أوّل الكلام آخره:
- الغزو الروسي لأوكرانيا قد يؤدي إلى نكسة في التقدم الذي أحرزته روسيا في السنوات الأخيرة في توسيع نفوذها في منطقة الشرق الأوسط.
- قد تؤدي معركة طويلة في أوكرانيا إلى تقليص روسيا لتدخلها العسكري في سوريا.
- من شأن تقليص الوجود العسكري الروسي في سوريا أن يمكّن إيران من بسط نفوذها على حكومة الأسد في دمشق.
- قد تقطع بعض دول الشرق الأوسط العلاقات مع روسيا في نهاية المطاف بسبب عدوانها على أوكرانيا، على الرغم من أن القليل منها أدان العدوان الروسي بعبارات غير ملتبسة في هذه المرحلة.
لقد حول غزو أوكرانيا روسيا إلى دولة منبوذة عالميًا، ومن المرجح أن يشكل نكسة للتقدم الذي أحرزته روسيا في السنوات الأخيرة لزيادة نفوذها في منطقة الشرق الأوسط. وقد كان توسع روسيا الإقليمي نتيجة مباشرة وغير مباشرة لتدخلها العسكري لصالح نظام الرئيس بشار الأسد في سوريا. وكان التمرد الشعبي الذي اندلع ضد نظام الأسد في شباط (فبراير) 2011 قد تحول إلى تمرد مسلح على مستوى البلاد كاد يهزم النظام في 2012-2013. ثم ما لبثت أن تدخلت إيران وحلفاء إيرانيون مثل حزب الله اللبناني مع القوات البرية في عام 2013 للمساعدة في استقرار الوضع العسكري للأسد، ولكن تدخل روسيا في أيلول (سبتمبر) 2015 بالقوة الجوية كان العامل الحاسم لصالح الأسد. وكانت أهداف روسيا في التدخل في المقام الأول حماية حليفها القديم في دمشق ومنع تنظيم داعش والقاعدة والجماعات الإرهابية الأخرى من العمل بحرية انطلاقا من الأراضي السورية. وتألف التدخل الروسي من حوالي 3000 – 5000 عسكري متمركزين في منشأتين رئيسيتين – منشأة بحرية في طرطوس على ساحل البحر الأبيض المتوسط، عملت روسيا منها لعقود عديدة، وقاعدة باسل الأسد الجوية (التي يشير إليها الروس باسم قاعدة حميميم) في محافظة اللاذقية. وأدت الشراكة الإيرانية الروسية نيابة عن الأسد إلى تقارب البلدين من الناحية الاستراتيجية، حيث يسعى كلاهما لتقويض المصالح الأمريكية ودحر النفوذ الأمريكي في جميع أنحاء المنطقة ما أمكن ذلك. ومع ذلك، تخشى روسيا من إيران قوية استراتيجيًا، وتواصل التعاون مع الدبلوماسيين الأمريكيين في المحادثات الجارية في فيينا لاستعادة الامتثال الكامل للاتفاق النووي الإيراني المتعدد الأطراف الذي عقد عام 2015. على أنه يكاد يكون من العبث اليوم الحديث عن جهود لمنع انتشار أسلحة الدمار الشامل في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا، كما أن مذكرة بودابست فشلت في تقديم أي ضمانات طويلة الأجل.
يمكن للهجوم العسكري الروسي على أوكرانيا أن يغير مسار طبيعة ساحات القتال في سوريا. فعلى مدى السنوات الأربع الماضية على الأقل، كان معارضو الأسد محصورين إلى حد كبير في محافظة إدلب، في شمال سوريا، وغير قادرين على تهديد قبضة الأسد على دمشق المكتظة بالسكان ولا على العمود الفقري الغربي للبلاد. ولكن إذا تطور الغزو الروسي لأوكرانيا إلى حملة طويلة الأمد لمكافحة التمرد هناك أو توسع إلى حرب أوسع في أوروبا الشرقية، فمن المتوقع عندها أن يعيد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نشر قواته العسكرية الروسية، ساحبا إياها من سوريا إلى أوكرانيا.
ولن تتمكن القوات السورية وحدها، وهي المنهكة من سنوات الحرب، من منع المعارضة من التقدم على الأراضي التي يسيطر عليها النظام إذا خرجت القوات الجوية الروسية من ساحة المعركة. ولذلك فإن العبء الأكبر من المهمة العسكرية في سوريا سيقع حتمًا على عاتق إيران وشركائها، وسيزداد نفوذ إيران على نظام الأسد وفقًا لذلك. ومع ذلك، فإن مصالح طهران في سوريا تتعارض أحيانًا مع مصالح نظام الأسد، الذي يخشى الانجرار إلى صراع مباشر مع إسرائيل أو الولايات المتحدة. وقد نظمت إيران بالفعل وحدات ميليشيات سورية موالية لها على نحو مباشر. وتعمل إيران أيضًا على توسيع مرافق الإنتاج العسكري وممرات توريد الأسلحة إلى حزب الله – وكلها اجتذبت ضربات جوية إسرائيلية منتظمة. ومن المحتمل أيضًا أن يؤدي تقليص الدور العسكري الروسي في سوريا إلى تمكين خلايا تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في سوريا، وكذلك في العراق، من توسيع عملياتها ومحاولة استعادة الأراضي التي فقدتها في عمليات الولايات المتحدة وحلفائها منذ عام 2014. ولا شك أن إيران وحزب الله هما في مواجهة تنظيم داعش، لكن محاربة داعش والمنظمات الإرهابية الأخرى داخل سوريا لم تكن دوما على نفس الدرجة من الأهمية بالنسبة لطهران كما كانت بالنسبة لدمشق. ومن المحتمل أيضًا أن تسعى تركيا، القوة الإقليمية، إلى الاستفادة من الانسحاب الروسي في سوريا من خلال دعم الهجمات المتجددة التي يمكن أن تشنها قوات المعارضة.
وفي أماكن أخرى من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، أرسلت روسيا قوات متعاقدة إلى ليبيا لمساعدة رجل شرق ليبيا القوي خليفة حفتر في جهوده، التي لم تنجح حتى الآن، لتوطيد سيطرته على ليبيا ما بعد القذافي. كما دعمت روسيا والقوى الخارجية الأخرى في ليبيا مؤخرًا عملية تقودها الأمم المتحدة لتعزيز المصالحة من خلال الانتخابات، ولكن النزاعات المستمرة لا تهدد الانتخابات المزمعة فحسب، بل تهدد وقف إطلاق النار الهش الذي تُوصّل إليه في أواخر عام 2020. وقد يؤدي تركيز روسيا على أوكرانيا إلى بقائها خارج أي نزاع مسلح متجدد في ليبيا. وفي الخليج العربي، سعت روسيا إلى تسويق منظوماتها التسليحية، مثل نظام الدفاع الصاروخي S-400، في محاولة لبناء علاقات أمنية مع دول الخليج. ومما يشير إلى بعض النجاح في هذه الجهود، امتنعت الإمارات العربية المتحدة عن التصويت في 25 شباط (فبراير) على قرار لمجلس الأمن كان من شأنه إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا. كما أشار مراقبو المجلس إلى أن الإمارات لا تزال حريصة على اقتراح عقوبات ضد الحوثيين في اليمن، وسيتطلب ذلك دعمًا روسيًا، فضلًا عن أمور أخرى ترغب في تحقيقها خلال فترة عضويتها في المجلس حتى نهاية عام 2023. ولكن دول الخليج، فضلا عن دول عربية أخرى مثل مصر والأردن، هي حلفاء للولايات المتحدة وستتعرض الآن لضغوط كبيرة من المسؤولين الأمريكيين لوقف أي مناقشات متعلقة بالأمن مع موسكو والالتزام بجميع العقوبات التي تقودها الولايات المتحدة. كما أن نبذ روسيا عالميا سيجعل قادة الخليج يفكرون مرتين في الاستماع للنداءات الروسية للمساعدة في إعادة بناء سوريا. من ناحية أخرى، قد يؤدي غزو روسي سريع لأوكرانيا إلى تعزيز دور روسيا في الشرق الأوسط وتعزيز دورها بوصفها جهة فاعلة أمنية استراتيجية، حتى مع معارضة لبنان والكويت الغزو علنًا. ومع ذلك، فبين الدول غير المنحازة تقليديًا في جميع أنحاء العالم، يظهر بعض التردد في الانخراط في صراع القوى العظمى والمخاطرة بعدم التوازن بين العلاقات الأمنية والدبلوماسية التي جرى رسمها بعناية. والجدير بالذكر أن الهند، وهي أيضًا عضو في مجلس الأمن، انضمت إلى الإمارات والصين في الامتناع عن التصويت على قرارات مجلس الأمن بشأن أوكرانيا، نظرًا لعلاقاتها الدفاعية والدبلوماسية الطويلة الأمد مع موسكو. ولكن فشل هجوم موسكو حتى الآن في إخضاع كييف، والجهود العالمية لعزل الرئيس بوتين، قد دفعت مجموعة واسعة من الخبراء والمسؤولين إلى استنتاج مفاده أن نفوذ روسيا في الشرق الأوسط سوف يتقلص بدلًا من التوسع خلال السنوات المقبلة، ولا سيما إذا فشلت روسيا في تأمين أي من أهدافها الاستراتيجية وأصبحت معزولة بشكل متزايد على الصعيد العالمي.