أوّل الكلام آخره:
- بدأت المرحلة الأولى من المفاوضات التجارية بين الولايات المتحدة والصين في أواخر آب / أغسطس وسط تصاعد التوترات بين البلدين.
- تهدف المفاوضات التجارية بين الولايات المتحدة والصين إلى خفض التعرفات الجمركية وتعزيز التجارة الحرة بين العملاقين الجيوسياسيين.
- تبعث مسار المفوضات على التفاؤل، على الرغم من أن حدث إطلاق الصواريخ من البر الصيني إلى بحر الصين الجنوبي قد يعيقه.
- ولا شك أن الغموض الذي يكتنف الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة في تشرين الثاني / نوفمبر 2020 يؤثر بدوره في مسار المحادثات التجارية.
خلال الأسبوع الماضي، بدأت المحادثات التجارية بين الولايات المتحدة والصين في بكين بمنطق المحصلة الصفرية. وقد استهلت الصين المحادثات بوعدها باستيراد المزيد من المنتجات الزراعية الأمريكية، بما في ذلك لحم الخنزير وفول الصويا، أكبر صادرات أمريكا إلى الصين. وفي المقابل، وعد كبير مفاوضي واشنطن، روبرت لايتهايزر، بتخفيف القيود المحيطة بالسياسة الصناعية، وخفض التعرفات الجمركية على سلع بقيمة 120 مليار دولار من قطاع التصنيع والتكنولوجيا الصيني. ومن المتوقع أن تتحقق الفوائد الكاملة للصفقة على مدى عدة سنوات، مع توقع تخفيضات إضافية للرسوم الجمركية بقيمة 250 مليار دولار أمريكي على التكنولوجيا الصينية المستخدمة في التصنيع الأمريكي والمشتريات الصينية من الصادرات الأمريكية، وهذا بلا شك قد يكون باعثا على ارتياح كل من يأمل بتحسن العلاقات بين هذين البلدين.
وللاتفاق تداعيات هامة على الاقتصادات المحلية والإقليمية في الصين. ففي السابق، شكلت معدلات النمو هاجس الحكومات المحلية، مما أسهم في تحفيز الإصلاح والتنمية. ولكن البلاد أخذت مؤخرا تنحو ببطء بعيدا عن النموذج المعتمد على الصادرات، وبدأت بالتركيز على القيمة المضافة فاخذت الحكومات المحلية شيئا فشيئا تعتمد نهجا يشدد على النوعية أكثر من الكمية. ويقوم فريق القيادة الاقتصادي التابع لشي جين بينغ حاليا بصياغة خطة خمسية تبدأ عام 2021، وقد جرى وضع قضية الأهداف الكمية للإنتاج على طاولة البحث. فمن المسائل الأساسية التي يجري بحثها ما إذا كان على الصين التخلص من استراتيجية الأهداف الكمية للإنتاج والسعي نحو تغيير جذري يدفع الاقتصاد المخطط أكثر نحو السوق الحرة.
إن إطلاق الصين مؤخرا لصواريخ في بحر الصين الجنوبي كان استعراضا واضحا لعضلاتها العسكرية، وقد استهدف صاروخا «دي – إف 21» و«دي – إف 26» منطقة تقع بين مقاطعة هاينان وجزر باراسيل. وقد يكون هذا الاستعراض تلميحا فجّا إلى أن الصين لا تزال غير راضية عن الوضع الراهن في علاقتها مع الولايات المتحدة. وقد انتقد الرئيس ترامب بكين علنا بإلقاء اللوم على الصين في انتشار وباء كورونا، مستخفا بالتحركات الأخيرة في هونغ كونغ ومنتقدا احتمال بيع «تيك توك» لشركة صينية. وتأمل بكين أن تخفف الولايات المتحدة عقوباتها على شركة «بايت دانس»، الشركة الأم لشركة تيك توك، وهواوي عملاق شبكات الجيل الخامس. وفضلا عن ذلك، تسعى الصين إلى تجاوز القيود الحالية على اللوائح الدولية لمكافحة الاحتكار لخلق مؤسسات حكومية تتنافس مع صناعات الروبوتات والصناعات التكنولوجية الأخرى. ويأتي ذلك على خلفية تباطؤ النمو الصيني، حيث سجلت الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2020 انخفاضا بنسبة 6.8% في الناتج الاقتصادي، وهو أول تسجيل لتباطؤ الاقتصاد الصيني منذ عام 1992. ولتعزيز النمو حتى في فترات التحدي، تدعم الصين إجراء إصلاحات على أنماط الممارسة التجارية مع شركائها الخارجيين، بما في ذلك مع الولايات المتحدة.
وفي الواقع، ساهم تركيز إدارة ترامب على زيادة الصادرات الأمريكية في دفع الاتفاق التجاري بين الولايات المتحدة والصين إلى الأمام على الرغم من المخاوف بشأن النفوذ الصيني من خلال شركتي تيك توك وهواوي. ولا شك في بروز تحديات كبيرة في ظل حالة الغموض التي تكتنف الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة في تشرين الثاني / نوفمبر 2020. إن تغير أولويات البيت الأبيض تحت إدارة بايدن قد يؤدي إلى انتقال المفاوضات التجارية إلى يد وزارة التجارة. إلا أن مثل هذا التحول لا يعطل الصفقة تماما، بل قد يسمح لوزارة التجارة بإضافة شركات صينية إلى قائمة الشركات التي تمنع الشركات الأمريكية من التعامل معها، وتسمح لوزارة الخارجية بالاستفادة من عقوبات قانون ماغنيتسكي على الشركات المتورطة في اضطهاد المسلمين الأويغور في مقاطعة شينجيانغ، ومن شأن هذه التدابير أن تعرقل الشركات الصينية. ورغم أن الخطة الخمسية لعام 2021 تشير إلى تخلي الصين عن العديد من تدابير التوجيه الاقتصادي على مستوى الاقتصادات المحلية، فإن بلوغ الأهداف الاقتصادية على المستوى الوطني سيبقى على لائحة الأولويات، وخاصة في ظل التعافي من جائحة كورونا. ويتوقع الخبراء أن تستمر التوترات خلال المحادثات، ويبقى أن نرى ما إذا كان أي من الطرفين سيحقق انتصارا اقتصاديا كبيرا.