أوّل الكلام آخره:
- تعمل الدول على مكافحة انتشار مرض كورونا الذي يصيب الجهاز التنفسي، وتحاول في الوقت نفسه اكتشاف طرق التعامل مع مجموعة من التحدّيات السياسيّة والاقتصاديّة واللوجستيّة.
- إنّ ارتفاع مستويات الريبة التي يكنّها مواطنو الدول الاستبدادية تجاه حكوماتهم قد يعيق ولو جزئيّا فعاليّة إجراءات تلك الدول لمواجهة التحدّيات المطروحة.
- سجّلت إيران ٢٣٣٦حالة من حالات المرض بفيروس كورونا، وأعلنت وفاة ٧٧ شخصا بالمرض نفسه حتى الآن.
- وتكافح إيطاليا للسيطرة على المرض واحتوائه، غير أن انتشار المرض زاد من التوترات في ظل مجتمع يعاني من النزاعات الداخليّة السياسيّة ومزاعم الفساد وضعف كفاءة القطاع العام.
إنّ الانتشار الحاليّ لفيروس كورونا (كوفيد-١٩) هو حالة طبّية طارئة من شأنها أن تضغط بشكل كبير على أنظمة الصحّة العامّة في جميع أنحاء العالم. وتعمل الدول على مكافحة انتشار المرض الذي يصيب الجهاز التنفسيّ، وتحاول في الوقت عينه اكتشاف طرق التعامل مع مجموعة من التحدّيات السياسيّة والاقتصاديّة واللوجستيّة. وكما يستهدف هذا المرض الأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، فإنّه يستهدف بقوّة الدول التي تعاني من ضعف في أنظمة الرعاية الصحيّة أو من توتّر العلاقات بين حكوماتها والشعب. وفي محاولة للحد من انتشار هذا الوباء، فرضت بلدان استبداديّة مثل الصين، التي سجّلت أكثر من ٨٠٠٠٠ حالة مؤكدة و٣٠٠٠ حالة وفاة، قيودا صارمة على السفر والتجارة للحد من الانتشار. ولكنّ ارتفاع مستويات الريبة التي يكنّها مواطنو الدول الاستبدادية تجاه حكوماتهم، قد يعيق ولو جزئيّا فعاليّة إجراءات تلك الدول لمواجهة التحدّيات المطروحة. واليوم باتت أعداد الحالات المبلّغ عنها حديثا خارج الصين تتسارع بوتيرة تتجاوز تسارعها داخل الصين حيث منشأ المرض. وكانت البداية مع مجاميع بشريّة سجّل قدومها من الصين. لكنّ تزايد الأعداد ساهم فيه التتبّع المركّز للمرض وحالاته، فضلا عن سهولة انتقال العدوى من شخص إلى آخر. وقد أبلغت بكين عن حالات أعيدت مرة أخرى إلى الصين، وفرضت قيودا على سفر القادمين من دول مثل إيطاليا، على نحو القيود التي فرضت عليها ابتداء.
وتكافح كوريا الجنوبيّة من أجل التصدي لما يعد الآن أكبر حالات التفشّي للمرض خارج الصين. وتظهر التحدّيات التي تواجهها العاصمة سيئول أنه حتى البلدان ذات البنية التحتيّة المتقدمة للرعاية الصحية يمكنها أن تعاني من تفشّي المرض بشكل كبير. وتسجّل كوريا الجنوبيّة الآن أكثر من ٥٠٠٠ حالة، وهي التي كانت الرائدة في الإبلاغ عن الحالات الجديدة ورصدها، ويرجع ذلك إلى أنها كانت شديدة الدقة في اختبار المرضى الجدد وتحلّت بالشفافية فيما يتعلّق بالنتائج. وكان رئيس كوريا الجنوبية مون جي إن قد عقد اجتماعا طارئا في ٣ آذار/ مارس لمعالجة ما وصفه بنقص «شديد الخطورة» في أقنعة الوجه، إذ إن شراء أشخاص من غير العاملين بالرعاية الصحّيّة وغير المصابين بالوباء لهذه الأقنعة يجعل من الصعب على كل من يحتاجها فعليّا الحصول عليها وبخاصة من يحتاجها من موظّفي الرعاية الصحية. وتقف مشكلات كوريا الجنوبيّة مع المرض في الغالب عند حدّ الحجم الإجمالي للمرضى، أمّا في إيران، وهي بلد آخر من البلدان التي تفشّى فيها المرض، فتتفاقم المشكلات في ظلّ العقوبات الاقتصاديّة وغياب الشفافيّة. وذكرت محطّة الإذاعة البريطانيّة تسجيل إيران لـ ٢٣٣٦حالة من حالات وباء فيروس كورونا، ووفاة ٧٧ شخصا بالمرض نفسه حتى الآن، كما أفادت وسائل الإعلام الرسميّة الإيرانيّة أنّ واحدا من كل عشرة نوّاب في مجلس الشورى مصاب حاليّا بفيروس كورونا. وقد اتخذت إيران مؤخرا خطوة جذرية بالإفراج عن ٥٤٠٠٠ سجين في محاولة للسيطرة على انتشار الوباء في السجون ومراكز الاحتجاز الإيرانيّة.
ومن غير المرجح أن يبقى ما يحدث في إيران داخل حدودها، نظرا لجغرافيّة البلاد وعلاقاتها في جميع أنحاء المنطقة. وقد سجّل حالات أبلغ عنها حديثا في جميع أنحاء الشرق الأوسط، منها أعداد متزايدة في العراق، البلد الذي أنهكته الحروب ويحاول إعادة تعمير أراضيه. ومن الممكن أن يكون وباء فيروس كورونا مدمّرا بشكل خاص في بلد مثل العراق، خاصة في ضوء غياب الخدمات الحكوميّة على كل المستويات تقريبا. وحتى من دون هذا التهديد، فمن الصعب أن تقوم بغداد بمهامها كحكومة فعّالة قادرة على توفير احتياجات شعبها وأمنهم. فزيادة مرض جديد إلى لائحة الأمراض التي تؤثر بالفعل على العراق سيزيد من تفاقم المشكلات في بلد يشكو من ضعف الرعاية الصحيّة. كما يكشف وباء فيروس كورونا (كوفيد-١٩) عن خطوط التصدع في البلدان ذات الموارد الكافية، ولكنها تعاني من نقص بيروقراطي ومؤسسي خاص بها. وقد أبلغت إيطاليا، التي كانت إدارتها الوطنية على الدوام أكثر تعثّرا من اقتصادها الّذي يكافح للبقاء متعافيا، عن تسجيل أكثر من ٣٠٠٠ حالة إصابة وأكثر من ١٠٠ حالة وفاة بسبب الفيروس. وتكافح إيطاليا للسيطرة على المرض واحتوائه، غير أن انتشار المرض زاد من التوترات في ظل مجتمع يعاني من النزاعات الداخليّة السياسيّة ومزاعم الفساد وضعف كفاءة القطاع العام.
وقد اتّسمت استجابة الولايات المتحدة لتفشّي الوباء، كما هو الحال مع كل مايحدث في واشنطن، بالضغينة الحزبيّة والتناقضات بين البيت الأبيض وباقي حكومة الرئيس ترامب. وقد توقفت الحكومة عن الإبلاغ عن أعداد الأشخاص الجدد الذين اختبروا للكشف عن المرض، وقد تكون هذه الخطوة كفيلة في بذر المزيد من الشكوك وترويج المؤامرات. وتبلّغ المزيد من الولايات عن حالات، على الرغم من أن الأرقام الإجمالية لا تزال منخفضة، مع بروز ولاية واشنطن نقطة ساخنة محتملة. ويسلّط هذا الوباء الضوء على حقيقة لا مفر منها بعد اليوم، ألا وهي حاجة البنية التحتية الطبية في الولايات المتحدة إلى الإصلاح الجذري، على نحو حاجة طرقات البلاد وشبكاتها الكهربائية غير الكافية بشكل يرثى له والتي تعاني من الاهتراء. وقد أدّى تعمّد التخفّف في تمويل العلوم والأبحاث الطبّيّة مع الاستمرار في الإفراط في تمويل الحرب العالميّة على الإرهاب و«كل ما هو عسكري وأمني» إلى جعل الولايات المتحدة عرضة للتهديدات التي لم يلتفت إليها بشكل كاف في الأولويّات الوطنيّة الحاليّة.