أوّل الكلام آخره:
- شهد عام 2022 انحسار رقعة الحرب المستمرة منذ تسع سنواتٍ بين حكومة الجمهورية اليمنية المعترف بها دوليًا والمدعومة من المملكة العربية السعودية و دولة الإمارات المتحدة وحركة الحوثي المدعومة من إيران، ولكن من المرجح أن يظل الحل الدائم بعيد المنال في عام 2023.
- فشل مساران تفاوضيان – أحدهما بقيادة وسطاء من الأمم المتحدة والآخر بين السعودية والحوثيين برعاية سلطنة عُمان – في تحقيق اختراقات ذات مغزى.
- تواصل إيران تسليح حلفائها الحوثيين بالصواريخ والطائرات المسيّرة والأسلحة الصغيرة، تحسبا لعودة اشتداد النزاع المسلح.
- تسعى المملكة العربية السعودية وحليفتها الرئيسية، الإمارات العربية المتحدة، إلى إنهاء الصراع وسط توترات مع واشنطن بشأن تكتيكاتهما في اليمن وانتهاكاتهما لحقوق الإنسان وسياساتهما في مجال الطاقة.
يقترب الصراع في اليمن من عامه التاسع منذ أن خرجت حركة الحوثي المدعومة من إيران، في أعقاب انتفاضة الربيع العربي عام 2011 التي أطاحت بالرئيس اليمني علي عبد الله صالح، من معاقلها الشمالية للسيطرة على العاصمة صنعاء. يومها فرت الحكومة المنتخبة إلى المنفى في المملكة العربية السعودية، ولكنها ظلت مسيطرة على أجزاء كبيرة من جنوب اليمن شنت منها هجمات مضادة متتالية ضد قوات الحوثيين التي رأت السعودية والإمارات فيها تعزيزا لنفوذ إيران الإقليمي. وما لبث البلدان أن تدخلا عسكريًا في مارس 2015، سعيا لتمكين الحكومة اليمنية من استعادة السيطرة على مناطق الشمال. ولكن الحوثيين تصدّوا لهذا التدخل مسلحين بالصواريخ والطائرات المسيّرة التي قدمتها طهران، وواجهوا الحكومة اليمنية وداعميها الخليجيين بعتادهم وطائراتهم وذخائرهم ودروعهم الأمريكية الصنع. على أن الطرفين بحلول عام 2022 ظلّا بعيدين عن تحقيق أهدافهما الرئيسية وتمكن وسطاء الأمم المتحدة أخيرًا من التوسط في وقف إطلاق النار على مستوى البلاد والذي دخل حيّز التنفيذ في 2 أبريل 2022.
وفّر وقف إطلاق النار لدولتي التحالف الخليجي فترة راحة من الهجمات الصاروخية والطائرات المسيرة التي استهدف بها الحوثيون أهدافا في المملكة بالأساس (وفي الإمارات على نحو ثانوي). وتمكن الحوثيون – واليمنيون القانون في المناطق الخاضعة لسيطرتهم – من تخفيف الحصار الذي تفرضه دول الخليج على شحنات الوقود والإمدادات الأخرى إلى ميناء الحديدة الذي يسيطر عليه الحوثيون، فضلا عن الحصار على مطار صنعاء الذي يؤمن حركة نقل محدودة للركاب من اليمن وإليها. ولكن وقف إطلاق النار الرسمي لم يمدد في أكتوبر 2022 بسبب مطالب الحوثيين برفع الحصار كليًا، والإصرار على استخدام عائدات الحكومة اليمنية – التي تأتي أساسًا من مبيعات النفط – لدفع رواتب جميع الإداريين المدنيين في اليمن، بما في ذلك أولئك الواقعين في مناطق سيطرة الحوثيين. ومع ذلك، ظل منسوب القتال أقل بكثير مما كان عليه قبل وقف إطلاق النار. ولكن الحوثيين ما لبثوا في أواخر عام 2022 أن شنوا هجمات صاروخية على منشآت الطاقة اليمنية لحرمان الحكومة اليمنية من عائدات تصدير النفط. واعتبارًا من أوائل عام 2023، يعمل وسطاء الأمم المتحدة على استعادة وقف إطلاق النار وتقييم احتمالات التوصل إلى تسوية دائمة للصراع. وفضلا عن ذلك، استأنفت سلطنة عمان مسارا دبلوماسيا منفصلا يرى العديد من الخبراء أنه قد يكون محوريًا لإحلال السلام في اليمن – عبر محادثات مباشرة بين الحوثيين وممثلي الحكومة السعودية والإماراتية. فشل كلا المسارين الدبلوماسيين في تحقيق نتائج، ويرجع ذلك جزئيًا إلى استمرار فرض السعوديين والإماراتيين حظرا على تقديم أي دعم مالي قد يصل إلى الحوثيين أو مؤيديهم. ومع ذلك، تواصل الأطراف مناقشاتها في يناير 2023.
تبدو احتمالات إنهاء الصراع اليمني في عام 2023 غير مؤكدة. ويشير الوسطاء التابعون للأمم المتحدة والعمانيون والولايات المتحدة وغيرهم ممن يتبنون نظرة متفائلة إلى عدة عوامل تدعم حل النزاع، على الرغم من مطالب الطرفين المستعصية. وتؤكد منظمات الإغاثة العالمية أن التوصل إلى تسوية أمر ضروري بالنظر إلى المعاناة الحادة لسكان اليمن، الذين كانوا، حتى قبل الحرب الأخيرة، من أفقر الشعوب في المنطقة.
فبالنسبة للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، فإن التوصل إلى تسوية في اليمن من شأنه أن يحمي أراضيهما من الهجمات التي يشنها الحوثيون بالسلاح الإيراني ويخفف من التوترات القائمة مع الولايات المتحدة. فمنذ عام 2017 و نتيجةً لسقوط ضحايا مدنيين في العمليات الجوية لدول الخليج في اليمن، نجح أعضاء في الكونجرس الأمريكي في تقليص الدعم العسكري الأمريكي للجيشين السعودي والإماراتي ولا سيما في مجال التزود بالوقود الجوي. وفي الأشهرالأخيرة، تفاقمت التوترات بين الولايات المتحدة والسعودية بسبب الدعم السعودي لخفض إنتاج النفط العالمي. ومع انتهاء عام 2022، سعى الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن إلى إعادة تأكيد الشراكة الاستراتيجية طويلة الأمد بين الولايات المتحدة والسعودية من خلال توسيع التخطيط الدفاعي المشترك ضد إيران والعمل ضد جهود أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي لوقف مبيعات الأسلحة إلى الرياض والتعاون الاستخباراتي معها.
أما بالنسبة للحوثيين، فإن التسوية ستمنح الاعتراف والشرعية العالمية لحركتهم وتؤكد دورهم كقوةٍ رئيسية في اليمن. وعلاوة على ذلك، يدرك قادة الحوثيين أن إيران، داعمتهم الرئيسية، تتعرض لضغوط اقتصادية – وربما عسكرية – متزايدة من الولايات المتحدة وحلفائها بسبب سياساتها القمعية في مواجهة الإحتجاجات الداخلية ودعمها لروسيا ضد أوكرانيا. وفي أوائل يناير، صادرت البحرية الأمريكية شحنة إيرانية مكونة من 2000 بندقية من طراز AK-47 كانت متجهة إلى الحوثيين – وهو ثالث اعتراض أمريكي من نوعه خلال الشهرين الماضيين – مما يشير إلى نية الولايات المتحدة إحباط خط الإمداد هذا. إن الحد من تدفق الأسلحة من إيران سيحرم الحوثيين من مزايا أساسية في ساحة المعركة كانوا ما يزالون يتمتعون بها حتى الآن.
ومع ذلك، لا تزال العديد من العوامل والاعتبارات تحول دون التوصل إلى تسوية حتى الآن. لقد حدد الحوثيون – الذين أدركوا أن المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة تريدان الخروج من الصراع أكثر مما يريدون هم أو تريد إيران – ثمنًا للسلام النهائي يتجاوز ما ترغب السعودية والإمارات والحكومة اليمنية في دفعه. اذ يطالب الحوثيون بنصيب كبير من السلطة في الحكومة المعاد هيكلتها، والانسحاب الكامل والدائم لقوات التحالف العربي بقيادة السعودية من البلاد، والتوزيع العادل للعائدات من بيع اليمن للنفط. وقد يمثل قبول شروط الحوثيين هزيمة كبيرة لولي العهد الأمير محمد بن سلمان، مما قد يعقد يعرضه لانتقادات داخلية واسعة النطاق. فإن التسوية التي تمنح الحوثيين الكثيرمن مطالبهم من شأنها إضفاء الطابع المؤسسي على النفوذ الإيراني داخل اليمن، مما يمثل إخفاقًا واضحًا للأميرمحمد بن سلمان وشركائه الإماراتيين في تحقيق الهدف الأساسي لتدخلهم العسكري.
ومما يزيد من تعقيد التسوية الخلافات بين الشريكين الخليجيين، إذ تصر الإمارات العربية المتحدة على تهميش الفصائل الإسلامية المرتبطة بالإخوان المسلمين وإعتماد استراتجية يمنية ،خاصةً في مناطق الجنوب، تختلف في أسسها مع مصالح المملكة العربية السعودية.
وخلاصةً، فإن التقييم الشامل لمخرجات التسويات المطروحة حاليا يشير إلى أن الصراع في اليمن قد يستمر على ما هو عليه في عام 2023، دون أن يعني ذلك بالضرورة تجدد جولات القتال التي شهدتها الساحة اليمنية في السنوات الماضية.