أوّل الكلام آخره:
- أنكرت الحكومة المالية ما تسرّب عن وقوع مذبحة في مورا بمالي، وهي تعيق حتى الآن أي تحقيق ميداني مستقل تجريه الهيئات الدولية.
- وتفيد بعض التقارير أن المرتزقة الروس من مجموعة فاغنر ربما يكونون قد شاركوا في مذبحة مورا أو كانوا على علم بها، نظرًا لدورهم في تدريب الجهات الأمنية المالية وتقديم المشورة لها.
- يُتوقع بعد المذبحة أن تستمر القولبة النمطية لعرقية الفولاني على نحو لا يُنظر فيه إليهم إلا بوصفهم مؤيدين للجماعات الجهادية، ولهذا تداعيات سلبية على الأمن المدني وجهود مكافحة التمرد على المدى الطويل.
- مع انتقال نشاط القاعدة وداعش من الشرق الأوسط إلى إفريقيا، من المرجح أن يزداد تدهور الوضع الأمني في مالي.
في 1 نيسان (أبريل)، أعلنت الحكومة المالية نجاحا عسكريا بقتلها لأكثر من 200 «مسلح» في مورا. على أن بعض التقارير الواردة من مورا وبعض الصور المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي تفيد أن الصورة لم تكن على هذا النحو تماما. فقد أظهرت بعض الشواهد أن معظم المتوفين في مورا، إن لم يكن جميعهم، كانوا من المدنيين. وقد زعمت هيومن رايتس ووتش أن العملية العسكرية بين 27 و31 آذار (مارس) في مورا تضمنت إعدام ما يقرب من 300 رجل، ورأت أن «الحادث هو أسوأ عمل وحشي يُبلّغ عنه في النزاع المسلح في مالي منذ عقد». وتحفظت مالي على السماح لمنظمات حقوق الإنسان المستقلة أو الهيئات الدولية، مثل الأمم المتحدة، بالتحقيق في الأحداث التي وقعت في مورا. وبدلًا من ذلك، وعدت مالي بأن تقوم محكمة عسكرية بالتحقيق في المذبحة المزعومة. غير أن احتمال تسييس مثل ذلك التحقيق عال، وقد يوفر فرصًا للسلطات المالية للتستر على المذبحة.
وتدعي الحكومة المالية أن ما جرى كان في سياق عملية لمكافحة الإرهاب موجهة ضد جماعة نصرة الإسلام والمسلمين التابعة للقاعدة، والتي تعمل في محيط مورا. وإذا كانت المذبحة قد وقعت بالفعل، فهي تشير إلى أن الجيش حمّل المدنيين مسؤولية الهجمات المستمرة التي تشنها جماعة النصرة. وهذا يكرس الصورة النمطية في منطقة الساحل التي لا ترى في أصحاب العرق الفولاني إلا داعمين لجماعة النصرة، وذلك ببساطة لأن مجندي هذه الجماعة هم في الغالب، وإن لم يكن ذلك حصريًا، من الفولانيين في المنطقة. ومما يزيد من تعقيد أي تحقيق في مذبحة مورا أن المرتزقة الروس، وتحديدًا من مجموعة فاغنر، يسهمون في تدريب الجيش المالي ويرافقونه في مهام مكافحة الإرهاب. وعلى الرغم من أن روسيا تنكر في كثير من الأحيان أي ارتباط رسمي بهؤلاء المرتزقة، وأنه يُزعم أنهم في مالي لتدريب الجنود فقط، فقد أصيب بعضهم في القتال مع جماعة النصرة، كما حصل مؤخرا عندما توفي مدرب روسي بعد مرور سيارة فوق لغم أرضي. وهذا يعطي بعض المصداقية للتقارير المبكرة التي تفيد بأن بعض الروس كانوا مع الجنود الماليين عندما وقعت مذبحة مورا.
وعلى نطاق أوسع، تسببت الحملات الروسية الوحشية والعشوائية في مدن مثل حلب في سوريا وماريوبول في أوكرانيا في التدمير الكامل للبنية التحتية المدنية ووقوع العديد من القتلى المدنيين. وما حدث في مورا يشبه إلى حد بعيد الحملات الروسية في الخارج ويشير إلى إمكانية التأثير الروسي على ما يسمى باستراتيجية مكافحة الإرهاب المستخدمة في مورا. وستظل النتيجة النهائية هي عزل المدنيين الماليين عن الحكومة والجيش الماليين، الأمر الذي قد يدفع المدنيين، وخاصة من أبناء العرق الفولاني، إلى أحضان جماعة النصرة، أو في الحد الأدنى بعيدا عن الحكومة. وقد أشارت حكومة مالي بالفعل إلى أنها تفضل من أجل تعزيز قدراتها الأمنية مجموعة فاغنر على الجهات الفاعلة الدولية؛ ومذبحة مورا هي لمحة عما يمكن أن يكون سلوكا ممنهجا إذا ما عززت الحكومة المالية اعتمادها على المرتزقة الروس.
ويعكس الوضع في مورا عجز مالي عن وقف تيار جماعة النصرة سياسيًا أو عسكريًا، أو تيار تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى، أو غيرها من العصابات والميليشيات في البلاد وعلى طول أراضيها الحدودية. ومن الناحية السياسية، فقد أدى الانقلاب العسكري في عام 2021 الذي أطاح بالرئيس المنتخب ديمقراطيًا في مالي إلى فترة من التزعزع السياسي، وقد نفّر هذا الدول الأوروبية ودفعها إما إلى تقليص دعمها العسكري لمالي أو الانسحاب تمامًا، كما حدث مع فرنسا في وقت سابق من هذا العام. وعلى الجانب العسكري، ترك تراجع دعم الشركاء الأوروبيين فراغًا، مما دفع مالي إلى اللجوء إلى روسيا. ويبدو أن روسيا قد تمكنت بالفعل من الحصول على دعم مالي ودول أفريقية أخرى في المنتديات الدبلوماسية مثل الأمم المتحدة؛ ومن بين الدول التي امتنعت عن إدانة الغزو الروسي عدة دول أفريقية لمجموعة فاغنر فيها حضور ملحوظ. إن الاعتماد المفرط على تدابير مكافحة الإرهاب العسكرية على حساب اعتماد مناهج أكثر شمولية ووقائية يعني أن التمرد قد يترسخ أكثر في مالي. ومع انتقال نشاط القاعدة وداعش من الشرق الأوسط إلى إفريقيا – التي شهدت ما يقرب من 50 % من جميع الهجمات التي نفذتها «ولايات» داعش – من المرجح أن يتدهور الوضع الأمني في مالي أكثر. وقد يتعقد الوضع أكثر إذا اضطرت مجموعة فاغنر إلى تحويل تركيزها إلى أوكرانيا وترك المزيد من الثغرات الأمنية في جميع أنحاء إفريقيا، مما قد يزيد من زعزعة استقرار تلك البلدان التي تعتمد على فاغنر في بعض متطلباتها الأمنية.