أوّل الكلام آخره:
- في حين أن الولايات المتحدة تبدو منشغلة بترتيب علاقتها التنافسية بالصين، سعت روسيا إلى تأكيد حضورها في ميدان التنافس، مذكّرة واشنطن بأن موسكو قوة لا يستهان بها.
- أثار التعزيز العسكري الروسي على طول الحدود الشرقية لأوكرانيا قلق كييف وواشنطن – وتشير بعض التقارير إلى أن ما يصل إلى 115000 جندي روسي يحيطون الآن بالتمرد الانفصالي الموالي لروسيا.
- تهدف الاتصالات المستمرة بين واشنطن وموسكو إلى تخفيف حدة التوترات وربما محاولة البناء على قمة حزيران (يونيو) بين بايدن وبوتين لإحراز بعض التقدم.
- يرى الكثيرون أن روسيا وراء الأعمال الاستفزازية الأخيرة التي أقدمت عليها بيلاروسيا (روسيا البيضاء)، حيث يحوّل الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو بلاده إلى دولة منبوذة.
في حين أن الولايات المتحدة تبدو منشغلة بترتيب علاقتها التنافسية بالصين، سعت روسيا إلى تأكيد حضورها في ميدان التنافس، مذكّرة واشنطن بأن موسكو قوة لا يستهان بها. ويسعى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مدعومًا بارتفاع أسعار الطاقة وبالصورة الكارثية التي ظهرت في جهود الإجلاء الأمريكية في أفغانستان، إلى تحويل النفوذ الجيوسياسي إلى نتائج ملموسة في السياسة الخارجية. وتواصل روسيا ترسيخ تموضعها في منطقة القطب الشمالي، حيث اختبر جيشها للتو صاروخًا تفوق سرعته سرعة الصوت. كما أظهرت موسكو مؤخرا قدرتها في مجال التصدي للأقمار الصناعية، ممّا خلّف كمية كبيرة من الحطام الفضائي. وبفضل الطوربيدات ذات القدرة النووية والاستثمار المتزايد في الذكاء الاصطناعي، تعمل روسيا على تحديث جيشها بقوة لمواجهة التحديات المرتبطة بتنافس القوى العظمى. وإذا استعرضنا العقود الأخيرة، سنجد أنه مع ارتفاع أسعار الطاقة يشعر بوتين بمتانة موقعه، وهذا يجعل روسيا أكثر شراسة. كما أنه قد يعتمد على الانقسامات السياسية في أوروبا للتخفيف من أثر العقوبات في حالة حدوث عمل عسكري روسي محتمل في أوكرانيا.
وقد أثار التعزيز العسكري الروسي على طول الحدود الشرقية لأوكرانيا قلق كييف وواشنطن – إذ تشير بعض التقارير إلى أن ما يصل إلى 115000 جندي روسي يحيطون الآن بالتمرد الانفصالي الموالي لروسيا. كما نقل الروس أسلحة متطورة إلى المنطقة، وكثفوا أيضًا الحرب الإلكترونية ضد طائرات المراقبة الأوكرانية بدون طيار. كما تغذي روسيا الصراع بالمزيد من الأسلحة التقليدية، وقد أظهرت دراسة حديثة أجرتها Conflict Armament Research بالتفصيل أنواع الأسلحة التي تتدفق لدعم الانفصاليين، بما في ذلك البنادق وقاذفات القنابل اليدوية والصواريخ المحمولة على الكتف المضادة للطائرات والذخيرة. ومنذ ضم روسيا لشبه جزيرة القرم في عام 2014 واحتلال منطقة دونباس في أوكرانيا، شهد الصراع موجات من المد والجزر، ويبدو أنه اليوم على وشك الاندلاع مجددا، وذلك بالنظر إلى التحركات الأخيرة للقوات والمعدات والمركبات. وسيشكل الصراع المتجدد في أوكرانيا تحديًا فوريًا لحلف الناتو، ومن المرجح أن بوتين يراهن على الانقسامات في صفوف خصومه، وعدم قدرتهم على التصدي لحركته بطريقة منظمة. كما تواصل روسيا استخدام احتياطيات الطاقة سلاحا لها، وهذا قد يعني أشهرا صعبة في أوروبا الغربية مع اقتراب فصل الشتاء، ما لم تستجب أوروبا لمطالبها.
وردًا على المخاوف المتزايدة بشأن التصعيد في أوكرانيا، حذر وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكين روسيا من أن «أي إجراءات تصعيدية أو عدوانية [في أوكرانيا] ستكون مصدر قلق كبير للولايات المتحدة». في المقابل كان بوتين صريحًا بشأن ما يراه «خطوطًا حمراء» – وعلى وجه التحديد، التعزيز المستمر للبنية التحتية العسكرية لحلف شمال الأطلسي في أوكرانيا. وقد سافر مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية بيل بيرنز، وهو دبلوماسي سابق، إلى موسكو في أوائل تشرين الثاني (نوفمبر) للقاء نيكولاي باتروشيف أحد كبار مستشاري بوتين. كانت روسيا غاضبة من التعاون العسكري الأمريكي والأوكراني في منطقة البحر الأسود، تهدف الاتصالات المستمرة بين واشنطن وموسكو إلى تخفيف حدة التوترات وربما محاولة البناء على قمة حزيران (يونيو) بين بايدن وبوتين لإحراز بعض التقدم. وكان بايدن قد ركز في تلك القمة على قضايا مثل الهجمات الإلكترونية وبرامج الفدية والحاجة إلى العمل معًا للحد من التسلح. وذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن مجتمع المخابرات الأمريكية قد وجه تحذيرات للحلفاء مفادها أن النافذة المتاحة لمنع روسيا من القيام بعمل عسكري في أوكرانيا تبدو ضيقة، وأكد على أن الاستجابة للتهديد المتزايد هو اليوم أمر ملحّ للغاية.
على الرغم من الصعوبات التي واجهها الكرملين في محاولة احتواء وباء الكورونا، إلا أن بوتين لا يزال يتمتع بشعبية بالغة وكان قادرًا على قمع حركة الاحتجاج الوليدة لدعم المعارض المسجون أليكسي نافالني. وتحت قيادته، واصلت روسيا توسيع مجال نفوذها التقليدي ووثّقت علاقاتها بالصين. وعلاوة على ذلك، يرى الكثيرون أن روسيا تقف وراء الأعمال الاستفزازية الأخيرة التي أقدمت عليها بيلاروسيا، حيث يحوّل الرئيس ألكسندر لوكاشينكو بلاده إلى دولة منبوذة. ففي أيار (مايو)، حولت بيلاروسيا رحلة طيران دولية بين اليونان وليتوانيا من أجل اعتقال الصحفي رومان بروتاسيفيتش الذي كان ينتقد لوكاشينكو. وفي الآونة الأخيرة، واستجابة للعقوبات، استقدم لوكاشينكو ما بين 3000 و 4000 مهاجر من العراق وسوريا وأفغانستان إلى بلاده. ثم جرى تشجيع المهاجرين على محاولة عبور الحدود إلى بولندا، في محاولة لزعزعة استقرار بولندا والاتحاد الأوروبي على نطاق أوسع.