أوّل الكلام آخره:
- على مدى السنوات الأربع الماضية، تعاملت الولايات المتحدة بانتقائية مع قضايا انتهاكات حقوق الإنسان مركّزة بشكل أساسي على إيران وفنزويلا والصين.
- منذ الانتخابات الرئاسية الأمريكية، عمدت المملكة العربية السعودية وتركيا ومصر إلى مزيد من الانتهاكات لحقوق الإنسان، مدركة أن موقف الرئيس المنتخب بايدن سيكونمختلفا عن موقف الرئيس ترامب من هذه المسألة.
- إن ما يعده الرئيس ترامب سياسة واقعية، يراه المستبدون ضوءا أخضر لمواصلةإسكات المنتقدين بلا تحسب للعواقب.
- سيراقب العالم عن كثب ما إذا كانت إدارة بايدن مستعدة وقادرة على جعل حقوقالإنسان محورا أساسيا للسياسة الخارجية للولايات المتحدة.
على مدى السنوات الأربع الماضية، تعاملت الولايات المتحدة بانتقائية مع قضايا انتهاكات حقوق الإنسان مركّزة بشكل أساسي على إيران وفنزويلا والصين، وهي الدول التي تعدها إدارة ترامب من كبار خصومها. فبدلا من تسليط الضوء على قضية حقوق الإنسان والعمل على محاسبة الدول الأخرى، كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب متساهلا مع الطغاة، حتى إنه كان يتباهى في بعض الأحيان بعلاقته بالحكام المستبدين، ويدعم علنا السلطويين مثل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. وتعد إشادة الرئيس ترامب بالرجال الأقوياء شذوذا في السياسة الأمريكية فضلا عن أنها تقدم بعض الحوافز لهم للتمادي في انتهاكاتهم لحقوق الإنسان. ويسيطر هؤلاء الزعماء الثلاثة سيطرة فعلية على الصحافة والقضاء بل وحتى المعارضة الأكثر شعبية في الدول التي يحكمونها. كما أنهم يرفضون رفضا قاطعا أي انتقاد لهم أو لسياساتهم أو لأنظمتهم ويعدونها خيانة ويقمعون بقسوة أي معارضة سياسية حقيقية.
ومنذ الانتخابات الرئاسية الأمريكية، عمدت المملكة العربية السعودية وتركيا ومصر إلى مزيد من الانتهاكات لحقوق الإنسان، مدركة أن موقف الرئيس المنتخب بايدن سيكون مختلفا عن موقف الرئيس ترامب من هذه المسألة. وفي المملكة العربية السعودية، وهي من الدول التي لديها أحد أسوأ سجلات حقوق الإنسان في العالم، أحيلت قضية لجين الهذلول بشكل فجائي إلى المحكمة الجنائية المتخصصة الأسبوع الماضي بعد عام من الاعتقال من غير محاكمة ومن غير لائحة اتهامات. وكانت الهذلول قد اعتُقلت عام 2018، وذلك قبل أسابيع فقط من رفع السلطة السعودية الحظر على قيادة المرأة السعودية. ويعد رفع الحظر شاهدا على دور لجين الفعال والداعم في هذه القضية، وكذلك في قضايا أخرى كتوفير الحماية القانونية وحماية حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية، والتي سجنت وعذبت بسببها. وفي تركيا، احتجز رجل الأعمال البارز عثمان كافالا عام 2017 بتهم زائفة. ونظرا إلى غياب أي أدلة تدين كفالا، أصدرت المحكمة قرارا بالإفراج عنه، إلا أن حلم الحرية لم يتحقق وعاد وراء القضبان بعد أن لفّقت له الحكومة التركية اتهامات جديدة متعلقة بمحاولة الانقلاب عام 2016، وهي اتهامات غالبا ما تتلاعب بها الحكومة لاحتجاز المواطنين أو منتقدي النظام أو المعارضين السياسيين. أما في مصر، فقد واصلت حكومة السيسي ضغوطها المستمرة على النشطاء والمعارضين، واعتقلت ثلاثة أعضاء من المبادرة المصرية للحقوق الشخصية في الأسابيع الأخيرة واتهمتهم بتهم تتعلق بالإرهاب دون أي دليل ملموس.
لم تحظ هذه التحركات بالاستجابة المنشودة من إدارة ترامب، التي لا تزال تركز على محاولة إلغاء نتائج انتخابات حرة ونزيهة داخل البلاد. وقد قلل البيت الأبيض من شأن الغضب الدولي وضغوط الكونغرس عندما اغتالت الحكومة السعودية الصحفي والمعارض السعودي جمال خاشقجي المقيم في الولايات المتحدة في تشرين الأول / أكتوبر 2018. وقد التزمت إدارة ترامب الصمت إزاء عدد لا يحصى من الانتهاكات الأخرى التي قامت بها المملكة، وفضلت بدلا من ذلك التركيز على الجوانب التجارية للعلاقة، ومنها مبيعات الأسلحة. وفي الوقت نفسه، تشهد تركيا في ظل حكومة أردوغان العهد الأكثر صرامة منذ سنوات. أما في مصر، حيث أعلن الرئيس ترامب ذات مرة أن السيسي هو «ديكتاتوره المفضل»، اعتمد النظام عدة صيغ لمصطلح «الأخبار المزيفة» لاستهداف نشطاء حقوق الإنسان. وقد اتهمت محكمة مصرية جاسر عبد الرازق وكريم عنارة ومحمد بشير بـ«استخدام حسابات التواصل الاجتماعي لنشر أخبار ومعلومات كاذبة وترويجها على نحو قد يضر بالسلم والأمن العامين». باختصار، إن ما يعده الرئيس ترامب سياسة واقعية، يراه الطغاة والحكام المستبدون ضوءا أخضر لمواصلة إسكات المنتقدين بلا تحسب للعواقب.
وفي حين تصرفت كل حكومة من الحكومات الثلاث وفقا لما يتناسب مع مصالحها الذاتية، فإن التغيير في الإدارات الأمريكية قد عجّل بعض الإجراءات القمعية تحسّبا لما هو آت. وحتى في الوقت الذي فشلت فيه الولايات المتحدة في الارتقاء داخليا إلى مستوى معاييرها الخاصة بتعزيز حقوق الإنسان وحمايتها في بعض الأحيان، فإنها كانت تستخدم نفوذها بفعالية لتسليط الضوء على منتهكي حقوق الإنسان عالميا وممارسة الضغط عليهم. ولكن ذلك انتهى مع تصريح الرئيس ترامب بأنه لا مصلحة للولايات المتحدة في أن تعلّم الدول الأخرى كيفية التعامل مع شعوبها. وفي الوقت الذي شددت فيه إدارة ترامب على هذه النقطة، أعلنت الولايات المتحدة انسحابها من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة عام 2018. وقد رد الرئيس المنتخب بايدن برسالة وعد فيها الشعوب بــ«الدفاع عن حق النشطاء والمعارضين السياسيين والصحفيين في جميع أنحاء العالم في التعبير عن آرائهم بحرية دون الخوف من التعرض للاضطهاد والعنف». وفي توبيخ واضح للسعودية، أدلى بايدن بهذه التصريحات العلنية بمناسبة الذكرى الثانية لمقتل خاشقجي. ومع ذلك، يبقى من الصعب مساءلة الحلفاء عندما تكون مهمة الرئيس إدارة العلاقة الواسعة النطاق، والتي تشمل الاقتصاد والأمن ومجالات أخرى. وعليه، سيراقب العالم عن كثب ما إذا كانت كلمات إدارة بايدن ستتفق مع أفعالها، وما إذا كان الرئيس القادم ينوي وضع قضية حقوق الإنسان في قلب السياسة الخارجية للولايات المتحدة. ولا شك أن القادة في الرياض والقاهرة وأنقرة قلقون من ذلك.