أوّل الكلام آخره:
- أظهرت الإحصاءات التي أصدرها مكتب التحقيقات الفيدرالي ارتكاب ما لا يقل عن 51 جريمة قتل بدافع الكراهية في عام 2019، وهو أعلى معدل سجلته الإحصاءات منذ زمن.
- ازدادت جرائم الكراهية المعادية للسامية ازديادا ملحوظا عام 2019، إذ سجّلت زيادة تقارب الـ 14 % عن عام 2018، في منحى يؤكد على الموجة المتزايدة من تفشي التطرف العنيف.
- نظرا للطابع الطوعي للإحصاءات، فإنها على الأغلب لا تقدم نسبة جرائم الكراهية بدقة.
- وما تسكت عنه الإحصاءات هو التداعيات المدمرة لجرائم الكراهية على الأشخاص المعتدى عليهم ومجتمعاتهم المحلية والنسيج الاجتماعي الأمريكي.
لقد وصلت الولايات المتحدة إلى منعطف خطير، فالسياسة فيها باتت استقطابية حادة، والبنية التحتية للصحة العامة تنوء تحت وطأة وباء أسيء معالجته منذ البداية، والتفاوت الاجتماعي – الاقتصادي آخذ في الارتفاع، في حين أن مفهوم العقد الاجتماعي يبدو وكأنه يتلاشى، وأن النزعة القبلية باتت اليد العليا. وقد بات الأمر يستوجب قيادة حكيمة ومثابرة على كل المستويات لتنعكس موازين الوضع البائس الحالي، وهو أمر لا يبدو ممكنا قبل انتقال السلطة إلى الإدارة الجديدة. وفي إطار هذه البيئة السامة، ارتفعت جرائم الكراهية. وليست جرائم الكراهية أمرا جديدا في المجتمع الأمريكي، ولكنها اليوم باتت تجد من يؤيدها علنا في الأوساط العامة، بدءا من القيادة السياسية الحالية ووصولا إلى المجتمعات المحلية، بل ويحرّض عليها ويشيطن الفئات المستهدفة. ومع وصول الوباء إلى أعلى معدلاته الأسبوعية مؤخرا، والاستقطاب السياسي الشديد، والتوترات العرقية الصارخة، والاقتصاد غير المستقر، باتت الولايات المتحدة في حالة توتر مستمر.
ومؤخرا، أصدر مكتب التحقيقات الفيدرالي بياناته حول جرائم الكراهية لعام 2019. فمنذ عام 1990، طُلب من وزارة العدل جمع بيانات «عن الجرائم التي تظهر تحيّزات أساسها العرق أو الدين أو التوجه الجنسي أو العرقي». ويقوم مكتب التحقيقات الفدرالي بجمع البيانات التي تقدمها الآلاف من الجهات الأمنية المحلية والحكومية طوعا في إطار برنامج الإبلاغ الموحد عن الجريمة (UCR). وفي عام 2019، قدمت 15.588 جهة أمنية تقارير إحصائية مقارنة بـ16.039 جهة أمنية عام 2018. وفي الولايات المتحدة اليوم أكثر من 17,000 جهة أمنية محلية وحكومية، ولا شكّ أن النقص في الإبلاغ عن الجرائم لا يسمح بإعداد صورة دقيقة للأعمال الإجرامية وجرائم الكراهية في هذا البلد وتحليلها.
وقد سجّل عام 2019 ما لا يقل عن 51 جريمة قتل بدافع الكراهية، وهو العدد الأكبر الذي سجله مكتب التحقيقات الفيدرالي منذ عام 1990. وقد أسفرت إحدى هذه الجرائم عن مقتل 23 شخصا، وذلك في عملية إطلاق نار جماعي حصلت في 3 أغسطس/آب 2019 في إل باسو في تكساس، والتي يزعم أن مطلق النار كان يستهدف عمدا «المكسيكيين». وحتى من دون ذلك الهجوم، فقد ازدادت جرائم الكراهية التي أسفرت عن عمليات قتل من 24 جريمة إلى 28 جريمة. ولعل الخطاب العنصري والبشع الذي تبناه الرئيس ترامب والذي شجعه عليه بعض مؤيديه، والذي نعت فيه المهاجرين بالغزاة والمجرمين والطفيليين، خلق بيئة من الترهيب والخوف، وهي بيئة مناسبة جدا لجرائم الكراهية. إن الحجة القائلة بأن هذه الأجندة تتعلق فقط بخفض الهجرة غير الشرعية تقوضها خطابات إدارة ترامب وسياساتها، مثل خفض نسبة قبول اللاجئين إلى أدنى مستوياتها التاريخية ورفض طلبات اللجوء القانونية على صعيد الممارسة العملية. وفي عام 2019، زادت الهجمات المعادية للسامية بنسبة 14 % في الولايات المتحدة، وهو اتجاه له ما يناظره في أوروبا أيضا. وفي عام 2018، استهدف مسلح كنيس «شجرة الحياة» في بيتسبرغ في ولاية بنسلفانيا، وقتل 11 شخصا. أما في عام 2019، فلم يحدث أي قتل جماعي مماثل استهدف المجتمعات اليهودية، ولكن الزيادة بنسبة 14 % في جرائم الكراهية المعادية للسامية كانت في حد ذاتها كافية لزيادة عدد جرائم الكراهية الدينية المرتكبة في العام نفسه.
ولطالما عاني المجتمع الأمريكي ولا يزال يعاني من آفة معاداة السامية التي تشكل أساس كثير من نظريات المؤامرة المشبعة بالتحيز والتعصب الأعمى. ونظريات المؤامرة التي يتبناها تنظيم كيو، والتي تتكلم عن «نخبة عالمية» تتآمر في الظل، مهووسة بجورج سوروس. وقد انتشرت الصور المعادية للسامية على الإنترنت ونشرت على وسائل التواصل الاجتماعي على شكل ميمات، وهي تهدف إلى تشويه التاريخ المتعلق ببعض الأحداث الجسيمة كمحرقة الهولوكوست. وما تسكت عنه الإحصاءات هو التداعيات المدمرة لجرائم الكراهية على الأشخاص المعتدى عليهم ومجتمعاتهم المحلية والنسيج الاجتماعي الأمريكي، وهذا ما يستدعي أن تنال إدانة واسعة النطاق. إلا أنه حدث العكس، فقد جرى الاستهانة بجرائم الكراهية إلى أكبر حد، أو جرى تحميل الضحية بعض المسؤولية، أو تغاضى عنها كثير من المسؤولين الحكوميين وبعض الشخصيات العامة، بل إن بعضهم وقف محرّضا عليها. إن خطر جرائم الكراهية آخذ في الارتفاع، إلى جانب التوترات الاجتماعية والسياسية المنتشرة. وستشكل مواجهة هذا التهديد صراعا سيخوضه كل حي ومدينة وولاية وكيان فيدرالي، وتحديا يتطلب قيادة أخلاقية وكفؤة وتظهر التعاطف المطلوب مع الضحايا.