أوّل الكلام آخره:
- يعد الحظر الأخير لـ TikTok على جميع الأجهزة الفيدرالية أحدث تقييد للمنصة تقوم به الحكومة الأمريكية لما يشكله التطبيق من تهديد محتمل للأمن القومي.
- يأتي النقاش حول المنصة وسط منافسة إستراتيجية مكثفة بين الولايات المتحدة والصين في مجالات التجسس وجمع البيانات والتقنيات الناشئة.
- بالنظر إلى سجل الصين في الرقابة والدعاية وعمليات التأثير، فإن السؤال المتعلق بالوصول إلى البيانات والتحكم في المحتوى هو المفتاح لفهم الآثار المترتبة على الأمن القومي الأمريكي.
- يعيد حلفاء الولايات المتحدة أيضا (مثل الاتحاد الأوروبي) تقييم الضمانات المقدمة في تقنيات الاستخدام المزدوج وبحث معايير الثقة والأمان عبر الإنترنت.
أدى التهديد المتصور للأمن القومي الذي يشكله تطبيق TikTok إلى عدد من القيود التي فرضتها الحكومة الأمريكية، حيث أصدر الكونغرس الأمريكي مؤخرًا تشريعًا يحظر التطبيق على جميع أجهزة الحكومة الفيدرالية. وقد اكتسب التطبيق شعبية كبيرة منذ إطلاقه في عام 2017، وخاصة بين الأطفال والمراهقين والشباب، وبات له اليوم أكثر من مليار مستخدم حول العالم منهم أكثر من 130 مليونا في الولايات المتحدة. وقد أعربت دول أخرى عن مخاوفها بشأن تداعيات التطبيق المحتملة على الأمن القومي؛ ففي يونيو 2020، حظرت الهند التطبيق وتطبيقات صينية أخرى. وتنبع المخاوف من العلاقات القائمة بين الشركة الأم المالكة لشركة TikTok الصينية، وهي شركة ByteDance، والحزب الشيوعي الصيني. وقد وردت بعض التقارير عن جمع بيانات العملاء لأغراض مريبة، فضلا عن خضوع المنصة لرقابة الحزب الشيوعي الصيني.
ويأتي النقاش حول TikTok وسط منافسة إستراتيجية مكثفة بين الولايات المتحدة وجمهورية الصين الشعبية ولا سيما في مجالات التجسس وجمع البيانات والتقنيات الناشئة. ويقع المقر الرئيسي لشركة ByteDance في بكين بالصين، ومثل معظم الشركات التي تملكها الصين وتشغلها، فإنها خاضعة لتأثيرات الحزب الشيوعي الصيني. ويتضمن المخطط التنظيمي لـ ByteDance لجنة الحزب الشيوعي الصيني التي تهدف إلى ضمان التزام الشركة بقيم الحزب وأيديولوجيته وسياساته وبأفكار تشي جين بنغ. وكان Wu Shugang، مسؤول الحزب الشيوعي الصيني في مجلس إدارة ByteDance، قد قضى معظم حياته المهنية في الحزب يعمل على الدعاية وتنظيم الإنترنت والرقابة. وفي حين أن هذا النفوذ للحزب الشيوعي ليس نادرًا في الشركات الصينية المملوكة للقطاع الخاص، وخاصة شركات التكنولوجيا الكبيرة، فإنه يثير الشكوك حول سيطرة الحزب المحتملة على TikTokواحتمال تمكنه من الوصول إلى قاعدة بيانات مستخدميه العالميين. كما أن شركة ByteDance ومنصاتها بما في ذلك TikTok ملزمة قانونًا بالامتثال لطلبات الجهات الأمنية في الصين وقد تضطر إلى تسليم بيانات المستخدمين الحساسة إذا طُلب منها ذلك.
وبينما تتفاوض TikTok حاليًا مع الجهات الأمريكية ذات العلاقة وتقدم الوعود والمقترحات والخطط لحماية بيانات المستخدمين الأمريكية، لا يزال الخبراء متشككين في ضوء روابط الحزب الشيوعي الصيني بالشركة والتحديات الأوسع المتعلقة بإدارة خصوصية البيانات عبر الإنترنت. وفي حين أنه من الشائع لمنصات التواصل الاجتماعي جمع بيانات المستخدمين الحساسة، فإن ما يثير القلق هو احتمال استخدام الحكومة والجهات الأمنية لهذه البيانات لأغراض ضارة – مثل تعقب المعارضين السياسيين ومنتقدي النظام، والتأثير على الرأي والانتخابات، وتطوير الاستخدامات المزدوجة. وبينما نفت TikTok مرارًا وتكرارًا مشاركة بيانات المستخدمين الأمريكية مع الحكومة الصينية، أقرت ByteDance في ديسمبر 2022 أن الموظفين في الصين والولايات المتحدة حاولوا تحديد مصادر اثنين من الصحفيين الأمريكيين من خلال الاستعلام عن البيانات الشخصية الخاصة بالصحفيين واتصالاتهم على TikTok.
يجري الحديث أيضا عن إمكانية التلاعب بخوارزمية التطبيق للتأثير على المستخدمين لصالح الحزب الشيوعي الصيني. ولا شك أن احتمال أن تكون ByteDance وبالتالي TikTok خاضعة للرقابة والتوجيه من الحزب الشيوعي الصيني (بما قد يعنيه ذلك من أن تصبح منصة لنشر الدعاية والمعلومات المضللة) يمثل تحديا رئيسيا لحرية التعبير والكلام والأمن القومي في البلدان الديمقراطية. وقد كشفت الوثائق المسربة من فريق الإشراف في TikTok، فضلا عن بعض الأبحاث والتحليلات المستقلة، عن قيام خوارزمية المنصة بقمع المحتوى الذي ينتقد الحزب الشيوعي الصيني، بما في ذلك كل ما ينتقد انتهاكات الحزب لحقوق الإنسان وقمعه للأقليات العرقية. وفي الوقت نفسه، تشير تقارير المبلغين عن المخالفات التي نفتها شركة ByteDance إلى أن تطبيق الأخبار باللغة الإنجليزية الذي توقف تشغيله، TopBuzz، روج لمحتوى يصور الصين بطريقة إيجابية بينما يفرض الرقابة على المحتوى الذي يصوّر البلاد بطريقة سلبية. وفي الواقع، ففي حين أن قيادة TikTok وموظفيها في الولايات المتحدة قد يقدمون بعض الضمانات، فإن الشركة الأم لا تزال خاضعة للقوانين والإجراءات التي يفرضها الحزب الشيوعي الصيني وتلتزم بها.
ونظرًا لسجل الحزب الشيوعي الصيني الحافل بالرقابة والدعاية، بالإضافة إلى اعتمادها مؤخرا سياسة استخدام المعلومات الخاطئة والمضللة أداةً للسياسة الخارجية، فإن فهم آليات الترويج والتحكم هو المفتاح لفهم تداعيات التطبيق على الأمن القومي. ومع ذلك، فإن المعلومات المضللة ولا سيما المرتبطة بالجهات الفاعلة الحكومية هي قضية خطيرة على جميع منصات وسائل التواصل الاجتماعي الرئيسية. إن التهديدات المتعلقة بإمكانية التجسس واختراق المنصات مثيرة للقلق بنفس القدر – كما يتضح من إدانة موظف تويتر السابق باستخدامه منصة التواصل الاجتماعي للتجسس على المعارضين السعوديين. ولعل اهتمام الحكومات الاستبدادية بالوصول إلى المحتوى والتأثير عليه عبر منصات وسائل التواصل الاجتماعي يجعل مساءلة TikTok عن هيكلها التنظيمي وشفافيتها وتبعيتها لـ ByteDance، وبالتالي، للحزب الشيوعي الصيني أمرا أقل أهمية.
ويعيد حلفاء الولايات المتحدة أيضا (مثل الاتحاد الأوروبي) تقييم الضمانات المقدمة في تقنيات الاستخدام المزدوج وبحث معايير الثقة والأمان عبر الإنترنت. وفي 19 يناير، حذر مفوض السوق الداخلية في الاتحاد الأوروبي، تيري بريتون، من إمكانية حظر التطبيق إذا لم يمتثل لقواعد المحتوى. ويأتي هذا الإعلان في أعقاب حكم صدر مؤخرًا عن لجنة حماية البيانات الأيرلندية والذي أدى إلى فرض غرامة قدرها 400 مليون دولار على الشركة الأم لـ Facebook بسبب انتهاكاتها للائحة حماية البيانات العامة للاتحاد الأوروبي. وتتابع المفوضية الأوروبية أيضًا تحقيقات متعددة تتعلق بإرسال TikTok بيانات مستخدم من الاتحاد الأوروبي إلى الصين. وتناقش كل من اليابان وهولندا وضع ضوابط تصدير على أشباه الموصلات مثل تلك التي كشفت عنها إدارة بايدن في أكتوبر.