أوّل الكلام آخره:
- تحاول إيران حصد المكاسب التي حققتها من خلال التدخل في الحرب السورية.
- يعمل نظام الأسد على تسهيل خطة إيران لتطوير خط إمداد بري آمن إلى حزب الله اللبناني، حليف طهران الإقليمي الرئيس.
- حققت إيران نجاحا متفاوتا في الاستفادة من سوريا للتحايل على العقوبات الدولية أو لتحصيل مكاسب اقتصادية.
- يشعر البعض داخل نظام الأسد أو من المقربين منه بالقلق من فقدان استقلال سوريا وسيادتها خدمة للمصالح الإيرانية.
بينما يستعد الشعب الإيراني للتوجه إلى صناديق الاقتراع لانتخاب رئيس جديد في حزيران / يونيو 2021، يسعى المتشددون الإيرانيون إلى الترويج لفوائد الاستثمار المالي والعسكري القوي الإيراني في نظام الرئيس السوري بشار الأسد. وقد ذهب العديد من الإيرانيين إلى الشوارع في السنوات الأخيرة للاحتجاج على تحويل موارد إيران المحدودة نحو هذه المخاطرة وغيرها من المخاطرات الإقليمية. ومع ذلك، فبالنسبة إلى الإيرانيين الذين يدعمون استراتيجية النظام المتمثلة في تمكين الحكومات الإقليمية الموالية لإيران والفصائل المسلحة، يمكن للنظام أن يظهر أنه حقق مكاسب كبيرة وملموسة في سوريا. ويعد الأسد أقرب زعيم عربي لإيران، وينسب للقادة الإيرانيين الفضل الكبير في إنقاذ نظامه الذي كان على حافة الانهيار. وهنا تكمن أهمية الاعتراف بالدور الإيراني في إقناع روسيا بالتدخل دعما للأسد، وذلك ما أثبت أنه كان أكثر حسما لبقاء الأسد. ومع احتواء خطر المعارضة الشعبية في سوريا، تسعى إيران اليوم إلى حصد مكاسبها والحصول على بعض العائد الاقتصادي على ما دفعته في السنوات السابقة.
ولم يكن تدخل إيران في سوريا للحفاظ على حليفها العربي الوحيد في السلطة فحسب، ولكن لحماية حليفها الإقليمي الرئيس حزب الله اللبناني أيضا. وبعد أن حققت إيران كلا الهدفين إلى حد كبير، سعت إلى استخدام الأراضي السورية لفتح ممر بري آمن لإعادة تزويد حزب الله بالصواريخ الباليستية قصيرة المدى والطائرات المسيّرة وغيرها من الأسلحة. وقد أعرب الأسد عن امتنانه للمساعدة الإيرانية في هزيمة التمرد إلى حد كبير من خلال السماح لإيران بإنشاء بنية تحتية عسكرية وسلسلة لإمداد حزب الله في سوريا. ونتيجة تخوف إسرائيل من استخدام إيران للأراضي السورية لهذه الأغراض، فقد شنت غارة في كانون الثاني / يناير 2021 شرق سوريا، بالقرب من الحدود العراقية، لتدمير مستودعات يزعم أنها كانت مليئة بالأسلحة الموجهة إلى حزب الله. وقد كانت أغلب الضربات الإسرائيلية السابقة في سوريا تتركز في غرب سوريا، حيث المنطقة الأكثر اكتظاظا بالسكان. وقد تعاون الأسد مع خطة إيران لتحويل التوازن الديموغرافي في معظم غرب سوريا، إذ جعل الأراضي التي يسيطر عليها حزب الله اللبناني موطنا للسوريين المؤيدين للنظام ولإيران ولحزب الله. ومع إضفاء الطابع المؤسسي على التغيير الديموغرافي من خلال الاستفادة من التهجير القسري، أعاد النظام توطين الشيعة في هذه المناطق التي فرت منها العائلات السنية خلال الحرب الأهلية.
وتطلعا إلى تحقيق المزيد من المكاسب الاستراتيجية، أعرب القادة الإيرانيون، بمن فيهم رئيس أركان القوات المسلحة محمد باقري، عن اهتمامه بالحصول على حق الوصول الدائم إلى المنشآت البحرية السورية. والهدف من ذلك هو بسط النفوذ في البحر الأبيض المتوسط، على غرار ما تفعل روسيا من خلال ميناء طرطوس السوري. وبلا أدنى شك، سيؤدي الحضور البحري الإيراني المتمركز في سوريا إلى هجمات إسرائيلية مضادة، على أن إيران لم تمنح حق الوصول حتى اليوم. وتوصل بعض الخبراء إلى أن الأسد قد يسمح لإيران باستخدام الأراضي السورية لتطوير مرافق تتعلق ببرنامج إيران النووي أو البرامج التي يزعم خصومها أنها معدّة لتطوير أسلحتها الكيميائية والبيولوجية. ومن الجدير ذكره أن وضع بعض هذه البرامج «خارجا» في الأراضي السورية من شأنه أن يعفيها من تدقيق المفتشين الدوليين.
ومن الواضح أن إيران لم تحقق نجاحا ملحوظا في أهداف أخرى لتدخلها في سوريا، كالتحايل على العقوبات الدولية واستخراج الفوائد الاقتصادية من سوريا. فهي لا تزال لاعبا ثانويا في الاقتصاد السوري، على الرغم من تزويد نظام الأسد بائتمانات بقيمة 4.6 مليار دولار منذ عام 2012، وفقا لوزارة الخارجية الأمريكية، وتوظيفها في شحنات النفط، والاستثمارات في قطاع الزراعة والإسكان والتعدين وتوليد الطاقة والاتصالات في سوريا. وتستورد سوريا بضائع تحمل مواصفات عالمية من موردين آخرين دون أن تعتمد على الصادرات الإيرانية. كما أن العديد من المشاريع الاقتصادية المشتركة المتفق عليها بين الحكومتين لم تؤت ثمارها على ما ينبغي. كما لم تتحقق آمال إيران في أن تكون سوريا قناة للمعاملات المصرفية وغيرها من المعاملات المالية التي تخضع للعقوبات الأمريكية، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى أن سوريا نفسها تعرضت لعقوبات صارمة من الولايات المتحدة وغيرها من الدول. وبالمثل، فرضت إدارة ترامب عقوبات على المنفذ السوري، أي النظام المصرفي اللبناني، الذي عانى بشكل كبير من التدهور الاقتصادي العام في لبنان على مدى السنوات القليلة الماضية.
وما دامت المعارضة المسلحة لا تزال تسيطر على بعض المناطق في سوريا فإن نظام الأسد سيتعاون تعاونا كاملا مع طهران. وعلى النقيض من روسيا، تعارض إيران بشدة أي تسوية تفاوضية من شأنها أن تضعف سلطة الأسد. ومع ذلك، ومع تراجع الاهتمام الدولي بالصراع السوري، ستسعى الجهات الفاعلة داخل نظام الأسد إلى إعادة تأكيد السيادة والحد من نفوذ طهران داخل سوريا. وقد تندلع التوترات بين طهران ودمشق، ولكن من غير المرجح أن تنهار الرابطة الوثيقة بين النظامين التي تشكلت خلال الحرب الأهلية السورية في المستقبل المنظور. وفي الوقت الذي تتولى فيه إدارة بايدن وهاريس الجديدة رئاسة الحكومة وتحدد طرق تعاملها مع إيران، فإن علاقتها مع سوريا والاحتمال المستمر لعودة تنظيم داعش، ستكون أيضا من العناصر المهمة.