أوّل الكلام آخره:
- في مثل هذا اليوم قبل عامين، قام مسلح مدفوع بدوافع قومية متعصبة معادية للسامية بقتل أحد عشر مصلّيا في كنيس «شجرة الحياة» في بيتسبرغ في ولاية بنسلفانيا.
- على مدى السنوات الماضية، تزايدت الحوادث المعادية للسامية، بما في ذلك الاعتداءات الجسدية، في كل من الولايات المتحدة وأوروبا.
- لا يمكن القول إن كل المتطرفين اليمينيين معادون للسامية بالضرورة، إلا أن التداخل الكبير بين الأيديولوجيات التي تروجها مختلف عناصر اليمين المتطرف واضح، بما في ذلك أصحاب نظريات المؤامرة مثل تنظيم كيو.
- خلال الأشهر الثمانية الماضية خلال جائحة كورونا، شكلت جماعات العنصريين البيض ضغطا كبيرا لتعزيز معتقداتها وتجنيد أعضاء جدد.
في 27 تشرين الأول / أكتوبر 2018، أي قبل عامين تحديدا، قام مسلح يميني مدفوع بدوافع قومية متعصبة ومعادية للسامية والأجانب بقتل أحد عشر مصلّيا وإصابة آخرين في كنيس «شجرة الحياة» في بيتسبرغ في ولاية بنسلفانيا. وكان الهجوم بمثابة تذكير مؤلم بتفشي معاداة السامية وكره الأجانب والعنصرية التي لا تزال عميقة الجذور في المجتمع الأمريكي. وكان القاتل في هجوم الكنيس مهووسا بمجموعة من المعتقدات المتطرفة اليمينية، إذ كان يمضي وقتا طويلا في نشر مواد عنصرية ومعادية للسامية ومعادية للمهاجرين على وسائل التواصل الاجتماعي، مما ساعد بدوره على تحفيز الآخرين للتطرف. وكان المسلح مقتنعا على نحو راسخ بمعتقدات قوية مناوئة للدولة، ووفقا لزملائه السابقين في العمل ومنشوراته على وسائل التواصل الاجتماعي، فإنه كان كثيرا ما ينتقد المهاجرين و«المعولمين» وجورج سوروس، الذي كان يعتقد أنه يمول «قافلة للمهاجرين»، وهي مؤامرة لا أساس لها تشيعها البرامج التلفزيونية اليمينية وتعمد الشخصيات الإذاعية الحوارية إلى تضخيمها.
وعلى الرغم من كل الدمار الذي لحق بكنيس «شجرة الحياة»، فلم يكن الهجوم حادثا منعزلا، فالحوادث المعادية للسامية، بما في ذلك الاعتداءات الجسدية، كانت تتفاقم في كل من الولايات المتحدة وأوروبا على مدى السنوات الماضية. وربما ليس من الصدفة أن يرتبط الارتفاع الحاد في حوادث معاداة السامية بتجاهل محرقة الهولوكوست في مناهج التعليم. فاليوم، يبحث الناس أكثر من أي وقت مضى عن نظريات المؤامرة على الانترنت وهم «يتعلّمون» عن الأحداث التاريخية من خلال الميمات وفي غرف الدردشة المشفرة حيث تتداول الصور النمطية والحكايات المعادية للسامية بتزايد مطّرد. وفي وقت سابق من هذا الشهر، اتخذ فيسبوك خطوة غير مسبوقة بحظر المنشورات المتعلقة بإنكار محرقة الهولوكوست أو التخفيف من شأنها. وتعد هذه الخطوة الأحدث في سلسلة الخطوات التي اتخذتها وسائل التواصل الاجتماعي وشركات التكنولوجيا، والتي كان ينبغي اتخاذ الكثير منها منذ سنوات عديدة، لإزالة المعلومات المضللة ونظريات المؤامرة عن منصاتها. وفي بعض الحالات، سيعاد توجيه الأفراد الذين يبحثون عن معلومات عن المحرقة أو ألمانيا النازية إلى مصادر موثوقة بشأن تلك المواضيع.
وقد دخلت الولايات المتحدة في أسبوع ما قبل الانتخابات، وهي الفترة التي ترتفع فيها احتمالات العنف بشكل استثنائي. وتمر البلاد بحالة من الاستقطاب لم تشهد لها مثيلا في الذاكرة الحديثة، وقد أحبطت العديد من المؤامرات التي تستهدف السياسيين على مدى الأسابيع القليلة الماضية، بما في ذلك مؤامرة الميليشيات المناوئة للدولة لخطف حاكمة ميشيغان غريتشن ويتمر وإيذائها. وليس كل المتطرفين اليمينيين معادين للسامية بالضرورة، إلا أن التداخل بين الأيديولوجيات التي تروجها مختلف الميليشيات المناوئة للدولة، وجماعات العنصريين البيض،ومجموعات النازيين الجدد، وعناصر أخرى من جماعات اليمين المتطرف، بما في ذلك أصحاب نظريات المؤامرة مثل تنظيم كيو، بيّن وظاهر وكبير. إن كل هذه الجماعات المذكورة، وإن بدرجات متفاوتة، هي جماعات مناهضة للعولمة وتتبنى نظريات المؤامرة التي تشير بأصابع الاتهام إلى النخب المسؤولة عن السيطرة على الأمور كافة، من السياسة إلى التمويل. كما أنها تصف هذه المؤامرة العالمية بـ«حكومة الاحتلال الصهيوني»، مما يؤدي إلى استمرارية معاداة السامية ويشجع الهجمات ضد المؤسسات والأفراد اليهود.
وعلى مدى الأشهر الثمانية الماضية، ومع الإغلاق العالمي نتيجة للحجر الصحي وتدابير البقاء في المنزل جراء وباء كورونا، ازداد استخدام الناس لشبكة الإنترنت. وقد استغلّت جماعات العنصريين البيض هذا الأمر لتعزيز معتقداتها وتجنيد أعضاء جدد من الشباب. ونظرا لتواتر الأخبار السيئة على وسائل الإعلام واطّرادها، إلى جانب تغطية الانتخابات الرئاسية لعام 2020 على مدار الساعة، بدأ العديد من الناس يعانون من الإرهاق بسبب الأخبار. ومع ذلك، فمن المهم أن تتضافر جهود الولايات والحكومات المحلية ومنظمات المجتمع المدني والمواطنين لصد خطاب الكراهية، الذي غالبا ما ينتشر بطرق خبيثة وخفية. وكانت مدينة بيتسبرغ والمجتمعات اليهودية في جميع أنحاء العالم تترنح في أعقاب هجوم كنيس «شجرة الحياة»، ولكنها توحدت لتعزيز التعليم والتسامح وأهمية التنوع والشمولية. وهذه كلها خطوات مهمة لاتخاذ موقف صريح لا لبس فيه ضد معاداة السامية والتمييز والعنصرية، مما يسمح للمجتمعات المحلية ببدء التعافي، وفي الوقت نفسه نقض السردية البغيضة التي ينشرها المتطرفون اليمينيون.