أوّل الكلام آخره:
- استبق محمد بن سلمان ولي العهد السعودي القمة الإقليمية المزمع عقدها في 16 تموز (يوليو) مع الرئيس بايدن بزيارة عدة دول إقليمية رئيسية.
- سعت زيارة محمد بن سلمان إلى مصر والأردن، وكلاهما حليفان رئيسيان للمملكة، وكذلك زيارته إلى تركيا، وهي منافسة للمملكة على المستوى الإقليمي، إلى تنسيق المواقف الإقليمية قبل زيارة بايدن.
- تشير الجولة الإقليمية إلى أن مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي عام 2018 لم يعد عقبة رئيسية أمام العلاقات الإقليمية لمحمد بن سلمان.
- كانت القضايا الاقتصادية من البنود الرئيسية في جدول الأعمال في جولة محمد بن سلمان، ولكن لم يعلن إلا عن عدد قليل من الاتفاقيات الملموسة.
في أواخر حزيران (يونيو)، أجرى محمد بن سلمان جولة إقليمية في محاولة لصقل أوراق اعتماده القيادية قبل زيارة الرئيس الأمريكي بايدن إلى المملكة في 16 تموز (يوليو). وقد زار محمد بن سلمان حليفين رئيسيين، مصر والأردن، وكلاهما يسعى للحصول على دعم مالي واستثمارات إضافية من المملكة. وسينضم العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى الرئيس بايدن وقادة دول الخليج بمن فيهم رئيس وزراء العراق مصطفى الكاظمي في قمة 16 تموز (يوليو) في جدة. ولعل محمد بن سلمان كان يسعى أيضا، فضلا عن إظهار نفوذه الإقليمي، إلى تنسيق المواقف الإقليمية بشأن القضايا الرئيسية التي من المرجح أن تناقش مع الولايات المتحدة، بما في ذلك إنشاء تحالف إقليمي واسع لمواجهة القدرات الاستراتيجية المتزايدة لإيران، والحرب في اليمن، وجهود إحياء محادثات السلام بين إسرائيل وفلسطين، وأسعار الطاقة. ولا شك أن الرئيس بايدن سيتطلع إلى إقناع المملكة والمصدرين الآخرين بضخ المزيد من النفط الخام والغاز الطبيعي إلى السوق العالمية. وقد أفادت بعض دول الاتحاد الأوروبي في حزيران (يونيو) أن مجموعة الغاز الروسية المملوكة للدولة، غازبروم، قد خفضت صادرات الغاز إليها بنسبة 60 % – وهو رد واضح على الدعم العسكري الأوروبي لأوكرانيا. ومن المرجح أيضا أن يسلط المسؤولون الأمريكيون الضوء على قضايا حقوق الإنسان في القمة الإقليمية.
وقد تلقى محمد بن سلمان ترحيبا حارا بشكل خاص في الأردن ومصر – وكلاهما حليفان للمملكة، على الرغم من وجود خلافات عرضية في الماضي. وتجنب الملك عبد الله والرئيس السيسي إلى حد كبير مناقشة دور محمد بن سلمان في مقتل جمال خاشقجي في تشرين الأول (أكتوبر) 2018 وتقطيع أوصاله في القنصلية السعودية في اسطنبول. ويدعم كلاهما جهود محمد بن سلمان لمواجهة إيران من خلال شبكة من التحالفات، بما في ذلك الشراكة الطويلة الأمد مع الولايات المتحدة فضلا عن التحالفات الإقليمية الناشئة. وبعد يوم واحد من مغادرة محمد بن سلمان لعمّان، صرح الملك عبد الله: «سأكون من أوائل الأشخاص الذين سيؤيدون إنشاء حلف شمال الأطلسي في الشرق الأوسط» – وهو بيان يشير إلى أن محمد بن سلمان وحلفاءه الإقليميين وإسرائيل يناقشون ترتيبات دفاعية مشتركة من شأنها أن تقلل الاعتماد على المظلة الأمنية الأمريكية. كما مكنت زيارة الأردن المملكتين من تسوية التوترات الأخيرة بشأن الدعم السعودي المزعوم للأمير حمزة، الأخ غير الشقيق للملك عبد الله، والذي أعرب علانية عن عدم ولائه لأخيه. ويهدف الأردن أيضا، بصفته مضيفًا لمليوني فلسطيني مسجلين كلاجئين، إلى إبقاء التركيز قائما على حل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، لكن المملكة العربية السعودية والعديد من دول الخليج أقامت علاقات مع إسرائيل دون المطالبة بأي تنازلات كبيرة منها. وكانت مصر حليفًا ملتزمًا وداعمًا قويًا للمملكة في السنوات الأخيرة. وانضمت القوات المصرية إلى التحالف العربي بقيادة السعودية الذي يقاتل المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن، وأيدت مصر القرار السعودي بدعم هدنة اليمن التي بدأت في نيسان (أبريل) ومددت حتى أوائل آب (أغسطس) على الأقل.
وفي الوقت نفسه، تتطلع كل من مصر والأردن إلى محمد بن سلمان لتوفير الاستثمار ودعم الميزانية. ويبدو أن توقيع صفقات استثمارية بقيمة 8 مليارات دولار يلبي توقعات مصر من زيارة محمد بن سلمان. وسعى الأردن، الذي لا يمتلك موارد نفطية أو غازية كبيرة، إلى الحصول على دعم مالي إضافي، فضلًا عن تنفيذ التزام سعودي سابق بقيمة 3 مليارات دولار تقريبًا في شكل استثمارات. ولكن لم يُعلن عن أي تبرعات سعودية كبيرة أو صفقات استثمار موجهة من الحكومة السعودية خلال توقف محمد بن سلمان في عمان. غير أنه على هامش الزيارة، وقعت شركات أردنية وسعودية في مجالات التعدين والبناء والطاقة الذرية والواردات والصادرات وقطاعات أخرى اتفاقيات تعاون.
وكانت تركيا، وهي آخر دولة في جولة محمد بن سلمان، المحطة الأبرز، على الرغم من أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لن يحضر القمة الإقليمية. ومع ذلك، فقد أشارت المحطة إلى أن محمد بن سلمان، من وجهة نظر القادة الإقليميين، قد اجتاز أزمة مقتل خاشقجي. فأردوغان، الذي سيخوض الانتخابات العام المقبل، بحاجة إلى الدعم الاقتصادي السعودي وسط معدل تضخم يقارب 70 %، وهذا يفوق اهتمام أردوغان بالهجوم على السياسات السعودية التي تعارض الحركات الإسلامية الإقليمية وتتجاهل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني إلى حد كبير. وفضلا عن تجنب انتقاد هذه السياسات السعودية خلال زيارة محمد بن سلمان، أشار أردوغان إلى استعداده للانضمام إلى محور إقليمي لمواجهة نفوذ إيران وقدراتها الاستراتيجية في الشرق الأوسط. وفي الأيام التي سبقت وصول محمد بن سلمان، ظهرت تقارير تفيد بأن إيران كانت تخطط لعمليات اغتيال إسرائيليين كانوا يزورون تركيا. وفي ختام الزيارة في 24 حزيران (يونيو)، جدد محمد بن سلمان التزامه بالدعم الاقتصادي الذي نوقش خلال زيارة أردوغان للمملكة في أواخر نيسان (أبريل). وصدر بيان مشترك بعد المحادثات يشير إلى عهد جديد من العلاقات الثنائية، بما في ذلك إزالة القيود التجارية – في إشارة إلى مقاطعة سعودية غير رسمية لواردات السلع التركية بدأت في تشرين الثاني (نوفمبر) 2021 – والمزيد من المحادثات المقررة، ونظام لتبادل العملات. وفي مؤتمر تجاري عقد في أنقرة تزامنا مع زيارة محمد بن سلمان، قال مسؤول سعودي رفيع إن المملكة قررت رفع الحظر التجاري. وحتى مع الإعلان عن اتفاقيات متواضعة فقط، فقد أدت الزيارة إلى تركيا إلى تحسين صورة محمد بن سلمان الإقليمية بشكل ملحوظ قبل القمة مع الرئيس بايدن في تموز (يوليو).