أوّل الكلام آخره:
- فيما تستعد الولايات المتحدة للانسحاب من أفغانستان، تسعى الصين إلى الاستفادة من الفرصة لبسط نفوذها مع تجنب المخاطر الأمنية المحتملة.
- في أوائل حزيران / يونيو، اجتمع وزراء خارجية الصين وأفغانستان وباكستان لمناقشة كيفية الحفاظ على الأمن في ظل انسحاب القوات الأمريكية.
- إن صعود الصين المتزايد في المنطقة يعني احتمال استهداف الإرهابيين لدبلوماسيي بكين ومواردها.
- تحلل الصين انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان من خلال منظور التنافس مع القوى العظمى، بدلا من النظر إليه على أنه مسألة إقليمية فقط.
فيما تستعد الولايات المتحدة للانسحاب من أفغانستان، تعمل دول المنطقة على رسم استراتيجياتها للاستفادة من فراغ السلطة الناتج. وكانت بكين تستعد لهذا السيناريو من خلال التواصل وتحسين العلاقات بشكل مطرد مع مختلف الجهات الفاعلة الأفغانية، ومنها طالبان، تحسبا لهذه الحتمية وضمانا لمصالحها السياسية والأمنية والاقتصادية. وقد روجت الصين لمبادرة الحزام والطريق الخاصة بها، وعززت التعاون مع باكستان من خلال الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني، الذي يشمل الاستثمار في ميناء جوادر. وقد وصفت الصين مبادرة الحزام والطريق بوصفها حلا لزعزعة الاستقرار وضعف التنمية، مدعية أنه من خلال ربط أفغانستان بالموانئ البحرية الباكستانية ستعزز التنمية في أفغانستان وستوفر فرص اقتصادية جديدة. ويسعى مشروع ممول من الصين بالقرب من كابول إلى إنشاء واحد من أكبر مناجم النحاس في العالم. ولدى الصين مصالح اقتصادية أخرى لا تعد ولا تحصى في أفغانستان، وهي مشاريع قد تخرج عن مسارها بسبب تصاعد العنف الذي يمتد إلى الدول المجاورة. فضلا عن أنها تراقب أثر الأحداث في أفغانستان على مجتمع الأويغور في الصين.
وفي أوائل حزيران / يونيو، اجتمع وزراء خارجية الصين وأفغانستان وباكستان لمناقشة كيفية الحفاظ على الأمن في ظل انسحاب القوات الأمريكية الذي انتقدته الصين علنا. وشدد اجتماعهم على أهمية منع تصاعد الإرهاب الذي يمكن أن يحمل تداعيات من الدرجة الثانية خارج حدود أفغانستان. وتحدث وزير الخارجية الصيني وانغ يي مطولا عن الحاجة إلى «تعزيز التواصل والتعاون» بين بكين وكابول وإسلام أباد. وفي أعقاب هجوم إرهابي وقع مؤخرا على مدرسة للبنات في كابول، يزعم أن تنظيم ولاية خراسان التابع لداعش نفذه، سعت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية هوا تشونينغ إلى إلقاء اللوم على الولايات المتحدة، منتقدة انسحاب واشنطن المفاجئ لمساهمته في زعزعة الاستقرار. وبقدر ما تستنكر الصين الحضور العسكري الأمريكي على حدودها، إلا أنها تدرك أنه يسهم في الحد من خطر الجماعات المسلحة العاملة في أفغانستان وباكستان وأجزاء أخرى من جنوب آسيا ووسطها.
ويقدر بعض محللي مكافحة الإرهاب أنه مع الانسحاب العسكري الأمريكي وتصاعد الحضور الصيني في جميع أنحاء جنوب آسيا، قد يصبح دبلوماسيو بكين ومواردها عرضة لاستهداف الإرهابين. ووفقا لتقرير صدر مؤخرا عن راديو أوروبا الحرة / راديو الحرية، بدأت الجماعات الإرهابية في باكستان، ومنها حركة طالبان والجماعات الانفصالية البلوشية، في التعاون لصد النفوذ الصيني المتنامي. وقد أثار اضطهاد الصين لمسلمي الأويغور، الذي وصفته بعض الدول ومنها دول غربية بالإبادة الجماعية، غضب الجماعات الجهادية مثل القاعدة. وفي عام 2019، أصدرت القيادة العامة للقاعدة بيانا أعربت فيه عن تضامنها مع حزب تركستان الإسلامي وشعب الأويغور. وتشعر الصين بالقلق من أنه إذا عمت الفوضى في أفغانستان، فإنها ستوفر أرضا خصبة للمسلحين الذين يعيدون بناء ملاذ آمن لهم للتواصل والتدريب. ويشكل مسلحو الأويغور الذين تمتعوا بخبرة قتالية في سوريا مصدر قلق مهم لبكين.
وتحلل الصين انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان من خلال منظور التنافس مع القوى العظمى. وعلى مدى العقدين الماضيين، تورطت واشنطن بعملية لمكافحة التمرد استنزفت مواردها وقسمت البلاد سياسيا، مما عاد على بكين بفوائد مهمة. كما ساهمت الحرب العالمية على الإرهاب التي تقودها الولايات المتحدة بالتغاضي عن حملة الصين التي شنتها ضد الأويغور. وتحت مسمى المصالح المشتركة لمكافحة الإرهاب، عمدت بكين إلى تضخيم التهديد الذي يشكله مسلحو الأويغور واستغلته ذريعة لتنفيذ حملتها القمعية في شينجيانغ. ومن جانب الولايات المتحدة، فإن قرار انسحابها من أفغانستان قد تشكل أيضا نتيجة التنافس مع القوى العظمى. ولأن واشنطن تنظر إلى بكين على أنها خصمها الأساسي، تدعو الأصوات المتنامية في دوائر صناعة القرار في واشنطن العاصمة إلى «إنهاء الحروب التي لا نهاية لها» وإعادة تخصيص الموارد العسكرية للتنافس مع منافسيها الأساسيين، بما في ذلك الصين وروسيا. وتدرك الصين أيضا أنه مع انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، ستضطر بكين إلى زيادة مساعداتها الإنمائية ومواردها الدبلوماسية في البلاد، والتي ستكون ضرورية لتحقيق الاستقرار. ومن المؤكد أن الصين حذرة من أن تتورط أكثر من اللازم، فهي تدرك ضرورة تجنب الفخ الذي أصاب العديد من القوى العظمى الأخرى التي استدرجت إلى أفغانستان، «مقبرة الإمبراطوريات».