أوّل الكلام آخره:
- منذ الإبلاغ عن أول حالة إصابة بالكورونا في آسيا الوسطى في منتصف آذار / مارس، اتبعت دول المنطقة استراتيجيات مختلفة للتعامل مع الوباء.
- فضلا عن الخسائر البشرية المباشرة الناجمة عن الوباء في جميع أنحاء آسيا الوسطى، تواجه المنطقة تحديات اقتصادية وأمنية ناتجة عن انتشاره.
- تؤدي التداعيات الاقتصادية لوباء كورونا إلى زيادة اعتماد المنطقة على الصين، مما يؤدي الى نفوذ أكبر لبكين في المنطقة.
- في ظل أزمة كورونا، أعرب المحللون عن قلقهم من اتساع نطاق تكنولوجيا المراقبة التي تقدمها الصين وإعادة استخدامها لرصد السكان في مقاطعات آسيا الوسطى بحجة الصحة والسلامة.
عانت جمهوريات آسيا الوسطى الخمس، وهي كازاخستان وأوزبكستان وطاجيكستان وقيرغيزستان وتركمانستان، كغيرها من البلدان في جميع أنحاء العالم، معاناة كبيرة بسبب انتشار وباء كورونا. وهي تواجه اليوم نتيجة لذلك تحديات مباشرة وطويلة الأمد. ومنذ الإبلاغ عن أول حالة إصابة في آسيا الوسطى في منتصف آذار / مارس، اتبعت دول المنطقة استراتيجيات مختلفة للتعامل مع الوباء. فتحركت كازاخستان وأوزبكستان وقرغيزستان لإغلاق الحدود وفرضت إجراءات إغلاق على نطاق البلاد، وقد أعيد فرض تلك الإجراءات في تموز / يوليو في كل من أوزبكستان وكازاخستان في أعقاب ارتفاع حاد في عدد الحالات في كلا البلدين. وقلل الزعيمان الاستبداديان في طاجيكستان وتركمانستان من شأن وجود الفيروس في بلديهما، على الرغم من وجود أدلة تثبت العكس. ولكن في أواخر نيسان / أبريل، أبلغت وزارة الصحة الطاجيكية عن إصابة أول 15 حالة في البلاد، ومنذ ذلك الحين ارسلت منظمة الصحة العالمية عدة بعثات إنسانية للتعامل مع التحدي. ولا يزال المسؤولون في تركمانستان، وهم الأكثر طغيانا بين نظرائهم في جمهوريات آسيا الوسطى الخمس، ينكرون تفشي المرض في البلاد، على الرغم من تسرب روايات متعددة تفيد بانتشار الفيروس واستمرار ارتفاع حالات الوفيات، ومن ذلك ما يقال عن وفاة عمدة مقاطعة في الجزء الشرقي من البلاد. وفي منتصف تموز / يوليو، فرضت الحكومة سياسةالكمامات، عازية الأمر إلى زيادة مستويات «الغبار» في الهواء.
وفي أعقاب موجة ثانية من الإصابات، أبلغت جمهوريات آسيا الوسطى الخمس حتى أوائل آب / أغسطس عن أكثر من 000 165 إصابة وحوالي 000 3 حالة وفاة. وقد انتقد المحللون والصحفيون ومنظمات حقوق الإنسان كيفية تعامل الجمهوريات الخمس مع الوباء، مشيرين إلى نقص المعلومات الكافية المتعلقة بالفيروس، ونشر البيانات غير الدقيقة، وانتشار الفساد، وتردد الحكومة (لئلا تخلق «حالة من الذعر» في زعمها)، واكتظاظ مؤسسات الرعاية الصحية، وكل ذلك يسوغ الخوف من أن يكون عدد الإصابات والوفيات أعلى من ذلك بكثير. ويغيب التعاون الإقليمي بين الجمهوريات الخمس إلى حد كبير بسبب النزاعات فيما بينها، رغم أن الرئيس الاوزبكي شافكات ميرزيوييف قاد الجهود للتنسيق والتعاون مع الدول المستقلة عن الاتحاد السوفييتي من خلال الاتصالات الهاتفية الثنائية المتعددة وإرسال المساعدات الإنسانية إلى أفغانستان. ومن المحتمل أن تكون هذه الأعمال مؤشرا على اعتماد اتجاه يزيد من التعاون بين جمهوريات آسيا الوسطى الخمس، مع استعداد أوزبكستان للمبادرة في تنظيم نهج إقليمي أكثر اتساقا لمواجهة بعض التحديات.
وإلى جانب الخسائر البشرية المباشرة الناجمة عن وباء كورونا في جميع أنحاء آسيا الوسطى، تواجه المنطقة تحديات اقتصادية وأمنية لا حصر لها نتيجة لانتشار الفيروس. وتشير تقديرات منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي إلى تحقيق نمو سلبي في الناتج المحلي الإجمالي لعام 2020 لثلاث من دول الجمهوريات الخمس، بسبب افتقارها إلى التنوع في اقتصاداتها واعتماد المنطقة المفرط على تصدير الغاز الطبيعي إلى الصين. ومن المتوقع أن يبلغ معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي لأوزبكستان وتركمانستان حوالي 1.8 % لكل بلد، مقارنة بنسبة تقارب الـ 6 % عام 2019. ووفقا للبنك الدولي، فقد ينكمش الناتج المحلي الإجمالي لآسيا الوسطى بنسبة 5.4 % بحلول نهاية العام، أي ما يزيد بمقدار نصف نقطة مئوية عن تقديرات صندوق النقد الدولي لانكماش الناتج المحلي الإجمالي العالمي. وكانت المنطقة من أهم مناطق الاستثمارات الصينية منذ الإعلان عن مبادرة «الحزام والطريق» في كازاخستان عام 2013، وأصبحت منذ ذلك الحين تعتمد بشكل متزايد على النفوذ الاقتصادي الصيني. وحتى قبل انتشار وباء كورونا، كانت عدة جمهوريات من الجمهوريات الخمس، ولا سيما قيرغيزستان وطاجيكستان، تكافح من أجل سداد قروضها للصين. ومن المرجح أن تؤدي التداعيات الاقتصادية لوباء كورونا إلى زيادة اعتماد المنطقة على الصين، مما يعني نفوذا أكبر لبكين في المنطقة.
وتعدّ آسيا الوسطى وجهة رئيسة لأنظمة المراقبة الصينية، مما يهدد سجل حقوق الإنسان الهش أصلا في المنطقة. ومن خلال ما يسمى «طريق الحرير»، الذي يشكل جزءا من مبادرة «الحزام والطريق»، تتطلع بكين إلى توسيع نطاق انتشارها التكنولوجي في جميع أنحاء العالم بصفة أساسية من خلال تقنية «المدن الذكية»، مع جعل آسيا الوسطى وجهتها الرئيسة. وتتراوح تقنية «المدن الذكية» في الصين من برنامج التعرف على الوجوه إلى البنية التحتية لشبكات الجيل الخامس التي طورتها شركة هواوي التي أثارت جدلا إلى مشروع المراقبة «Sharp Eyes» الذي يطلب من مستخدمي الهاتف توفير بيانات شخصية دقيقة، منها بصمات الأصابع والسجلات الطبية. وفي نيسان / أبريل 2019، وافقت شركة هواوي على صفقة بقيمة مليار دولار مع أوزبكستان، شملت تركيب أكثر من 883 كاميرا تعد جزءا من نظام مراقبة حركة المرور. وفي ظل وباء كورونا، يخشى العديد من المحللين توسيع نطاق تكنولوجيا المراقبة التي تقدمها الصين وإعادة استخدامها لرصد سكان جمهوريات آسيا الوسطى بحجة الصحة والسلامة. إن الوضع الاجتماعي والاقتصادي المتردي، فضلا عن سياسة الصين القمعية، قد يؤدي إلى زعزعة استقرار المنطقة بشكل كبير. وفي العام الماضي، شهدت بعض دول آسيا الوسطى اضطرابات اجتماعية ناتجة عن مشاعر الكراهية تجاه الصين، وهي كلها وليدة مخاوفها من الوقوع في فخ الديون والتعدي على سيادتها، ومخاوفها من سياسات بكين القمعية تجاه المسلمين في مقاطعة شينجيانغ غرب الصين. كما أن التكلفة البشرية والاقتصادية التي قد تدفعها دول آسيا الوسطى نتيجة انتشار الوباء، إلى جانب الشواغل الأمنية، قد تؤدي إلى اضطرابات خطيرة في هذه المنطقة وإلى زعزعة الاستقرار فيها في الأجل القريب.