أوّل الكلام آخره:
- بعد 11 شهرًا من الحرب في أوكرانيا، دفعت الخسائر العسكرية الروسية الكبيرة موسكو إلى الاعتماد أكثر فأكثر على مجموعة فاغنر، وهي شركة عسكرية خاصة مرتبطة بالكرملين.
- خفض رئيس فاجنر يوغيني بريغوجين معايير التجنيد في صفوف المجموعة في ظل استنزاف قواتها في ساحة المعركة، وهو يعمل اليوم على تجنيد المقاتلين من السجون الروسية.
- سيؤدي هذا حتمًا إلى زيادة انتهاكات حقوق الإنسان التي تقوم بها فاغنر.
- أدى الدور المتنامي للمجموعة في أوكرانيا إلى تبادل الاتهامات بين بريغوجين وكبار جنرالات القوات المسلحة الروسية، بما في ذلك الجنرال البارز فاليري جيراسيموف.
مع مضي 11 شهرا على بدء الصراع في أوكرانيا، لا تزال القوات العسكرية الروسية تتكبد خسائر كبيرة، مما يجبر موسكو على الاعتماد بشكل أكبر على مجموعة فاغنر، وهي شركة عسكرية خاصة مرتبطة بالكرملين تعمل على توسيع القدرة الأمنية الرسمية لروسيا. اتخذ مؤسس فاغنر، يوغيني بريغوجين، مقاربة أكثر علنية للحرب في أوكرانيا على مدار الأشهر الماضية، بعد تجنبه سابقا الاعتراف بعمليات المجموعة. وعلى الرغم من وصف قوات فاغنر بأنهم «زومبي» ووقود بشري للحرب أرسلوا للتغلب على الدفاعات الأوكرانية من خلال الكم لا النوع، فقد كان لهذه القوات دور رائد في مساعدة روسيا على السيطرة على الأراضي حول سوليدار وكليششيفكا وباخموت وأماكن أخرى في دونباس. وربما تكون قيمة مناجم الملح والجبس حول باخموت قد أغرت بريغوجين بإرسال قوات إلى تلك المنطقة التي يشكك بعض المحللين العسكريين في قيمتها الاستراتيجية. بدلًا من ذلك، قد تكون أهمية باخموت أكثر رمزية بالنسبة لبريغوجين، الذي سعى إلى تعزيز رأسماله السياسي في الأشهر الأخيرة ويبدو أنه حريص بشكل متزايد على الانخراط في التحزبات الروسية الداخلية في مواجهة بعض الشخصيات المعروفة في الجيش وقوات الأمن. فبعد سلسلة من الهزائم المحرجة للجيش الروسي، ربما رأى بريغوجين في باخموت فرصة لإثبات تفوق فاغنر على القوات الروسية التقليدية.
ونظرًا لأن قوات فاغنر عانت من الاستنزاف في ساحة المعركة، فقد خفض بريغوجين المعايير المعتمدة للتجنيد، حتى إنه عمد إلى التجنيد من السجون الروسية وإضافة القتلة والمغتصبين والمجرمين الأكثر صلابة إلى صفوف فاغنر. وفي جميع أنحاء إفريقيا والشرق الأوسط وأوكرانيا، تتجاهل قوات فاغنر على نحو صارخ حقوق الإنسان، وقد اتُهمت بشكل موثق بارتكاب جرائم حرب وأعمال خطيرة أخرى، غالبًا لدعم الحكومات التي قدمت للمجموعة بعض التنازلات المادية مقابل الأمن. ففي دول مثل مالي والسودان وليبيا وجمهورية إفريقيا الوسطى وأماكن أخرى، يُزعم أن عملاء فاغنر قد ارتكبوا أعمال تعذيب واغتصاب وإعدامات سريعة، ونالوا الذهب والمعادن الثمينة، متهربين من العقوبات الغربية، ثم إن قوات فاغنر ما لبثت في الإنسحاب بمجرد استنفاد الموارد والمعادن، مخلفةً وراءها حالة من عدم الاستقرار.
إن وصول بريغوجين إلى السجون الروسية ينذر بالسوء بالنسبة لحقوق الإنسان. فخفض المعايير إلى مثل هذا الحضيض يشبه ما كان تنظيم داعش يعتمده من إيلاء الكم الأولوية على حساب النوع، ومن إطلاق العنان للوحشية أحيانا لبث الخوف. يتلقى المجندون الحد الأدنى من التدريب – الذي ربما لا يتجاوز في بعض الأحيان بضعة أسابيع – قبل إرسالهم إلى القتال على الخطوط الأمامية، ليكونوا وقودا للحرب ولا سيما في العمليات التي لا ترغب فيها قيادة فاغنر بالمخاطرة بمقاتلين متمرسين. وقد تخفف أعدادهم الهائلة مؤقتًا من النقص في عديد القوات الروسية، ولكن افتقاد هذه القوات للانضباط فضلا عن النقص في التدريب يؤثران سلبًا على أي روح عمل جماعية متبقية. وتشير التقارير الأخيرة إلى أن تجنيد فاغنر امتد الآن ليشمل السجينات وكذلك السجناء السياسيين من الشيشان وأماكن أخرى في القوقاز اذ يُعرض على السجناء تخفيف عقوباتهم إذا ما شاركوا في الحرب الأوكرانية. وأوضح بريغوجين أن أي شخص يحاول الفرار سيطلق عليه النار على مرأى من الجميع، كما أنشأت فاغنر وحدة لتتبع الفارين من الخدمة وقتلهم. وأظهر مقطع فيديو نُشر في ديسمبر عاملين في شركة فاغنر وهم يعدمون أحد هؤلاء الهاربين باستخدام مطرقة ثقيلة. وعلى الرغم من هذه العواقب المروعة، عمد مقاتل سابق رفيع المستوى في شركة فاغنر، زعم أنه شاهد جرائم المجموعة في أوكرانيا، إلى تسليم نفسه مؤخرًا إلى السلطات النرويجية. وإذا ثبتت صحة روايته، فقد يمكن في النهاية استخدام شهادته لتوجيه تهم جنائية ضد قيادة فاغنر والمساهمة في الجهود الدولية لمحاسبة روسيا على جريمة العدوان.
يقدم دور فاغنر المتنامي في أوكرانيا دليلًا إضافيًا على أنها ليست منظمة مستقلة، بل وكيل روسي يأتمر بأمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وقد انتشر مؤخرا بين الجمهور تبادل للاتهامات بين فاغنر وكبار القادة في الجيش الروسي. ويبدو أن بريغوجين كان منزعجًا من أن قواته لم تحصل على تقدير كافٍ لدورها في باخموت وأشار بأصابع الاتهام إلى الخلل العام في الجيش الروسي. وفي مثال صارخ على ضعف الروح المعنوية، نشر عملاء فاغنر مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي تنتقد بشكل مباشر قيادة القوات المسلحة الروسية بعبارات مهينة للغاية. واستهدفت مقاطع الفيديو هذه الضابط العسكري الأعلى رتبة في روسيا، الجنرال فاليري جيراسيموف، الذي حل مؤخرا محل الجنرال سيرجي سوروفيكين لقيادة الحرب في أوكرانيا. ولكن المشكلة الكبرى التي ستواجه روسيا متى ما انتهت الحرب هي جحافل المجرمين الذين أطلق سراحهم من السجون ليشاركو في الحرب الأوكرانية و قدرتهم على زعزعة استقرار روسيا أو البحث عن عمل مع المنظمات الإجرامية العابرة للحدود أو غيرها من الجهات غير المشروعة.