيلة. ومما زاد الطين بلة هو أن فيروس التضليل الإعلامي ينتشر بشكل أسرع وعلى نطاق أوسع من كوفيد-19. ويشكل الوباء مادة دسمة مثالية لنظريات المؤامرة. حيث يمكن لكل مجموعة متطرفة أن تجد طريقة لتأطير سرديتها الخاصة أو وجهات نظرها العالمية بما يخص موضوع الاستجابة لفيروس كورونا. هذا وتملأ الجماعات القومية المتطرفة والعنصرية الفراغ بنظريات الحرب الجرثومية العرقية وتدعو إلى فرض القيود على الأقليات أو الأعراق أو الأديان المختلفة إن لم يكن إلى اضطهادها أو استئصالها. إن القادة الذين يجرّمون الصحافة الفعلية وأولئك الذين يرفضون ببساطة الصحافة النزيهة على أنها «أخبار مزيفة» هم خائفون بلا شك. علاوة على ذلك، تؤدي هذه الإجراءات إلى كتم المعلومات والبيانات الموضوعية، وتعثّر الجمهور الباحث عن المعلومات الصحيحة. هذا فضلا عن أن تصنيف وسائل الإعلام على أنها «عدو الشعب» يشجع على العصيان المدني ويؤجج الكراهية التي يمكن أن تؤدي إلى عواقب وخيمة. الآن، وأكثر من أي وقت مضى، يتحتم على المسؤولين المنتخَبين دعم الصحافة الحرة والتعددية وضمان قدرة الصحفيين على أداء عملهم دون خوف من الترهيب أو الإصابة أو السجن.