أوّل الكلام آخره:
- أتاح سباق الحصول على لقاح لوباء كورونا فرصا مادية لمجموعة من الجهات الفاعلة على المستوى العالمي، بما في ذلك بعض الجماعات الإجرامية المنظمة.
- وقد كانت صناعة الأدوية على الدوام هدفا للجريمة المنظمة العالمية.
- لسلاسل توريد وباء كورونا المعقدة نقاط ضعف عديدة ستسعى جهات كثيرة إلى استغلالها.
- دقت الأجهزة الأمنية ناقوس الخطر بشأن إمكانية أن تسعى العصابات الإجرامية إلى تحقيق الربح على حساب الفئات التي تحتاج اللقاح.
في الوقت الذي تسهل فيه الحكومات إجراءات الموافقة على لقاحات وباء كورونا وتوزيعها، ستبرز تحديات لا تعد ولا تحصى مرتبطة بالجهود المبذولة. ففي الفترة التي سبقت نشر اللقاح، شاركت العديد من الحكومات في الجهود الرامية إلى سرقة الملكيات الفكرية المرتبطة بأبحاث لقاح وباء كورونا. وخلال الأسبوع الماضي، كشف كريس كريبس، المدير السابق لوكالة الأمن السيبراني وأمن البنية التحتية، عن انخراط روسيا والصين وكوريا الشمالية وإيران في أعمال تجسس اقتصادية لسرقة الملكيات الفكرية المتعلقة باللقاح. ولا شك في أن التجسس الصناعي، وسرقة الأسرار التجارية والملكيات الفكرية، للحصول على الميزات التجارية والتفوق على الخصوم، لا يزال من الأهداف الرئيسة لأجهزة الاستخبارات. وعلى غرار الجهات الفاعلة الحكومية، فإن للجهات الفاعلة غير الحكومية، ولا سيما المنظمات الإجرامية، تاريخا في الانخراط في أنشطة غير مشروعة لكسب الميزات الاقتصادية. وفي هذا الصدد، كانت صناعة الأدوية هدفا دائما للجريمة المنظمة وجواسيس القطاع الخاص. وتقوم أكثر من 80 شركة ومعهدا بتطوير لقاحات في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والصين وروسيا والعديد من الدول الأخرى، مما يخلق بيئة فريدة للجماعات الإجرامية العالمية ستسعى حتما إلى استغلالها. إن تضافر الجهود التكتيكية والاستراتيجية بين مختلف الجهات الفاعلة غير الحكومية، فضلا عن القلق المتعلق بالروابط بين الجريمة والإرهاب، يرفع الشعور بالحاجة الملحة إلى الأجهزة الأمنية ووكالات الاستخبارات.
وفي أغلب الحالات، تكون صناعة الأدوية وسلاسل التوريد هشة في الدول التي يجري فيها تطوير اللقاحات واعتمادها. كما أن احتمال إدخال اللقاحات المزيفة أثناء عمليات التوزيع يعد أمرا مثيرا للقلق. وفي عام 2018، ذكرت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) أن عشرات الملايين من الأدوية الموصوفة انتهى بها المطاف في أيدي العصابات الإجرامية في المملكة المتحدة التي رشت الصيادلة وتجار المخدرات أو خدعتهم. ولجماعات الجريمة المنظمة العاملة على الحدود الروسية الصينية تاريخ طويل في بيع الأدوية المزيفة والمسروقة. ووفقا لتقويم إدارة مكافحة المخدرات عام 2019، فإن الولايات المتحدة غارقة أيضا في مشكلة الأدوية المغشوشة، والتي وزعتها مجموعات الجريمة المنظمة توزيعا غير قانوني. وهذا يشمل الفنتانيل المغشوش من الصين، وهي مركز تصنيع المواد الأفيونية الاصطناعية. وقبل جائحة كورونا، مثلت عملية الإنتربول التي أطلق عليها اسم «بانجيا» أفضل مثال على حجم التحدي المتمثل في مكافحة الجريمة الصيدلانية، بما في ذلك مكافحة اللقاحات والمنتجات الطبية المزيفة والأدوية المسروقة، وقد أسهمت هذه العملية في سحب أكثر من 105 مليون حبة وأمبول وعلبة وزجاجة من دائرة التوزيع على مدى عقد من الزمان. ويشير تحليل الإنتربول، اعتمادا على هذه النتائج، إلى أن 11 ٪ على الأقل من المنتجات الطبية المباعة عبر الإنترنت قد تكون مزيفة.
وتعد لقاحات وباء كورونا اليوم هدفا رئيسا للمنظمات الإجرامية، مع وجود العديد من المنافذ للجهات الفاعلة غير المشروعة للدخول وإدراج نفسها في دائرة التوزيع وسلاسل التوريد. وباستطاعة الجماعات الإجرامية رشوة العلماء وموظفي المستودعات وغيرهم من المشاركين في إنتاج اللقاحات أو ابتزازهم للوصول إلى الصيغ أو المنتجات النهائية. وغالبا ما تكون شبكات التوزيع المعتمدة لإيصال اللقاح إلى المهنيين الطبيين عرضة للخطر. كما أن المرافق النهائية التي يجري فيها توزيع اللقاح على المواطنين، مثل المكاتب الطبية والعيادات التي يخزن فيها اللقاح، هي حلقة ضعيفة تتفاوت فيها الإجراءات الأمنية تفاوتا كبيرا. وفي الوقت نفسه، من المحتمل أن يقوم الكيميائيون التابعون للجماعات الإرهابية بتركيب لقاحات مزيفة للوباء، مع العلم أن الطلب على اللقاح قد يفوق العرض بشكل كبير، على الأقل حتى صيف عام 2021. ومن الجدير ذكره أن الدول الفقيرة ستعاني في الحصول على اللقاح، وخاصة اليوم بعد أن بدأت الدول الغنية بالفعل في احتكار عمليات التسليم المستقبلية. وعليه، ستتسابق الجماعات الإجرامية إلى تلبية الطلب بهدف تحقيق مكاسب مالية هائلة. وبالنظر إلى تزايد القلق بشأن العلاقة بين المجرمين المنظمين والجماعات الإرهابية، فقد تتاح فرصة أخرى للجماعات الإرهابية لاستغلال نقاط الضعف هذه في عملياتها أو في دعايتها.
وتقرّ سلطات الأجهزة الأمنية في الولايات المتحدة وخارجها بأن لقاحات وباء كورونا ستخضع للاستغلال الإجرامي. وفي 9 كانون الأول / ديسمبر، حذر مكتب التحقيقات الفيدرالي من أن المخادعين سيحاولون الاستفادة من ارتفاع الطلب على لقاح وباء كورونا. أما في 4 كانون الأول / ديسمبر، فقد حذر يوروبول من أن الجماعات الإجرامية المنظمة قد تحاول إدخال لقاح زائف لوباء كورونا، على غرار لقاح الأنفلونزا المزيف الذي نشرته في المكسيك في تشرين الأول / أكتوبر 2020. وأخيرا، أصدر الإنتربول بدوره تحذيرا من تطلع الجماعات الإجرامية إلى تحقيق أرباح ذات صلة بالأنشطة غير القانونية المتعلقة بـوباء كورونا. وفي المملكة المتحدة، حيث بدأت عملية توزيع لقاح كورونا، اعتمدت الحكومة تدابير صارمة لتتبع حركة اللقاح من بلجيكا إلى المملكة المتحدة. ونظرا لارتفاع النفقات المرتبطة بتأمين اللقاح، لن يتمكن إلا عدد قليل من الدول من تأمينه وتحمل كلفته. وتكثر التساؤلات حول ما إذا كانت الدول التي تستخدم لقاحات أخرى (كاللقاحات الصينية والروسية) سوف تكون قادرة على الحفاظ على تلك اللقاحات وتجنب وقوعها في الأيدي الخطأ. فحيثما تكون التدابير الأمنية للقاحات غير عملية، سيكون الناس عرضة لعمليات الاحتيال المتعلقة بوباء كورونا، وسيزداد التفاوت بين الناس في قدرتهم على الحصول على لقاح موثوق وآمن من السلطات الصحية ذات السمعة الطيبة.