أوّل الكلام آخره:
- أظهرت مذبحة بوكو حرام التي أسفرت عن عشرات الضحايا من المزارعين بالقرب من مدينة مايدوغوري أن للجهاديين حضورا قويا في المناطق الريفية والمراكز المأهولة بالسكان.
- إن غياب الاتصالات الفعالة بين الجيش النيجيري والمزارعين قد حال دون التدخّل السريع لمنع هجوم بوكو حرام.
- إن العقاب الجماعي الذي تفرضه بوكو حرام على المدنيين عند إبلاغهم عن الحركات الجهادية يصعّب التعاون بين السكان والجيش.
- لا تزال التدابير التي ستتخذها القيادة النيجيرية لمنع وقوع مذبحة أخرى مبهمة، ولكن تشتد الحاجة إلى إجراء تغييرات في الاستراتيجيات المتبعة.
في نهاية تشرين الثاني / نوفمبر، أقدمت جماعة بوكو حرام، بقيادة زعيمها أبو بكر شيكاو، على ذبح مزارعين في قرية كوشيبي، مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 110 من المدنيين. وفي حين كان معظم القرية مهجورا نتيجة للحرب بين بوكو حرام والجيش النيجيري، فإن عددا من المزارعين المهاجرين المتمركزين في زبرماري القريبة كانوا لا يزالون يرعون الحقول في كوشيبي ويعودون إلى زابرماري عند حلول الليل. ومن المعروف أن بوكو حرام تعمل في نطاق مدينة مايدوغوري، عاصمة ولاية بورنو. كما أن منافس بوكو حرام الأقوى، تنظيم داعش في ولاية غرب إفريقيا، لايزال نشطا للغاية حول هذه المدينة. وعليه، كان من المستغرب إلى حد ما أن تتمكن بوكو حرام من تنفيذ مثل هذه العملية الكبيرة في كوشيبي، التي تبعد 15 كيلومترا عن زبرماري و27 كيلومترا عن مايدوغوري.
إن حضور كل من تنظيم داعش في ولاية غرب إفريقيا وجماعة بوكو حرام بالقرب من مايدوغوري لا يبشر باستعادة قريبة للأمن الذي كانت تنعم به ولاية بورنو. والواقع أن قدرة التنظيمين على تحريك مقاتليهما بسهولة حول مايدوغوري تدل على مدى خطورة الوضع في مايدوغوري نفسها وهي التي تعدّ «المنطقة الخضراء» في بورنو. ولا يتعلق الوضع الأمني بالمدنيين والعسكريين فحسب، بل أيضا بالوكالات الإنسانية التي تتخذ من مايدوغوري مقرا لها وتنتقل منها إلى المناطق الريفية لتقديم الخدمات. فعلى سبيل المثال، قتل تنظيم داعش في ولاية غرب إفريقيا خمسة من عمال الإغاثة في تموز / يوليو، بعد اختطافهم في شمال شرق نيجيريا. أما المذبحة الأخيرة، فقد كان من الممكن تجنبها لو أن الجيش تواصل بشكل أكثر فعالية مع المزارعين. فالمذبحة وقعت في الوقت الذي كانت تجري فيه انتخابات بورنو، ومنع الجيش السفر إلى كوشيبي من أجل توفير قدر أكبر من الأمن للمناطق المأهولة بالسكان، بما في ذلك قرية زبرماري. ولا تزال التفاصيل غامضة، ولكن يبدو أن المزارعين لم يكونوا على علم بهذه القيود، ولم يكن الجيش على علم بتحركات المزارعين. وعليه، لم يكن الجنود مستعدين لحماية المزارعين من هجمات بوكو حرام. وربما لم تكن بوكو حرام نفسها تخطط مسبقا للمذبحة. ووفقا لتقارير محلية، اعتقل أفراد من جماعات الأمن الأهلية بالقرب من كوشيبي أحد أعضاء بوكو حرام وسلموه إلى قوات الأمن، التي قتلته بعد ذلك. ومن المرجح أن تكون المذبحة، التي تخللها قطع رؤوس أكثر من 40 مزارعا، شكلا من أشكال الانتقام، فضلا عن أنها تظهر كيف يمكن لانتهاكات الجيش وقوات الأمن أن تحمل نتائج عكسية.
وقد تبنت بوكو حرام مسؤولية المذبحة في شريط فيديو نشره قائد مغطى الوجه موال لشيكاو زعيم التنظيم. وقال هذا القائد في هذا التسجيل، متحدثا باللغة الهوسية، «تعتقدون أنه يمكنكم أخذ أخينا وتسليمه إلى الجيش والعيش بسلام… يجب أن تدركوا أنه ما لم تتوبوا، لن تنالوا منّا غير ما حصل اليوم لشعبكم. سننهيكم جميعا». وقد أنهى هذا الفيديو أي تكهنات تدور حول احتمال أن يكون تنظيم داعش هو الذي ارتكب هذه المذبحة. وعلى الرغم من أن تنظيم داعش يعد بشكل عام أكثر تساهلا مع المدنيين من بوكو حرام، فإنه أقدم في وقت سابق من هذا العام على ذبح مدنيين تعاونوا مع الجيش، بما في ذلك في بلدة غوبيو، شمال مايدوغوري. ومن شأن هذه المذبحة أن تقلل من ثقة الناس في بورنو وفي نيجيريا عموما في الجيش وقدرته على هزيمة بوكو حرام، ناهيك عن التحدي الذي يشكله تنظيم داعش. وعلى مدى سنوات، وعد القادة السياسيون في نيجيريا بأن هزيمة الجهاديين وشيكة. زد على ذلك أنها ستثني المدنيين عن التعاون مع الجيش والإبلاغ عن الحركات الجهادية. ورغم أن هذه المجازر لن تدفع المدنيين إلى التعاون مع الجهاديين، ولكنها قد تجبرهم على الخضوع أو على العيش في حالة من الحياد الصامت.
وعلى أبسط المستويات، ولمنع وقوع مذبحة أخرى مماثلة، يتوجب على الجيش النيجيري أن يضمن تواصله بشكل أكثر فعالية مع المدنيين، وخاصة في أوقات الأحداث الكبرى مثل الانتخابات. كما تتردد أحاديث عن السماح للمزارعين بتسليح أنفسهم، الأمر الذي من شأنه أن يمكّنهم من الدفاع عن أنفسهم إذا شنت بوكو حرام أي هجمات. ولكن هذا ليس الحل الأفضل، فإذا اشتبك المزارعون مع بوكو حرام وقتلوا أيّا من أعضائها، فإن الاحتمال ضعيف بأن يتمكن المزارعون من الصمود أمام مقاتلي بوكو حرام الذين يتفوقون عليهم من الناحية العددية والتكتيكية في حال قرروا الانتقام. ولا إجابات سهلة على الأسئلة في حرب مكافحة التمرد، خاصة بالنظر إلى التطورات الأخيرة في بورنو. ومع ذلك، فإن المذبحة تكشف الحاجة الملحة إلى أن تكرّس القيادة في نيجيريا نفسها لاجتراح حلول أفضل. وقد تشمل الحلول إعادة تنظيم القيادة العسكرية ونقل المزيد من السلطة إلى حاكم ولاية بورنو، باباجانا زولوم، للتأثير في الاستراتيجية العسكرية والإجراءات القانونية ومبادرات التنمية. وعلى الرغم من أن زولوم يفضل اتباع نهج إنساني وتنموي لكسب الحرب، إلا أن التقارير تفيد أنه يفكر أيضا في اتخاذ تدابير أكثر صرامة، مثل توظيف المرتزقة. غير أنه لم يتضح بعد ما إذا كانت هذه الفكرة أو غيرها على مستوى الاستراتيجيات والسياسات ستكون ناجحة.