أوّل الكلام آخره:
- يستخدم ولي العهد السعودي محمد بن سلمان موقع المملكة المهيمن في سوق النفط العالمية ورقة ضغط في مواجهة الولايات المتحدة.
- لا تزال العلاقات بين الولايات المتحدة ومحمد بن سلمان مشوبة بشيء من التوتر بسبب دوره في مقتل الصحفي المعارض جمال خاشقجي في 2018.
- يرفض الزعيم السعودي طلبات الولايات المتحدة لزيادة إنتاج النفط السعودي للمساعدة في تخفيف الارتفاع الحاد في أسعار النفط العالمية بعد الغزو الروسي لأوكرانيا.
- يهدد محمد بن سلمان بإقامة علاقات أوثق مع الصين، القوة العالمية الناشئة، إذا لم تُظهر الولايات المتحدة الاحترام اللازم لمكانته داخل التسلسل الهرمي السعودي.
منح الغزو الروسي لأوكرانيا ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أوراق ضغط هامة في علاقته المضطربة مع الولايات المتحدة. فقد تسبب الغزو الروسي – وفرض الولايات المتحدة وأوروبا عقوبات على بعض صادرات الطاقة الروسية – في ارتفاع حاد في أسعار الطاقة. وأدى ذلك إلى اكتساب السعودية أوراق ضغط هامة بوصفها ثالث أكبر منتج للنفط في العالم (بعد الولايات المتحدة وروسيا) والفاعل الرئيسي داخل منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك). ورغم أن الملك سلمان (والد الأمير محمد) هو الحاكم الرسمي لبلاده، إلا أن الأمير محمدًا (وليّ العهد) هو الحاكم الفعلي. وإذا أراد المسؤولون الأمريكيون الحصول على التزام سعودي بزيادة إنتاج النفط وإعادة أسعار النفط العالمية إلى مستويات ما قبل الغزو، فسيحتاجون إلى التواصل مع محمد بن سلمان مباشرة.
ويدرك محمد بن سلمان ذلك، وهو يسعى إلى استغلال الوضع الحالي لتغيير علاقته مع الحكومة الأمريكية لصالحه – وهي علاقة لا تزال مشوبة بالتوتر بسبب تورطه في مقتل الصحفي السعودي المعارض جمال خاشقجي في تشرين أول (أكتوبر) 2018 في القنصلية السعودية في اسطنبول. وكان تقرير استخباراتي أمريكي صدر بعد شهر واحد من تولي الرئيس جوزيف بايدن منصبه قد ربط بشكل مباشر بين محمد بن سلمان وهذه الجريمة. وقد أصر الرئيس بايدن بشكل واضح، ويعود ذلك إلى حد بعيد إلى قضية خاشقجي، على حصر التعامل مع الملك سلمان البالغ من العمر 86 عامًا، وكان آخر الاتصالات مكالمة هاتفية في 9 شباط (فبراير) أكدت الشراكة الاستراتيجية والاقتصادية بين البلدين. وفي سياق الأزمة الأوكرانية، يرى محمد بن سلمان أن جهود الولايات المتحدة لتشجيع الزيادة في إنتاج النفط ستمنحه تنازلات من واشنطن، بما في ذلك الحصانة القانونية من الدعاوى القضائية المتعلقة بجريمة قتل الخاشقجي، والاحترام اللازم له بوصفه زعيم المملكة المقبل. ويرى محمد بن سلمان أيضًا فرصة للتأثير على الدبلوماسية الأمريكية الساعية لإحياء الاتفاق النووي الإيراني الذي عقد عام 2015، والذي تقدر المملكة أنه سيعزّز نفوذ إيران الإقليمي، وكذلك لإسكات الانتقادات الأمريكية لتكتيكات الحرب السعودية والإماراتية في اليمن. وقد استحصل محمد بن سلمان على دعم الولايات المتحدة لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الصادر في 28 شباط (فبراير) القاضي بفرض حظر أسلحة عالمي على حركة الحوثيين المدعومة من إيران، على الرغم من أنه لا يزال مستاءً من إلغاء تصنيف إدارة ترامب سنة 2021 للحوثيين منظمة إرهابية أجنبية. وبحسب بعض التقارير، يريد محمد بن سلمان أيضًا مساعدة الولايات المتحدة في البرنامج النووي المدني السعودي.
فيما يتعلق بقضايا النفط، التي تمثل ورقته الأقوى مع واشنطن في جميع الملفات الثنائية المختلفة، فإن محمد بن سلمان لم يقدم حتى الآن أي تنازلات كبيرة. وأفيد في أوائل آذار (مارس) أن البيت الأبيض لم ينجح في ترتيب مكالمات بين الرئيس بايدن ومحمد بن سلمان والزعيم الفعلي لدولة الإمارات محمد بن زايد آل نهيان – وهي مكالمات تندرج في إطار بناء دعم دولي لأوكرانيا والحد من الارتفاع المفاجئ في أسعار النفط. وقالت وزارة الخارجية الإماراتية إنه سيعاد تحديد موعد المكالمة مع محمد بن زايد، لكن المسؤولين السعوديين لم يتعهدوا بإجراء محادثة رئاسية أمريكية مع محمد بن سلمان. وتمتلك المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، معًا، معظم الطاقة الإنتاجية الفائضة العالمية المقدرة بـ 2 مليون برميل يوميًا ويمكنهما طرح المزيد من النفط في السوق العالمية على الفور، إذا اختار قادتهما القيام بذلك. ولكن الزعيمين الخليجيين في محادثة صُرّح عنها مع رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون حول أمن الطاقة العالمي في 16 آذار (مارس) رفضا الإعلان عن زيادات في الإنتاج. وتواصل الدولتان الخليجيتان التشاور مع روسيا بشأن قضايا النفط، على الرغم من الإدانة العالمية لروسيا لغزوها أوكرانيا.
وفضلا عن رفض الطلبات الأمريكية لتخفيف أزمة نقص المعروض النفطي العالمي، لم يتورّع محمد بن سلمان عن التهديدات غير المباشرة للأمريكيين. ففي مقابلات نُشرت مؤخرًا، بما في ذلك مع The Atlantic، حذر محمد بن سلمان من أن محاولات الولايات المتحدة لعزله ستؤدي إلى نتائج عكسية ترتد سلبا على الولايات المتحدة. وبعد نشر المقابلة التي حاول فيها محمد بن سلمان إظهار نفسه بمظهر المعتدل والمتّزن، أعدمت السعودية 81 شخصًا، بتهم مزعومة شتى. وفي أوائل آذار (مارس)، نقلت وكالة الأنباء السعودية الرسمية عن محمد بن سلمان تهديده بخفض 800 مليار دولار من الاستثمارات السعودية في الولايات المتحدة قائلا: «بنفس الطريقة التي يمكننا بها تعزيز مصالحنا، يمكننا تقليصها أيضا». وربما يكون الأمر الأكثر إزعاجًا للمسؤولين الأمريكيين، أن محمد بن سلمان أشار أيضًا إلى أنه يريد توسيع العلاقات مع الصين، القوة العالمية المنافسة للولايات المتحدة. ونُقل عنه في ذي أتلانتيك قوله: «أين الإمكانات في العالم اليوم؟ إنها في المملكة العربية السعودية. وإذا كنت تريد أن تفوّتها، فأعتقد أن الناس الآخرين في الشرق سيكونون سعداء للغاية». وقد دعت المملكة العربية السعودية الرئيس الصيني شي جين بينغ لزيارة الرياض بعد شهر رمضان المبارك الذي يبدأ في أوائل نيسان (أبريل). وقد أوضح مسؤول سعودي مغزى زيارة الرئيس شي المخطط لها بالقول: «إن ولي العهد وشي صديقان حميمان وكلاهما يفهم أن الإمكانات المتاحة لعلاقات أقوى هائلة… إنها ليست مجرد شراء النفط مقابل شراء السلاح». ومع ذلك، وعلى الرغم من ميله المحتمل نحو الصين، فإن أوراق محمد بن سلمان في مواجهة الولايات المتحدة قد تكون أقل مما يحسبه، فقد كان أداء القوات الروسية سيئًا في ساحة المعركة في أوكرانيا، وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين معزولًا ماليًا ودبلوماسيًا، مما قد يُظهر أنه ما من بدائل متاحة بسهولة عن الولايات المتحدة باعتبارها الضامن الأساسي لأمن الخليج.