أوّل الكلام آخره:
- سيكون اقتحام مبنى الكابيتول الأمريكي الذي حصل أوائل كانون الثاني / يناير بمثابة مصدر إلهام للجماعات المتطرفة العنيفة اليمينية في الخارج، بما في ذلك في أوروبا وآسيا.
- قد يكون عام 2021 عاما بارزا لتوطيد العلاقات بين الجماعات المتطرفة العنيفة اليمينية على مستوى العالم، خاصة إذا رفعت القيود المفروضة نتيجة الوباء وسمح بالسفر من جديد.
- بين جماعات اليمين المتطرف وجماعات العنصريين البيض في الولايات المتحدة وأوروبا فروق مهمة، لكن توطيد العلاقات قد يغير من الديناميات.
- يمكن أن يؤدي تمرد الكابيتول إلى انشقاقات في جماعات اليمين المتطرف، إذ سيزداد الضغط على القادة السياسيين في الخارج للتنديد علنا بالعنف.
يتفق معظم الخبراء على أن اقتحام مبنى الكابيتول الأمريكي في أوائل كانون الثاني / يناير 2021 سيكون بمثابة مصدر إلهام للجماعات المتطرفة في الولايات المتحدة. ولكن كيف نظرت الجماعات المتطرفة اليمينية في الخارج إلى ذلك الحدث، بما في ذلك الجماعات الأوروبية؟ تابع قادة الجماعات المتطرفة اليمينية الأوروبيون تمرد الكابيتول عن كثب، واستنادا إلى حجم الحملات الدعائية المتداولة عبر الإنترنت، فهم حاولوا توظيف الزخم الذي صاحب ما حدث في واشنطن لحملات الاستقطاب والتجنيد وجمع التبرعات لحركاتهم الخاصة. وفي أواخر آب / أغسطس 2020، حاول مئات النشطاء من الجماعات المتطرفة اليمينية في برلين، لتجاوز الشرطة واقتحام الرايخستاغ (البرلمان الألماني). ورغم أن المهمة باءت بالفشل، فقد شكل الاقتحام الناجح لمبنى الكابيتول في الولايات المتحدة حافزا قويا لمجموعة من الجماعات اليمينية المتطرفة في أوروبا إذ عدوا ما حصل محاولة أولى ناجحة سيبنون عليها في المستقبل. وقد أخذ تنظيم كيو بالاتساع أكثر في أوروبا (بما في ذلك ألمانيا) مما قد يزيد من موجة التجنيد في صفوف الجماعات المتطرفة اليمينية، ويفاقم تعقيد التحدي الذي يواجه الأجهزة والسلطات الأمنية. وقد قام تنظيم كيو في ألمانيا بتعميم معلومات مضللة حول تزوير الانتخابات في الولايات المتحدة، والتي ضخمها حزب »البديل من أجل ألمانيا« على الانترنت، وهو حزب محلي سياسي يميني متطرف.
وعلى الصعيد العالمي، تعبر الجماعات اليمينية المتطرفة عن تضامنها مع المتمردين الأمريكيين وتسعى لنقل المركز الأيديولوجي والتشغيلي اليميني المتطرف من أوروبا إلى الولايات المتحدة. وقد يكون عام 2021 العام الحاسم لتنامي العلاقات بين الجماعات المتطرفة اليمينية على مستوى العالم، بما في ذلك جماعات العنصريين البيض والنازيين الجدد الممتدة من أمريكا الشمالية إلى أوروبا، ومن جنوب إفريقيا إلى آسيا والمحيط الهادئ. ومؤخرا حصل حادث شكل صدمة للكثيرين، فقد احتجز صبي يبلغ من العمر 16 عاما في سنغافورة بموجب قانون الأمن الداخلي للبلاد بسبب مزاعم بأنه كان يخطط لهجمات إرهابية ضد المسلمين في مسجدين منفصلين. ويبدو أن المراهق، وهو مسيحي من أصل هندي، قد ألهمه هجوم كرايستشيرش في آذار / مارس 2019 في نيوزيلندا للقيام بذلك. وفي حال تسهيل القيود المفروضة نتيجة كورونا بحلول وقت لاحق من هذا العام، كما تتوقع العديد من سلطات الصحة العامة مع زيادة توزيع اللقاحات الفعالة، سيسعى المتطرفون اليمينيون إلى الاستفادة من قرار السماح بالسفر إلى الخارج للتواصل الشخصي وتعزيز الروابط. وستوفر التجمعات العامة فرصا للمتطرفين للاختلاط والتواصل، واللقاء الشخصي، وحضور الحفلات الموسيقية، والمسيرات، والأحداث الرياضية التي يمكنهم من خلالها تعزيز العلاقات وتبادل الأفكار ومن دون شك جمع التبرعات.
ولا تزال التباينات المهمة قائمة بين جماعات اليمين المتطرف في الولايات المتحدة وتلك في أوروبا، على الرغم من التعاون الكبير بينها. وتحدث مارتن سيلنر، الشخصية الرائدة في حركة جيل الهوية في أوروبا والمتزوج من بريتاني بيتيبون، وهي من الشخصيات القومية البيضاء البارزة، علنا عن أحداث 6 كانون الثاني / يناير في مبنى الكابيتول. وأشار إلى أن الأوروبيين سيسعون إلى تسخير الزخم الناتج عن التمرد. ولقد حاولت جماعة «براود بويز»، إحدى الجماعات المحرضة الرئيسة في التمرد، التعبير عن تضامنها مع مجموعات اليمين المتطرف الأخرى العاملة في الخارج، بما في ذلك في ألمانيا والمملكة المتحدة وبولندا وفرنسا وتركيا. والجدير بالذكر أن ماثيو هيمباخ، وهو قومي أبيض أسس حزب العمال التقليدي وساعد في تجمع توحيد اليمين في شارلوتسفيل في فرجينيا عام 2017، من المؤيدين الرئيسين لإقامة علاقات أوثق بين جماعات اليمين المتطرف الأمريكية والأوروبية. وقد أمضى هيمباخ، الذي يدعي اليوم أنه تخلى عن القومية البيضاء، سنوات في التواصل مع مجموعات في جمهورية التشيك وألمانيا واليونان وكان مرتبطا بالحركة الإمبراطورية الروسية، وهي منظمة أدرجتها وزارة الخارجية الأمريكية على لائحة الإرهاب العالمي عام 2020.
وكان السياسيون اليمينيون المتطرفون في أوروبا، بما في ذلك ماتيو سالفيني (زعيم رابطة ليغا نورد) وجورجيا ميلوني (رئيسة حزب الأخوة الإيطالية) ومارين لوبان (رئيسة حزب التجمع الوطني الفرنسي) من داعمي الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب حتى عندما استمر في تقديم ادعاءات لا أساس لها حول تزوير الانتخابات. ومع ذلك، فقد حاولوا أن ينأوا بخطابهم عن العنف الذي أعقب ذلك. ومن بعض النواحي، قد يكون العرض المفتوح للعنف في مبنى الكابيتول وحقيقة أن عددا من الأشخاص قد قتلوا في الفوضى التي تلت ذلك دعوة لاستيقاظ السياسيين اليمينيين المتطرفين في أوروبا، فهو تذكير صارخ بعواقب تأجيج الغضب الوطني. وقد يكون هذا هو المفتاح لجيل متحرر بعض الشيء من إرثه الأوروبي. ونتيجة لذلك، يمكن لبعض السياسيين اليمينيين المتطرفين في أوروبا أن يتطلعوا إلى تعزيز المكاسب والبناء عليها من خلال جذب الأفراد والجماعات المنتمية إلى أقصى اليمين المتطرف نحو الاتجاهات السياسية السائدة. وبهذا المعنى، فقد يؤدي تمرد الكابيتول إلى انشقاقات في جماعات اليمين المتطرف الأوروبية مع تزايد التباينات بين الحركات البرلمانية اليمينية وحركات الشوارع. ومع ذلك، فإن مجرد فكرة وجود حركة يمينية متطرفة ضمن المؤسسات السياسية الشرعية ستكون في حد ذاتها مدمرة على المدى الطويل، لأنه يفتح الفرص لإضفاء الطابع المؤسسي الشرعي على أيديولوجية الحركة. وإذا حدث هذا التباين وتحفز المتشددون لارتكاب أعمال العنف، فإن الجماعات الأكثر تطرفا في اليمين المتطرف الأوروبي ستكون المستفيد الآخر، ولا سيما الجماعات المتطرفة من العنصريين البيض والنازيين الجدد، وهي الشبكات التي ستحاول استيعاب العناصر الأكثر تشددا من اليمين المتطرف في حالة تدفقهم بكثرة.