أوّل الكلام آخره:
- منحت جهود الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب في إفريقيا الأولوية للمساعدة الأمنية، على الرغم من فعاليتها المحدودة في الحد من الإرهاب.
- في جميع أنحاء إفريقيا، يستغل المنتسبون إلى القاعدة المظالم السياسية المحلية لدعم خطابهم فيما تبقى هذه المظالم خارج حسابات الدول التي تركّز على دعم قوات الأمن.
- نظرا لأن هذه الصراعات محلية أو إقليمية في نطاقها، فإن أي مواجهة شاملة يجب أن تتضمن تركيزا أكبر على الحلول السياسية المستدامة.
- بدلا من أن تكون جهود الولايات المتحدة وغيرها من جهود المساعدة الأمنية محور التركيز الوحيد، يجب أن تشكل جزءا من استراتيجية أوسع تهدف إلى حل الأزمات السياسية القائمة.
منذ هجمات 11 أيلول / سبتمبر 2001، ازدادت أهمية الأمن في إفريقيا بالنسبة للمجتمع الدولي، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى ظهور ثلاثة فروع لتنظيم القاعدة وتوسع رقعة نشاط داعش في القارة. وقد توجه الكثير من التركيز الدولي نحو المساعدة العسكرية الأجنبية (المعروفة أيضا باسم المساعدة الأمنية) في بعض أكثر دول القارة هشاشة وفي جيران تلك الدول. وقد أعطت الولايات المتحدة على وجه الخصوص الأولوية لتطوير الجيوش المحلية لمواجهة الإرهابيين والمتمردين كما فعلت في أفغانستان والعراق. وفي حين اقترنت هذه المساعدة بمعونة إنمائية، فإن معظم المساعدات كانت في الواقع عسكرية.
ومنذ 11 أيلول / سبتمبر 2001، أعطت المساعدة الأمريكية في الصومال الأولوية لمساعدة القوات العسكرية الصومالية وكبح جماح الجماعات الإرهابية والمتمردة، بما في ذلك جماعة الشباب الجهادية المرتبطة بالقاعدة. وقد شمل هذا تدريب الجيش الوطني وكتيبة الكوماندوز (المعروفة باسم Danab) التابعة له، ودفع رواتب للقوات الوطنية، وإجراء الضربات الجوية، والاستفادة من القوات الخاصة الأمريكية بالتنسيق عادة مع الشركاء المحليين الصوماليين في العمليات التي تستهدف ناشطي حركة الشباب وقادتها. وبالمثل، دفعت المملكة المتحدة أيضا رواتب للجيش الوطني الصومالي ودعمت بعثة الاتحاد الإفريقي لحفظ السلام في الصومال دعما مباشرا من خلال إرسال أفراد من الجيش البريطاني، فضلا عن قيامها بأنشطة أخرى هدفت إلى تحسين قدرة قوات الأمن الداخلي في الصومال. وقد أدت هذه المساعدات العسكرية في المقام الأول إلى تحقيق نجاحات تكتيكية ضد المنتسبين إلى تنظيم القاعدة، مما أعاق هذه الجماعات من الناحية التشغيلية دون التأثير في الناحية الأيديولوجية. وفي ظل غياب استراتيجية قابلة للتطبيق لحل الأزمات السياسية الأوسع نطاقا التي ينشط في ظلها هؤلاء الإسلاميون المتشددون في القرن والساحل وغرب إفريقيا، ازداد التهديد الذي تفرضه فروع القاعدة لإفريقيا بشكل كبير خلال عشرين عاما منذ 11/9. وسيستمر التهديد الإرهابي في النمو ما لم يعالج البعد السياسي، وهو هدف يصعب تحقيقه باعتراف الجميع.
وكما هو معروف، تتمتع القاعدة بتاريخ طويل في إفريقيا، وخاصة في منطقة القرن الافريقي. وعلى الرغم من تحول مركز ثقل القاعدة من السودان إلى أفغانستان في التسعينيات، أي في السنوات التي تلت 11/9، بايعت ثلاث مجموعات في القارة منظمة بن لادن. وعلى الرغم من أن القيادة المركزية للقاعدة وفروعها في اليمن وسوريا قد عانت من مقتل قادتها ومن الهزائم المتتالية في ساحة المعركة، إلا أن فروعها في إفريقيا قد أثبتت قدرتها على الصمود في وجه جهود مكافحة الإرهاب المتعاظمة. فعلى سبيل المثال، رغم الضغط العسكري الكبير لمواجهة جماعة الشباب في الصومال منذ عام 2007، فإن الصراع في أحسن الأحوال قد بقي على حاله منذ عام 2016. بل إن مشروع بيانات مواقع الصراعات المسلحة وأحداثها قد أفاد أن أنشطة المجموعة زادت بنسبة 33 % منذ عام 2019، ووفقا لمجلة Long War Journal، فقد نفّذت المجموعة ما لا يقل عن ثلاثين هجوما انتحاريا خلال عام 2020 فقط. وفي منطقة الساحل، لا يمكن لبعثة مكافحة الإرهاب الفرنسية، أو عملية برخان، ضد جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، وهو تحالف يضم أربع جماعات إسلامية متشددة تابعة لتنظيم القاعدة، التباهي بأكثر من بعض النجاحات التكتيكية، مثل مقتل القائد الميداني للجماعة يحيى أبو الهمام في شباط / فبراير 2019. وبشكل عام، لم تنجح البعثة في تحقيق الاستقرار في منطقة الساحل. والواقع أن الحالة الأمنية في منطقة الساحل آخذة في التدهور، مما قد يجعل الجهات الفاعلة المتبقية، بما في ذلك الأمم المتحدة، أكثر عرضة للإرهابيين والجماعات المسلحة العنيفة. وقد شبه بعض المراقبين جهود فرنسا بالوضع الأمريكي في أفغانستان والعراق، حيث أنفقت مليارات الدولارات لمحاربة جماعة إسلامية في منطقة غير مألوفة ومعقدة، دون نهاية تلوح في الأفق. وعلى الرغم من تضاؤل أنشطة تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي في شمال إفريقيا منذ عام 2012، فقد حول التنظيم أنشطته إلى منطقة الساحل من خلال فروعه كجماعة نصرة الإسلام والمسلمين، فضلا عن أنه يحافظ على أوسع نطاق جغرافي لأي جماعة جهادية إفريقية كبرى، إذ يقوم بهجمات انتحارية في بلدان متعددة في غرب إفريقيا ومنطقة الساحل.
وتفسر ثلاثة عوامل سبب ضعف فعالية المساعدة العسكرية المقدمة ضمن جهود مكافحة الإرهاب ومكافحة التمرد. أولا، إن الصراعات التي تشارك فيها فروع القاعدة هي في الأساس محلية. ويمكن إرجاع معظم الجماعات الإفريقية المرتبطة بالقاعدة إلى النزاعات الأهلية في مناطق مثل الجزائر والصومال، وقد عملت كل من جماعة نصرة الإسلام والمسلمين وجماعة الشباب على إنشاء هياكل حكم بديلة تقوض شرعية الدولة. وقد حاولت جهود المساعدة الأمنية أن تتماشى مع الأهداف الأوسع لحل الأزمات المعنية، ولكنها لم تلق نجاحا ذا بال بسبب اختلاف أولويات الجهات الفاعلة الدولية والنخب السياسية المحلية. فالطرف الأول يهتم بتطوير جيوش وطنية فعالة، بينما يهتم الطرف الثاني أكثر بتثبيت أركان السلطة المحلية وصد المعارضين السياسيين. وفي مناطق مثل شمال مالي والصومال، حيث أدخلت أطر سياسية تهدف إلى حل التوترات السياسية التي طال أمدها، تعاني هذه الجهود من مشاكل مزمنة من فقدان الثقة والتعثّر. وحتى عندما تشكل مشاريع التنمية جزءا من الجهود الرامية إلى تحقيق الاستقرار في الصراعات، كما هو الحال مع السياسة الفرنسية في منطقة الساحل، فإن هذه الجهود لا تعالج الطبيعة السياسية الأساسية لهذه الصراعات. وبالتالي، لا يمكن لجهود المساعدة الخارجية أن تتجاهل السياسة المرتبطة ارتباطا وثيقا بالصراعات أو أن تنظر فيها جزئيا فقط. وكما يتضح من الانهيار السياسي في الصومال، يمكن للتوتر السياسي أن يقوض جهود المساعدة الأمنية لبناء جيش وطني فعال وخاضع للمساءلة وأن يهيئ الفرص لجماعة الشباب وغيرها من الجماعات الإرهابية للاستفادة منها.
ويكمن العامل الثاني في أن النزاعات محلية في المقام الأول، ولذلك لا يمكن نجاح الجهود الأمنية ما لم ينظر السكان إلى الجهات الفاعلة الأمنية ومؤسسات الدولة على أنها شرعية. إن معظم المساعدات العسكرية المقدمة إلى الدول الهشة والمتضررة من الصراعات موجهة إلى عواصم الولايات. وغالبا ما تعني التوترات السياسية بين الحكومات المركزية والأقاليم الطرفية الأخرى أن القوات الوطنية تنتشر للقتال في مناطق غير مألوفة حيث تفتقر إلى الروابط المحلية الضرورية لكي يعدها السكان المحليون شرعية. فضلا عن ذلك، تزيد أعمال الفساد والانتهاكات الصادرة عن قوات الأمن والميليشيات الموالية للحكومة في منطقة الساحل والصومال من تقويض جهود مكافحة الإرهاب ومكافحة التمرد وتدعم سرديات الجهاديين بأن الشركاء الدوليين يدعمون الحكومات الفاسدة. وتشير الأدلة من جميع أنحاء إفريقيا أيضا إلى أن الانتهاكات التي ترتكبها قوات الأمن قد تشكل حافزا للمدنيين للانضمام إلى صفوف الجهاديين أو تضعف استعدادهم للتعاون مع السلطات. وكما بينت دراسة أجراها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بشأن التطرف في إفريقيا، فإن التفاعلات السلبية التي تقع مع السلطات، والتعرض لانتهاكات حقوق الإنسان، هي عوامل حاضرة دوما ضمن سرديات التعبئة والتطرف.
أما العامل الثالث، فهو مساهمة الطابع المتعدد الأطراف لجهود المساعدة الأمنية في زيادة تفتيت الصراعات القائمة. فعلى سبيل المثال، تُقدّم المساعدة العسكرية داخل الصومال من خلال جهود مختلفة متميزة وغير منسقة. وعليه، تعمل قوات أمنية صومالية مختلفة في جميع أنحاء البلاد على المستوى الاتحادي ومستوى الأقاليم، وتتمتع كل واحدة منها بالولاءات والقدرات والأولويات الخاصة بها. وهذا لا يقوّض التنسيق في الحرب ضد جماعة الشباب فحسب، بل إنه يعوق الجهود المركزية لتطوير المؤسسات الأمنية.
وبالنظر إلى مجموعة التحديات الأمنية التي لوحظت على مدى العقدين الماضيين، ينبغي بذل جهود المساعدة الأمنية في المستقبل بوصفها جزءا من عملية مستدامة لتحقيق تسوية سياسية للأزمة المعنية. وقد يعني ذلك التراجع عن العمليات العسكرية الحركية لفتح إمكانية إجراء مفاوضات مع الجماعات المتمردة. ومن المؤكد أن ذلك قد يعني مواجهة مزالق وتحديات محتملة أمام التسويات التفاوضية مع جماعات مثل جماعة نصرة الإسلام والمسلمين وجماعة الشباب، ولكن المحاولات حتى اليوم تظهر أن الجهود عسكرية وحدها لا يمكن أن تشكل حلا دائما للصراعات الحالية في إفريقيا التي تنخرط فيها فروع القاعدة. وينبغي استخدام عمليات مكافحة الإرهاب في إطار عملية التوصل إلى تسوية تفاوضية وتعزيز الأمن على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية، مع لعب الشركاء الدوليين دور الميسر لهذه المفاوضات. ولكن لكي يحظى هذا النهج بأي فرصة للنجاح، يتعين على مختلف المانحين الأجانب المشاركين في هذه الصراعات أن ينسقوا أنشطتهم وأهدافهم الاستراتيجية على نحو أفضل. ويجب أن تولى قضية حل الأزمات السياسية والبحث عن حلول مستدامة أولوية قصوى. فمع غياب استراتيجية لتحقيق ذلك، ستواصل الجماعات الجهادية، بما في ذلك الجماعات التابعة للقاعدة وداعش، الاستفادة من المظالم السياسية لاستقطاب أتباع جدد وتعزيز أجنداتها العنيفة.