أوّل الكلام آخره:
- تقوم الحكومة الكوبية بقمع الاضطرابات المتزايدة التي صاحبت الانتقال السياسي من حكم الأخوين كاسترو.
- سيعقّد القمع العنيف الذي واجه به النظام الاحتجاج السلمي على مستوى البلاد في 15 تشرين الثاني (نوفمبر) جهود الولايات المتحدة للعودة إلى سياسة التواصل مع هافانا.
- ولا يزال الجدل الأمريكي قائما حول جدوى العقوبات وفعاليتها في تغيير السياسات الداخلية لكوبا.
- ومن المؤشرات الرئيسية المنتظرة لمعرفة مستقبل السياسة الأمريكية في كوبا هو المتعلق باحتمال إزالة الولايات المتحدة كوبا مرة أخرى من قائمة الدول الراعية للإرهاب، بعد أن أعيد إدراجها في القائمة في الأيام الأخيرة لإدارة ترامب.
في 15 تشرين الثاني (نوفمبر)، انتشرت قوات الأمن الكوبية في شوارع هافانا – وكذلك في منازل القادة المنشقين الرئيسيين – لإحباط مسيرة معارضة مخطط لها للمطالبة بمساحة سياسية أكبر وبإطلاق سراح السجناء السياسيين. ونتيجة لضغوط الحكومة، لم تنجح المعارضة في حشد الجماهير على نحو التدفق التلقائي الذي حدث في 11 تموز (يوليو)، عندما احتشد الآلاف في الشوارع للاحتجاج على نقص الغذاء وانقطاع التيار الكهربائي وتدهور النظام الطبي بفعل جائحة الكورونا. وقد دفعت اضطرابات تموز (يوليو) العديد من الخبراء، وكذلك قادة المعارضة داخل كوبا وخارجها، إلى الاعتقاد أن النظام بدأ يضعف بعد غياب الزعيم الثوري فيدل كاسترو، الذي وافته المنية قبل خمس سنوات، وتنحّي راؤول كاسترو، شقيقه وخليفته الذي تخلى عن زعامته للحزب الشيوعي في نيسان (أبريل) للعمل في الجهود التعبوية لأنصار النظام. وقد ساد تصور بأن الزعيم الكوبي الجديد ورئيس الحزب ميغيل دياز كانيل يفتقر إلى الكاريزما والأوراق الثورية التي تمكنه من مواجهة المعارضة الشعبية المتزايدة. ولكن القمع في 15 تشرين الثاني (نوفمبر) يشير إلى أن دياز كانيل قد يكون أكثر قدرة على الحفاظ على النظام مما كان يُفترض سابقًا، وأنه على استعداد لاستخدام جميع الوسائل الضرورية لذلك.
على أن تصاعد التحريض المناهض للحكومة له وجه آخر، فهو يعقد جهود الولايات المتحدة للعودة إلى سياسة إدارة أوباما المتمثلة في التعامل مع هافانا، والابتعاد عن سياسة إدارة ترامب المتمثلة بعزل النظام الكوبي والضغط عليه. وردًّا على اعتقالات الحكومة لقادة احتجاجات تموز (يوليو)، وتماشيًا مع تعهد الرئيس بايدن باعتماد سياسة خارجية تضع حقوق الإنسان في مركز الصدارة، أدرجت إدارة بايدن قوة الشرطة الوطنية الثورية وكبار قادتها على لائحة العقوبات. كما أعلنت الإدارة أنها ستتخذ خطوات لتحسين تدفق التحويلات مباشرة إلى الشعب الكوبي وستبحث عن طرق لاستعادة الوصول الكامل إلى الإنترنت للمواطنين في الجزيرة. وقد انتقد وزير الخارجية أنطوني بلينكين الحملة الأمنية على مسيرات 15 تشرين الثاني (نوفمبر) المخطط لها، وحث النظام على السماح بحرية التجمع والسماح للمواطنين الكوبيين «برفع أصواتهم دون خوف من انتقام الحكومة». كما بُحث في مسألة زيادة عدد الموظفين في سفارة الولايات المتحدة في هافانا للتواصل بشكل أفضل مع المعارضين. وكانت إدارة أوباما قد أعادت فتح السفارة في محاولة منها لإشراك كوبا والابتعاد عن سياسة مدتها 50 عامًا استندت بالكامل تقريبًا إلى العقوبات الاقتصادية ومحاولة عزل النظام. ولم تغلق إدارة ترامب السفارة على الرغم من أنها أعادت فرض العديد من القيود على السفر من الولايات المتحدة إلى كوبا – كحظر الرحلات الجوية التجارية من الولايات المتحدة إلى المدن الكوبية غير هافانا – وغيرها من الإجراءات التي كانت إدارة أوباما قد خفّفتها.
على أن مسألة ما إذا كانت العقوبات الأمريكية يمكن أن تسبب تغييرًا في سياسات الأنظمة الاستبدادية (ومنها النظام الكوبي) ليست مسألة محسومة بل هي محل أخذ ورد. وكذلك مسألة ما إذا كانت الفوائد الاستراتيجية للضغط الاقتصادي تفوق التأثير السلبي الواقع على السكان الكوبيين الفقراء. وتراقب العديد من الشركات الأمريكية قضايا العقوبات عن كثب، فهي ترى في كوبا بلدا جاذبا للتجارة والاستثمار، ولا سيما في السياحة والزراعة ومبيعات الآلات. وقد خلصت إدارة أوباما إلى أن العقوبات لم تضعف النظام، فاتخذت بعض التدابير لإشراك كوبا، وأزالت في أيار (مايو) 2015 كوبا من قائمة الدول الراعية للإرهاب. وكانت كوبا قد أدرجت لأول مرة على القائمة في عام 1982 بسبب دعمها للجماعات المتمردة العاملة في أنغولا والسلفادور وغواتيمالا ونيكاراغوا.
والإدراج على «قائمة الإرهاب» المذكورة له تبعات منها أن الولايات المتحدة تكون ملزمة أن تصوّت ضد إقراض المؤسسات المالية الدولية للدولة المدرجة. ويعدّ هذا الإقراض أمرًا ضروريًا لتمويل المشاريع التي قد تعود بالنفع على الشعب الكوبي. وفي إطار جهود إدارة ترامب الشاملة للضغط على الحكومة الكوبية بدلاً من إشراكها، أعادت إدراج كوبا على القائمة قبل عشرة أيام من مغادرة ترامب منصبه، على الرغم من أن كوبا لم تكن على ما يبدو منخرطة في أي مبادرات جديدة لدعم الجماعات التي تقوم بأعمال إرهابية. وقد استشهد المسؤولون الأمريكيون وقتها بدعم كوبا المزعوم لمتمردي جيش التحرير الوطني الكولومبي وإيواء الهاربين من العدالة الأمريكية لتسويغ إعادة التصنيف. ولم تشر إدارة بايدن حتى الآن إلى أنها سترفع كوبا مرة أخرى من القائمة، ولعل مرد ذلك هو أنها لا تريد أن تظهر بمظهر من يكافئ هافانا على حملتها القمعية ضد المعارضين. إن استمرار إدراج كوبا في القائمة يظهر أنه من السهل فرض العقوبات المتعلقة بالإرهاب، أما رفعها أو تخفيفها فهما أصعب بلا شك، وهذا ما تظهره أيضا الأمثلة الأخرى من خارج كوبا. ومع ذلك، فإن أي تحرك من جانب الولايات المتحدة لشطب كوبا من قائمة الإرهاب مرة أخرى من شأنه أن يشير إلى أن الإدارة قد ترى مؤشرات على أن إشراك الحكومة الكوبية يمكن أن يعود بفوائد على المصالح الأمريكية ويمكنه أيضا أن يعزّز التطور الديمقراطي داخل كوبا.