أوّل الكلام آخره:
- لحملات التضليل الإعلامي تداعيات واسعة النطاق من تعديل نتائج الانتخابات والتأثير في مسارها إلى تشجيع أعمال العنف.
- اعتمد كل من القطاعين العام والخاص، بما في ذلك الحكومة الفدرالية الأمريكية وشركات وسائل التواصل الاجتماعي، استراتيجيات غير ناضجة تماما لمكافحة التضليل الإعلامي مما أدى إلى نتائج تدريجية بطيئة جدا.
- مع جائحة كورونا وما صاحبها من «وباء المعلومات المضلّلة»، من المهم صياغة استراتيجية شاملة، بما في ذلك اعتماد قوانين جديدة، وتطبيق الجزاءات، وتوسيع قاعدة الموارد التنظيمية للتعامل مع تحدي التضليل الاعلامي.
- لا توفر الحلول الحكومية علاجا شافيا لتحدي التضليل الإعلامي، وبالتالي، يبقى من المهم أن يكوّن المواطنون مهاراتهم الخاصة في تقصّي الحقائق ومحو الأمية الرقمية والإعلامية.
يمثل التضليل الاعلامي تهديدا للسلم والاستقرار الدوليين، ولا يبدأ تهديده بعرقلة سير الانتخابات ولا ينتهي عند تحفيز الناس على أعمال العنف. وقد عملت الحملة الروسية المتطورة للتأثير في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2016 على تعزيز صورة التهديد الذي يمثله التضليل الإعلامي بشكل كبير. وتظهر العديد من الأمثلة أن تداعيات نظريات المؤامرة المتداولة عبر الإنترنت لها تأثير في العالم الحقيقي. ومن الأمثلة الحديثة ما حدث في لوس أنجلوس، عندما تعمّد مهندس قطارات اسمه إدواردو مورينو إخراج قطاره عن مساره لتعطيل جهود الحكومة الأمريكية في محاربة وباء كورونا. وصرح مورينو بأنه يعتقد أن مستشفى «ميرسي» العائم يشكل جزءا من خطة حكومية للسيطرة على البلاد. وإلى جانب نشر نظريات المؤامرة، استُخدمت تقنية التزييف العميق (والتي تستخدم فيها فيديوهات معدلة من خلال الذكاء الاصطناعي) للتلاعب بالأفراد والتأثير في معتقداتهم. وقد اعتمدت شركات وسائل التواصل الاجتماعي التي تشكل ساحة المعركة الرئيسة لحروب التضليل الإعلامي، نهجا متفاوتا لمكافحة التضليل الإعلامي، بما في ذلك تقنية التزييف العميق. فقد حظر تويتر بشكل استباقي جميع الإعلانات السياسية، ولكنه اكتفى بالإشارة إلى الفيديوهات السياسية المعدلة بتقنية التزييف دون إزالتها. وفي المقابل، أعلن فيسبوك أنه لن يعمل على حظر الإعلانات السياسية بما في ذلك تلك التي يعرف كذبها. وقد أصبحت هذه القضايا أكثر حدة مع جائحة كورونا التي تسميها منظمة الصحة العالمية الآن بـ«وباء المعلومات المضللة».
وتشهد الحكومات، ولا سيما الولايات المتحدة، بطئا في صياغة استراتيجية شاملة لمواجهة التضليل الاعلامي. وفي الواقع، لم يعقد الكونغرس جلسة بشأن تقنية التزييف العميق حتى صيف عام 2019، رغم أن هذه التقنية كانت منتشرة ومعروفة قبل هذه الفترة بكثير. وأخيرا، اتخذت الحكومة الفيدرالية، من خلال الكونغرس، خطوات لاستيعاب نطاق تهديد تقنية التزييف العميق بشكل أفضل وذلك مع إصدار قانون تفويض الدفاع الوطني. وتجدر الإشارة إلى أن هذا القانون يقتضي من مدير الاستخبارات الوطنية أن يقدم تقريرا عن استخدام هذه التقنية سلاحا بيد الحكومات والجهات الأجنبية، ويشترط أن تعلم السلطة التنفيذية الكونغرس بأي جهود للتضليل الإعلامي تستهدف الانتخابات الأمريكية. كما أنشأ قانون تفويض الدفاع الوطني مسابقة «جائزة تقنية التزييف العميق» لتشجيع الحلول التكنولوجية التي تسمح بتحديد الفيديوهات المزيفة بشكل أفضل. وقبل إعلان الجائزة، خصصت وكالة مشاريع الأبحاث الدفاعية المتقدمة بالفعل ما يعادل 70 مليون دولار لتطوير مثل هذه التقنية. وفي عام 2019، أعلن فيسبوك ومايكروسوفت وتحالف «الشراكة في ميدان الذكاء الاصطناعي» عن جائزة نقدية بقيمة 10 ملايين دولار لتشجيع الكشف عن تقنية التزييف العميق. وبمقدور الكونغرس القيام بالمزيد على صعيد شركات وسائل التواصل الاجتماعي. وغالبا ما تختبئ منصات التواصل الاجتماعي مثل تويتر وفيسبوك خلف التحصين القانوني الذي يؤمنه القسم 230 من قانون آداب الاتصالات (CDA)، ولكن حان الوقت للكونغرس لإعادة النظر فيما إذا كانت شركات وسائل التواصل الاجتماعي ستظل بمنأى عن المساءلة فيما يخصّ السماح لحملات التضليل الإعلامية بالانتشار عبر منتدياتها.
ومع غياب القوانين الكافية والاستراتيجيات الشاملة، ستستمر حملات التضليل الاعلامي، بما في ذلك استخدام تقنية التزييف العميق بلا هوادة، على الرغم من الموارد الإضافية الموجودة. وفي كانون الأول / ديسمبر 2017، لم تشر استراتيجية الأمن القومي الأمريكية إلى التضليل الإعلامي سوى مرتين فقط، في حين وضع الاتحاد الأوروبي استراتيجية متكاملة وقوانين عملية وخطة عمل شاملة لمكافحة التضليل الاعلامي قبل سنتين من ذلك التاريخ. ومن واجب استراتيجية الأمن القومي الأمريكية المقبلة التأكيد على أن التضليل يشكل تهديدا كبيرا للولايات المتحدة. وقد أصدرت ولايتان على الأقل، وهما تكساس وكاليفورنيا، قوانين تحظر مقاطع الفيديو السياسية المزيفة. ورغم أن القانونين يشوبهما شيء من النقص، إلا أن تجريم التزييف العميق يعدّ بحد ذاته خطوة إيجابية، يتعين على الحكومة الفيدرالية أن تنظر فيها. كما ينبغي على الحكومة الأمريكية أن تنظر بقوة في تطبيق العقوبات على الأفراد والهيئات المقيمة في الخارج الذين يشنون حملات لنشر المعلومات المضللة. ومن المهم أن ينظر الكونغرس في اعتماد «قانون عقوبات يتعلّق بالتضليل الإعلامي» يهدف إلى توفير السلطة القانونية لوزارة الخارجية الأمريكية والخزانة الأمريكية لمعاقبة الأفراد والمنظمات المتواطئة في جهود التضليل الاعلامي.
كما ينبغي للولايات المتحدة أن تنظر في توسيع نطاق موارد أنشطتها في مجال مكافحة المعلومات المضللة. وفي حين أن مركز الارتباط العالمي التابع لوزارة الخارجية، المكلف بمكافحة المعلومات المضللة على الصعيد العالمي، لديه ميزانية مقترحة تبلغ 138 مليون دولار هذا العام، إلا أن ميزانية برامج الدبلوماسية العامة الأخرى المفيدة لمكافحة المعلومات المضللة قد جرى اقتطاعها بشكل كبير، فقد وصلت التخفيضات في برامج الدبلوماسية العامة إلى مبلغ ضخم يقدر بـ 184.5 مليون دولار. واقترحت إدارة ترامب تخفيضات كبيرة في ميزانيتي وكالة صوت أمريكا وإذاعة أوروبا الحرة. وتعد هاتان الهيئتان حساستين لكونهما منصتين لشرح السياسة الأمريكية بطريقة تستند إلى الحقائق. ولا تتناسب جهود الحكومة الأمريكية بشكل عام مع حجم التهديد التضليلي الذي تشكله روسيا والصين وسائر الجهات المارقة على الصعيد الدولي، ومنها الجماعات العنيفة من العنصريين البيض. ويجب على الكونغرس زيادة ميزانية مركز الارتباط العالمي بشكل كبير، وفي الوقت نفسه ضمان استمرارية الهيئات مثل وكالة صوت أمريكا في تقديم الأخبار الأمريكية الموضوعية إلى العالم بشكل فعال، لا أن يجري الاختيار والمفاضلة بين هذين الأمرين. ومهما بلغت تحديثات القوانين الفيدرالية ومهما بلغ التقدم التكنولوجي والتعزيزات التنظيمية والتحسينات في سياسات القطاع الخاص، فإن أيّا من هذا لن يحمي الجمهور من الاحتكاك بالتضليل الإعلامي. فيتعين على المواطنين أن يزيدوا من ثقافتهم النقدية الرقمية والإعلامية لدرء جهود التضليل الإعلامي الرامية إلى خلق الخوف والشك والارتباك بينهم.