أوّل الكلام آخره:
- تبدو ليبيا على شفا تجدد الصراع الأهلي، حيث فشلت الفصائل المتناحرة في شرق ليبيا وغربها في المصالحة.
- لم يتوصل الفرقاء إلى اتفاق بشأن الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي أعيدت جدولتها، والتي تعدّها الأمم المتحدة مفتاح المصالحة السياسية.
- كما تسبب الاقتتال الداخلي في انقطاع مؤقت لصادرات النفط الليبية، إذ سعت الفصائل المتناحرة للسيطرة على بعض الحقول والمنشآت النفطية.
- وقد أدى انقطاع إنتاج النفط الليبي إلى جعل البلاد غير قادرة على المساعدة في استعادة التوازن في سوق النفط العالمية التي هزها الغزو الروسي لأوكرانيا.
اعتبارًا من أواخر نيسان (أبريل)، يبدو أن خارطة طريق عام 2020 التي أشرفت عليها الأمم المتحدة لإنهاء عقد من الصراع بين الفصائل المتمركزة في شرق ليبيا وغربها كادت أن توضع على الرف. فتعثر العملية السياسية قلل من احتمالات تحقيق الاستقرار في ليبيا، بعد أكثر من عشر سنوات على الإطاحة بمعمر القذافي عام 2011. وقد تمحورت خطة الأمم المتحدة على إجراء انتخابات رئاسية في 24 كانون الأول (ديسمبر) 2021؛ ولكن الانتخابات تأجلت بسبب الخلافات بين الفصائل الرئيسية حول الإجراءات المتعلقة بالانتخابات. وتصاعد الخلاف في شباط (فبراير) عندما أكد برلمان شرق ليبيا أن ولاية رئيس الوزراء عبد الحميد دبيبة، ومقره طرابلس، قد انتهت في 24 كانون الأول (ديسمبر)، أي في الموعد الذي كان مقررا لإجراء الانتخابات. وفي آذار (مارس)، عيّن مجلس النواب فتحي باشاغا رئيسا جديدا لوزراء جديدا، وشكل حكومة جديدة، وأقر خطة لإجراء انتخابات وطنية بحلول أيار (مايو) 2023. ولكن الدبيبة لم يعترف بالحكومة الجديدة وتعهد بالبقاء في منصبه حتى إجراء الانتخابات الوطنية. وحشد الدبيبة أنصاره المسلحين، ورفض السماح لباشاغا بدخول طرابلس لتولي منصبه. واقترح دبيبة موعدا للانتخابات قبل انتهاء حزيران (يونيو) 2022 موعد انتهاء مفاعيل اتفاق المصالحة المدعوم من الأمم المتحدة بين الفصائل الشرقية والغربية. على أن الموعد المقترح هذا يخدم فصيله السياسي، وذلك لأن قادة شرق ليبيا يحتاجون إلى المزيد من الوقت لبناء قاعدة الدعم التي يحتاجونها بين الجماعات القبلية والفصائل الأخرى في غرب ليبيا.
ومع اشتداد الانقسامات بين قادة شرق ليبيا وغربها، يتصاعد احتمال عودة النزاع المسلح كل يوم. وفي وقت سابق من هذا الشهر، سحب خليفة حفتر، قائد الجيش الوطني الليبي والزعيم السياسي الرئيسي في شرق ليبيا، ممثليه من اللجنة العسكرية المشتركة التي شُكّلت لإنهاء الصراع بين الحركات العسكرية المتنافسة. وكانت اللجنة تضم خمسة أعضاء من حكومة الوحدة الوطنية برئاسة دبيبة والتي تتخذ من طرابلس مقرا لها وخمسة ممثلين عن قوات حفتر. واتهم بعض النشطاء في ليبيا حفتر بإصدار أوامر متزامنة بإغلاق الطريق الساحلي الذي يربط بين شرق ليبيا وغربها، ولكن ذلك لم يثبت حتى الآن. ومن شبه المؤكد أن العودة إلى القتال بين الفصائل المتصارعة ستعيق جهود توفير الإغاثة للشعب الليبي الذي يعيش في أجزاء النزاع المسلح منذ الإطاحة بالقذافي. وتقدر الأمم المتحدة أن ما لا يقل عن 800000 ليبي – أي أكثر من 10 % من السكان – يحتاجون إلى مساعدات إنسانية. وفي حالة انهيار وقف إطلاق النار، ستزداد التوترات أيضًا بين مختلف الداعمين الخارجيين للجماعات الليبية المتنافسة؛ ومن المعلوم أن حفتر وحلفاءه في شرق ليبيا يحظون بدعم روسيا ومصر والإمارات العربية المتحدة، في حين أن القادة الليبيين المتمركزين في طرابلس مدعومون بشكل أساسي من تركيا، كما أن التقارير تفيد أن قطر التي ساعدت المتمردين ضد القذافي تقدم اليوم بعض المساعدة المالية للجهود التركية. على أن روسيا مؤخرا قد تكون أعادت نشر مجموعة مرتزقة فاغنر من ليبيا إلى أوكرانيا (أو بصدد أن تفعل ذلك) من أجل تعزيز قواتها المتعثرة هناك، مما قد يقلل من قدرات حفتر القتالية.
ويراقب المسؤولون الأمريكيون ليبيا عن كثب، ولا يعود ذلك إلى الآثار الإنسانية للصراع وتأثيراته المحتملة على دول شمال إفريقيا الأخرى وعلى تدفق اللاجئين إلى أوروبا فحسب، بل إلى احتمال أن يزيد الصراع في ليبيا من اضطراب أسواق الطاقة العالمية. وقد ارتفعت أسعار النفط بشكل ملحوظ منذ الغزو الروسي لأوكرانيا، فقد أدت العقوبات الأمريكية والأوروبية إلى خفض صادرات النفط الروسية. وقد فشل المسؤولون الأمريكيون في إقناع مختلف منتجي النفط، وخاصة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، بزيادة الإنتاج في سبيل استقرار أسعار النفط. كما ساهمت الديناميكيات في ليبيا في ارتفاع أسعار النفط، إذ تسعى الفصائل المتنافسة للسيطرة على حقول النفط ومشآته. وفي آذار (مارس)، انخفضت صادرات النفط الليبية إلى أقل من مليون برميل يوميًا، نزولا عن خط الأساس المعتاد البالغ 1.2 مليون برميل يوميًا. ويعزى الانخفاض إلى توغلات الجماعات القبلية المسلحة الموالية لحفتر والتي أغلقت حقلي الفيل والشرارة النفطيين. وينتج الحقل الأخير، وهو الأكبر في البلاد، 450 ألف برميل يوميًا. وقد أعيد فتح الحقلين بعد عدة أيام، بعد مفاوضات قادها زعماء القبائل.
وفي منتصف نيسان (أبريل)، قالت شركة النفط الوطنية الليبية إنها اضطرت إلى إغلاق حقل الشرارة مرة أخرى بسبب الأعمال المسلحة التي تقوم بها الجماعات القبلية احتجاجًا على رفض دبيبة التنازل عن السلطة. وأعلنت الشركة أن ذلك جاء نتيجة «قوة قاهرة» خارجة عن إرادتها – وهي خطوة قانونية تسمح لها بالتحرر من التزامات التوريد التعاقدية. وفي 23 نيسان (أبريل)، أكد مسؤولون ليبيون أن مصفاة نفط في الزاوية غربي ليبيا تضررت جراء الاشتباكات بين الجماعات المسلحة هناك. كما أن الاقتتال الداخلي يعطل الجهود اللازمة لتمكين ليبيا من زيادة صادرات الغاز الطبيعي، والذي ارتفع سعره بشكل مماثل نتيجة لغزو أوكرانيا. ومن المحتمل أن تكون ليبيا قادرة على إمداد أوروبا بالمزيد من الغاز الطبيعي، نظرًا لإنتاج ليبيا القوي للغاز وقربها من القارة، وهذا قد يعوّض شيئا من الغاز الروسي الذي يشكل حاليا حوالي 40 % من إمدادات أوروبا. ولكن زيادة صادرات الغاز الطبيعي يتطلب استثمارات لا تستطيع ليبيا جذبها في ظل احتمال تجدد الصراع الأهلي. وفضلا عن التأثير العالمي على أسواق الطاقة، فإن الحل السياسي هو أولًا وقبل كل شيء مطلب الشعب الليبي، بعد أكثر من عقد من الفوضى. ويواصل الوسطاء التابعون للأمم المتحدة والولايات المتحدة وأوروبا والعرب محاولة العمل مع جميع القادة الليبيين لضمان حل يحقق المصالح المشتركة.