أوّل الكلام آخره:
- حتى مساء الأربعاء، كان جوزيف بايدن المرشح الأوفر حظا للفوز في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2020 وذلك قبل الانتهاء من عملية الفرز بالكامل.
- يهدد ترامب أنه سيعارض نتائج الانتخابات وقد تشهد الأسابيع المقبلة تقلبات لم تشهدها الولايات المتحدة منذ عقود.
- لم يكن للتدخل الأجنبي دور كبير في هذه الانتخابات على عكس التوقعات السابقة، ولكن الرئيس ترامب أدى دور خصوم الولايات المتحدة من خلال توجيه اتهامات لا أساس لها تشكك في العملية الانتخابية وتوحي بأن أصوات الناخبين قد زوّرت وسرقت.
- وقد أثارت الفوضى الناجمة عن الانتخابات حالة من الارتباك والاستياء بين حلفاء الولايات المتحدة وشركائها والدول الصديقة.
في وقت متأخر من مساء الأربعاء، تصدّر جوزيف بايدن السباق على الرئاسة الأمريكية، مقتربا من هزيمة الرئيس الحالي دونالد ترامب. ولكن في الوقت الذي يراقب فيه أنصار بايدن الأصوات المتبقية بفارغ الصبر، فإن موسم الحملة الانتخابية برمته وحالة الارتباك التي تسيطر على الانتخابات يكشفان عن بلد مستقطب بشكل حاد. إن المشاعر المتضاربة بين الغضب والحيرة التي يعيشها الكثير من الأمريكيين بسبب الإجراءات والتصريحات المثيرة لإدارة ترامب أثناء عملية فرز الأصوات، تعكس الانقسامات المجتمعية العميقة في الولايات المتحدة. وفي ليلة الانتخابات، أعلن الرئيس ترامب فوزه علنا حتى قبل أي ظهور واضح لنتائج الانتخابات. وتجدر الإشارة إلى أنه لم تقع عمليات عنف ذات شأن في المراكز الانتخابية، على الرغم من قلق الكثيرين من أن تؤدي اتهامات الرئيس ومؤيديه بتزوير الانتخابات إلى تحريض بعض الجهات على مثل ذلك.
وقد أعلنت حملة الرئيس ترامب أمس أنها تعتزم رفع دعوى قضائية ضد ولاية بنسلفانيا في محاولة لوقف عملية فرز الأصوات التي كانت جارية. ورفعت دعاوى قضائية أخرى في كل من ميشيغان وجورجيا. كما تدعو حملة ترامب إلى إعادة فرز الأصوات في ولاية ويسكونسن، التي حقق فيها بايدن تقدما بنحو 20 ألف صوت. وبعد ظهر أمس، وقبل فرز ما تبقى من الأصوات وهي نحو مليون صوت في ولاية بنسلفانيا، أعلن كل من إريك ترامب (أحد أبناء الرئيس) والسكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض كيلي مكناني، فوزا سابقا لأوانه لترامب في الولاية. وقد قامت منصةتويتر بنشر ملصق تحذيري على التغريدات مفاده أن «المصادر الرسمية ربما لم تعلن ذلك لحظة نشر هذه التغريدات». وفي الأشهر التي سبقت الانتخابات، كان الرئيس ترامب مصرا على القول إنه سيعارض نتائج أي انتخابات لا يعلن فوزه فيها. وقد تشهد الأسابيع والأشهر المقبلة تقلبات لم تشهدها أي انتخابات في الولايات المتحدة على مدى أجيال. ومن ناحية أخرى، يراقب العالم أجمع الرئيس ترامب وهو يعمد إلى نشر معلومات مضللة تتهم الديمقراطيين بالغش في الانتخابات.
إن حجم الفوضى التي تسيطر على البيت الأبيض لم يسبق لها مثيل من عدة جوانب. فقد كان الرئيس ترامب على الدوام يحط من قدر عمل مختلف الإدارات والوكالات داخل الحكومة الأمريكية حتى في الوقت الذي كان يقودها ظاهريا. فقد شكك الرئيس ترامب مرارا وتكرارا في ولاء أولئك الذين رفضوا أن يتملّقوه، من موظفي الخدمة المدنية إلى مجتمع الاستخبارات. وقد سيّست إدارته المعلومات الاستخباراتية، الأمر الذي عرّض الأمن القومي الأمريكي للخطر. وقد ساهمت الادعاءات بوجود ما يسمى «الدولة العميقة» في تصاعد نظريات المؤامرة كتلك التي يروجها أمثال تنظيم كيو. وحتى في الوقت الذي كان فيه الحزب الجمهوري يحاول تشجيع التصويت بالبريد، لضمان الإقبال المتزايد على التصويت في ظل القيود المفروضة جراء وباء كورونا، فقد ندد الرئيس ترامب، ومن ثم حلفاؤه، مرارا وتكرارا وبوضوح بالتصويت بالبريد لكونه نوعا من التزوير و«الخدعة». ولكن ذلك لم يؤثر في عملية التصويت، فقد أدلى أكثر من 90 مليون شخص بأصواتهم قبل يوم الانتخابات الرسمي في 3 تشرين الثاني / نوفمبر، إما عبر التصويت الشخصي المسبق أو عبر التصويت بالبريد. ولم يحلُ للرئيس ترامب أن الدول الأجنبية لم تتدخّل في الانتخابات على نحو ما كان متوقعا، لذلك أخذ دور خصوم الولايات المتحدة مثل الصين وإيران وروسيا وقام بتلطيخ شرعية الديمقراطية الأمريكية وتشويه سمعة المؤسسات السياسية الأمريكية وتقويضها بلا داع باتهامات لا أساس لها وبالإيحاء أن أصوات الناخبين قد زورت وسرقت.
وقد أثارت الفوضى الناجمة عن الانتخابات حالة من الارتباك والاستياء بين حلفاء الولايات المتحدة وشركائها والدول الصديقة. وبناء على ذلك، تتساءل العديد من الدول عن الدور الذي ستواصل الولايات المتحدة القيام به في العالم، لا سيما وأن إدارة ترامب اتبعت في المقام الأول نهج «العمل المنفرد» في الشؤون الدولية، وهو ما نفّر الحلفاء القدامى وشجّع الطغاة على التمادي في طغيانهم. ومن شأن رئاسة بايدن أن تعيد على الفور المصداقية الأمريكية في نظر العديد من حلفاء الولايات المتحدة التقليديين، من المملكة المتحدة إلى كوريا الجنوبية. ولكن حتى لو خفت هواجس حلفاء أمريكا في الخارج وعادت أمريكا إلى دبلوماسيتها التقليدية بعد أربع سنوات من الاعتباطية، يبقى من الواضح أن الولايات المتحدة نفسها بلد منقسم بعمق على عدة مستويات، عرقيا وسياسيا واجتماعيا واقتصاديا. وعلى الرغم من صعوبة تعافي الأمة، إلا أن بايدن قد بدأ العمل على ذلك، مشيرا أمس إلى أنه «بمجرد الانتهاء من هذه الانتخابات، سيكون الوقت قد حان بالنسبة لنا لنقوم بما اعتدنا عليه كأمريكيين، وهو أن نضع وراءنا الخطاب القاسي للحملة الانتخابية… علينا أن نتحد، وأن نتعافى، وأن نجتمع كأمة واحدة».