أوّل الكلام آخره:
- مع انسحاب القوات الأمريكية من الصومال، تبرز مخاوف من قدرة جماعة «الشباب» على زيادة زعزعة أمن البلاد وتعريض المساعدات الإنسانية للخطر.
- يأتي الانسحاب في الوقت الذي تسعى فيه جماعة «الشباب» إلى شن هجمات كبيرة وإبراز نفوذها في مناطق واسعة من الصومال.
- إن الطريقة العشوائية لإعلان انسحاب القوات الأمريكية جزئيا من الصومال أرسلت رسائل سيئة لحلفاء الولايات المتحدة.
- مع حضور عسكري أمريكي ضعيف في الصومال، قد تتأثر سلبا العلاقات الثنائية، مما يخفف من نفوذ الولايات المتحدة في البلاد.
في 4 كانون الأول / ديسمبر، أعلن الرئيس ترامب انسحاب غالبية الـقوة الأمريكية المتمركزة حاليا في الصومال والتي يبلغ عديدها 700 عنصر. وخلال هذا الأسبوع فقط، أبلغ البنتاغون وكالة الاستخبارات المركزية أنه يخطط لإنهاء الدعم المقدّم لمهام مكافحة الإرهاب التابعة للوكالة في أوائل عام 2021. وفي الصومال، تعمل القوات حاليا على توجيه القوة الصومالية لمكافحة الإرهاب، والمعروفة باسم فرقة «دنب»، والتي تقود الجهود المبذولة لمكافحة حركة «الشباب» التابعة لتنظيم القاعدة والتي زعزعت استقرار الصومال على مدى الخمس عشرة سنة الماضية وارتكبت هجمات ضد كينيا وبعض المؤسسات والجهات الدولية. وستحتفظ الولايات المتحدة بقدراتها على الاستطلاع وتوجيه الضربات، بما في ذلك الدعم الجوي. ولكن مع غياب المرشدين على الأرض، تبرز مخاوف كبيرة من تراجع قدرات فرقة «دنب». فالدعم الأمريكي على صعيد التدريب والمشورة والمساعدة كان له الفضل الأكبر في تمكين قوات العمليات الخاصة في الصومال من منع البلد من الوقوع في دوامة الانهيار التام وذلك في محطات مفصلية عدة. وينظر الجنرال ستيفن تاونسند، قائد أفريكوم، إلى هذه الخطوة لا على أنها «انسحاب» بل على أنها «إعادة تموضع». والجدير بالذكر أن ضابطا شبه عسكري في وكالة المخابرات المركزية، وكان فيما سبق ضابطا في البحرية الأمريكية، قد قتل في وقت سابق من هذا الشهر في الصومال، وفقا لرئيس هيئة الأركان المشتركة، الجنرال مارك ميلي.
ويفترض أن يعاد نشر القوات في دول أخرى في القرن الإفريقي، ولا سيما في كينيا وجيبوتي. وفي حين أن هذه القوات ستظلّ مستعدة لتنفيذ مهمات مكافحة الإرهاب، إلا أن انسحابها يأتي في الوقت الذي تسعى فيه جماعة «الشباب» إلى استعادة نفوذها في مناطق واسعة من الصومال. ومن الواضح أن الجماعة لا تزال قادرة أيضا على شن هجمات بارزة وكبيرة، لا في الصومال فحسب، بل في جميع أنحاء المنطقة. ولم يتضح بعد ما إذا كانت إدارة بايدن ستعمد إلى إعادة القوات إلى الصومال، فذلك يعتمد بالطبع على تقويم الإدارة للتهديد الذي تشكله جماعة «الشباب». وإذا ازدادت الفوضى في الصومال، فقد يصبح من المستحيل تقريبا أن تصل المساعدات الإنسانية فيها إلى المدنيين الذين هم في أمس الحاجة إليها. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة قد أدت دورا رائدا في ضمان إيصال المساعدة الإنسانية إلى الصومال، فإن تدهور الحالة الأمنية سيجعل هذا المسعى أكثر تعقيدا بالتأكيد. وبناء على ذلك، فإن القرار الأمريكي سيؤثر بلا شك في العديد من الدول الأخرى، بما في ذلك الحلفاء والشركاء. وبالمثل، فإن الدبلوماسيين الذين يسافرون إلى مقديشو سيتعرضون لخطر شديد.
ومن المقلق للكثيرين أن قرار الرئيس ترامب بتخفيض أعداد القوات في الصومال وأفغانستان والعراق لا يبدو مرتبطا بأي استراتيجية مقنعة أو منسقة، وإنما صدر بدافع الوفاء بوعود الحملة الانتخابية بالخروج من «الحروب التي لا تنتهي» وبدافع جعل مهمة إدارة بايدن أكثر صعوبة في مواجهة التحديات المقبلة، من منافسة القوى العظمى إلى حركات التمرد الجديدة والمستمرة في الدول الضعيفة والفاشلة. إن مثل هذه القرارات الحاسمة التي اتخذها الرئيس ترامب أواخر عهده من المرجح أن تربك الحلفاء وتشجع الخصوم. وعلى الرغم من أنه من السائغ الاعتقاد أن الولايات المتحدة لا يمكنها ولا ينبغي لها أن تسعى إلى حضور دائم في كل منطقة مضطربة من العالم، فإن الطبيعة العشوائية لإعلان الانسحاب قد أرسلت إشارات مختلطة إلى حلفاء الولايات المتحدة. كما يخفف الانسحاب من أي آثار إيجابية محتملة لربط المساعدات الأمريكية بخطوات تقوم بها الحكومة الصومالية. ويعد مثل هذا التوقيت مقلقا أيضا، نظرا للانتخابات البرلمانية المقررة في الصومال خلال الأسابيع القليلة القادمة والانتخابات الرئاسية في شباط / فبراير 2021.
وحتى مع الخروج العسكري الأمريكي في البلاد، فلا تزال قوة تابعة لبعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال (AMISOM) تتكون من 17,000 جندي في الصومال، إلى جانب بعثات تدريبية من تركيا والاتحاد الأوروبي. وتقوم البعثة بعمليات لمكافحة التمرد، فضلا عن إدارة بعض البرامج لمساعدة قطاع الأمن في دول المنطقة. ولكن مع تقليص الحضور العسكري الأمريكي في الصومال، قد تتأثر العلاقة الثنائية بين الولايات المتحدة والصومال سلبا، مما يخفف من النفوذ الأمريكي فيها. وقد انتقد القادة السياسيون في الصومال بشدة الولايات المتحدة، واصفين قرار الانسحاب بـ«المؤسف» ومعبرين عن قلقهم بشأن الحرب ضد جماعة «الشباب». كما تبرز مخاوف متزايدة بشأن زيادة نشاط داعش في جميع أنحاء الصومال. فحكومة الصومال الاتحادية تمتلك قدرات عسكرية محدودة لاستعادة السيطرة على الأراضي من جماعة «الشباب»، وهي أيضا على علاقة متوترة مع الحكومة الإقليمية في جوبالاند. وتدعم إثيوبيا، التي تشارك في حرب أهلية في منطقة تكرينيا الشمالية، الحكومة الفيدرالية الصومالية، أما كينيا فتدعم الحكومة الإقليمية في جوبالاند، مما يثير المزيد من المخاوف من وقوع صراعات مماثلة تتواجه فيه الحكومات الإقليمية مع الحكومة الاتحادية. ومع وضع مثل هذه التحديات في الحسبان، سيشكل الحضور الأمريكي في الصومال تموضعا هاما لإبراز القوة ومكافحة الإرهاب مع تولي إدارة بايدن مقاليد الحكم في كانون الثاني / يناير.