أوّل الكلام آخره:
- يسلط الخلاف الدبلوماسي بين الصين وبنغلادش الأسبوع الماضي الضوء على مخاوف الصين بشأن احتمال توسيع الحوار الأمني الرباعي أو ما يعرف بـ «الكواد».
- يثير الحوار الأمني الرباعي قلق الصين وهذا يفسر لماذا حاولت بكين جاهدة منع الدول الآسيوية الأخرى من الانضمام إلى التحالف الناشئ.
- إن موقع بنغلادش الجيوستراتيجي في آسيا يجعل انضمام دكا إلى «الكواد بلس» بمثابة خنجر في خاصرة الصين.
- تشكل الحالة في بنغلادش نموذجا مصغرا لبعض أهم التحديات التي تواجهها إدارة بايدن في منطقة الهند والمحيط الهادئ.
يسلط الخلاف الدبلوماسي بين الصين وبنغلادش الضوء على مخاوف الصين بشأن احتمال تشكيل «كواد بلس».ففي 10 أيار / مايو، حذر سفير الصين لدى بنغلادش، لي جيمينغ، من أنه إذا سعت بنغلادش للانضمام إلى الرباعية، وهو منتدى غير رسمي متعدد الأطراف يتألف من الولايات المتحدة واليابان والهند وأستراليا وتعده الصين محاولة لاحتواء نفوذها في آسيا، فإن العلاقة بين البلدين ستعاني «من أضرار كبيرة». وفي اليوم التالي، رد وزير خارجية بنغلادش، أبو الكلام عبد المؤمن، منتقدا الصين لانتهاكها سيادة بنغلادش وحقها في رسم سياستها الخارجية. وفي الوقت نفسه، أكد عبد المؤمن أيضا أن بنغلادش لم تتلق أي اقتراحا بالانضمام إلى المجموعة من الدول الأعضاء. وبصرف النظر عن تسليط هذه الحادثة الضوء على الدبلوماسية العدوانية المتزايدة للصين، والتي يطلق عليها اسم «دبلوماسية الذئب المحارب»، فإنها تشير أيضا إلى عدم ارتياح الصين بشأن توسيع الرباعية لتشمل دولا آسيوية أخرى، مما قد ينتهك مجال نفوذها الجيوسياسي المتصور.
والحقيقة أن مخاوف بكين ليست بالضرورة بلا أساس. فلقد كان الحوار الأمني الرباعي منذ تشكيله عام 2007 منتدى حوار متعدد الأطراف ولكنه متوقف الأنشطة، إلا أن ذلك تغير منذ عام 2017 وأصبح أكثر فعالية، وهو الاتجاه الذي استمر في ظل إدارة بايدن. وفي حين أن الرباعية، على عكس الناتو، ليست تحالفا أمنيا رسميا، فقد أجرى أعضاؤها مناورات عسكرية مشتركة في المحيط الهندي والمحيط الهادئ، وأصدروا بيانا مشتركا، كما أنهم يخططون اليوم لعقد اجتماع بحضور الأعضاء على هامش قمة مجموعة الدول الصناعية السبع في حزيران / يونيو. وفي حين قلل وزير الخارجية الصيني وانغ يي من شأنه وشبهه بـ «زبد البحر» في 2018، كان مسؤولو الحزب الشيوعي الصيني ووسائل الإعلام الصينية المدعومة من الدولة أعلى صوتا في انتقاد الرباعية، متهمينها بأنها «تحالف معاد للصين» يشجع على عقلية الحرب الباردة ويهدف إلى احتواء بكين. وفي حين تؤكد المجموعة أن اهتمامها الأساسي يدور حول «الرؤية المشتركة لمنطقة المحيط الهادئ والهند الحرة والمفتوحة»، يتفق المحللون بشكل عام على أن سبب تنشيط الرباعية هو سياسة شي جين بينغ الخارجية العدوانية المتزايدة. وفضلا عن ذلك، أشار الاجتماع الرباعي حول وباء كورونا، في آذار / مارس 20، والذي ضم أيضا مسؤولين من كوريا الجنوبية وفيتنام ونيوزيلندا، إلى أن المجموعة قد تتطلع إلى توسيع عضويتها من خلال تشكيل «كواد بلس». ومما لا شك فيه أن هذا الاحتمال يقلق الصين وقد يفسر لماذا حاولت بكين بقوة ردع الدول الآسيوية المهمة استراتيجيا عن اتخاذ مثل هذه الخطوة.
إن موقع بنغلادش الجيوستراتيجي في آسيا يجعل احتمال انضمام دكا إلى «كواد بلس» شوكة في الخاصرة الصينية. فمدينة دكا لا تقع بالقرب من خليج البنغال فحسب، وهو طريق تجاري رئيس كان أيضا مكانا لممارسة تدريبات الرباعية البحرية المشتركة مؤخرا، إنما هي أيضا بلد متلق لمبادرة الحزام والطريق الصينية. وتحتفظ بنغلادش بعلاقات قوية مع العديد من أعضاء الرباعية، ومن المرجح أن يكونوا حذرين من وضع دكا في موقف صعب. فضلا عن ذلك، تتمتع دكا بعلاقات وثيقة مع الهند وستعمل على مراعاة مخاوف شركائها الإقليميين المقربين، وستكون الحكومة البنغلادشية مترددة في الانخراط في صراع محتمل يهدد بتعريض علاقاتها الإقليمية الرئيسة للخطر. وقد جاء تهديد الصين لبنغلادش في الوقت المناسب. ففي الوقت الذي كانت فيه الهند المجاورة تكافح لمحاربة وباء الكورونا المدمر وتوقفت فيه صادرات اللقاحات، قدمت بكين 500,000 جرعة إلى بنغلادش في 12 أيار / مايو. وفي حين وعد أعضاء الرباعية بتسليم مليار جرعة لقاح إلى البلدان النامية في المحيط الهندي والمحيط الهادئ بحلول نهاية 2022، لم يصرّح إلا عن القليل من التفاصيل حول المشروع منذ إعلانه في آذار / مارس، مما ترك الباب مفتوحا أمام الصين للمتابعة في «دبلوماسية اللقاحات» العدوانية في المنطقة. وتعد الصين طرفا فاعلا مهما في حل التوترات بين بنغلادش وميانمار، بما في ذلك قضية ضمان مستقبل آمن للروهينغا.
إن المستقبل وحده كفيل بإثبات قوة التجمع الرباعي فيما يتعلق بالقضايا الأمنية، وما إذا كان سيصبح في نهاية المطاف تحالفا رسميا، وما إذا كان «كواد بلس» سيتبلور على أرض الواقع. وقد تصبح إمكانية تشكيل «كواد بلس» أكثر واقعية بعد قمة بايدن الأخيرة مع نظيره الكوري الجنوبي مون جاي في واشنطن الأسبوع الماضي، حيث ناقشا الخطوات المختلفة لإقامة شراكة أوثق من أجل التنافس مع الصين. غير أن الحالة في بنغلاش توضح التحدي الذي تواجهه إدارة بايدن في منطقة المحيط الهندي والمحيط الهادئ. وحتى اليوم، يحذو بايدن حذو ترامب في تعامله مع الصين، مع عنصر إضافي متمثل في إشراك الحلفاء والشركاء. وفي الوقت الذي يواجه فيه بايدن ضغوطا داخلية لكي يحافظ على صرامته الحالية مع الصين، يتعين عليه أيضا أن يضمن أن سياسته الخارجية لن تعادي الحزب الشيوعي الصيني إلى الحد الذي تزعزع فيه استقرار المنطقة وتؤدي إلى خلق المشاكل للحلفاء والشركاء. ولا تزال العديد من الدول الإقليمية تتصور بأن فكرة «الاختيار» بين الولايات المتحدة والصين فكرة غير مجدية، ويجب على واشنطن أن تأخذ ذلك في الاعتبار عند رسم مستقبل الرباعية والاستراتيجية الأمريكية الشاملة للمحيطين الهادئ والهندي.