أوّل الكلام آخره:
- يتخوّف بعض المحللين من سيناريو مرعب ينتظر أفغانستان بمجرد انسحاب الولايات المتحدة، يتمثل في انهيار الحكومة واستيلاء طالبان على مقدرات الدولة.
- تظهر الهجمات الأخيرة أن الإرهابيين والمتمردين قادرون على شن ضربات تستهدف المدنيين، بمن فيهم النساء والأطفال، دون تحسب للعواقب في جميع أنحاء البلاد.
- تعد استراتيجية طالبان المتمثلة في اغتيال المسؤولين الحكوميين والصحفيين محاولة متعمدة لتقويض الثقة في الحكومة الأفغانية.
- مهما كان مستقبل أفغانستان، فمن المؤكد أن جيران كابول سيلعبون دورا محوريا في الأحداث المستقبلية.
كما كانت إدارة بايدن قد أعلنت في منتصف نيسان / أبريل، فستسحب الولايات المتحدة قواتها المتبقية من أفغانستان في موعد أقصاه 11 أيلول / سبتمبر 2021. وقد أرسل الإعلان موجات صادمة من كابول إلى واشنطن، ومع مرور الأسابيع، توضّحت المخاطر وزادت عددا. ويتمثل السيناريو المرعب في الانهيار التام للحكومة الأفغانية في مواجهة استيلاء طالبان العسكري على الدولة، والذي يعتقد بعض المحللين أنه وشيك بمجرد انسحاب الولايات المتحدة. وسيشكل هذا السيناريو مغنما للجماعات الجهادية العابرة للحدود الوطنية، بما في ذلك تنظيم القاعدة، الذي حافظ على علاقة متسقة مع طالبان على مدى العقدين الماضيين. وإذا حصلت القاعدة على ملاذ آمن وقدرة أكبر على المناورة، فإنها ستجند أعضاء جددا ويمكن أن تجعل أفغانستان وجهة جذابة مرة أخرى للمقاتلين الإرهابيين الأجانب. ومن شأن وجود ملاذ للمتشددين في أفغانستان، أو موطن للمقاتلين الإرهابيين الأجانب، أن يشكل مصدر قلق فوري وملحّ للمجتمع الدولي والجيران الإقليميين، لأنه سيزيد مرة أخرى من احتمال قيام الجماعات بالتخطيط لعمليات خارجية.
وكما يتضح من العديد من الهجمات البارزة التي وقعت مؤخرا، بما في ذلك تفجير مدرسة للبنات في كابول أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 90 شخصا وجرح نحو 150 آخرين، يمكن للإرهابيين والمتمردين شن ضربات تستهدف المدنيين، بمن فيهم النساء والأطفال، دون تحسب للعواقب في جميع أنحاء البلاد. وكانت طالبان قد نفت مسؤوليتها عن الهجوم، كما أن الهدف نفسه، وهو مدرسة في منطقة تضم أعدادا كبيرة من الهزارة، وهي أقلية عرقية في أفغانستان، يشير بأصابع الاتهام إلى تنظيم ولاية خراسان التابع لداعش، الذي يهاجم في كثير من الأحيان على أسس طائفية. إن استهداف النساء والأقليات العرقية هو بمثابة نذير للمستقبل الذي ينتظر أفغانستان إذا تمكنت طالبان من السيطرة على البلاد، مما يؤكد المخاوف الواسعة النطاق من أن انسحاب الولايات المتحدة الكلي سيؤدي إلى عكس مسار المكاسب التي تحققت في مجال حقوق المرأة وحصولها على التعليم والعمل ومشاركتها في الحياة العامة والسياسية، وإن كانت هذه المكاسب لا تزال متواضعة. ولعل هذا من أخطر العواقب المدمرة والمرعبة المرتبطة بالانسحاب الأمريكي. وفضلا عن ذلك، فإن الانسحاب سيزيد من تقويض الثقة في الولايات المتحدة نظرا للخطاب القوي السابق بشأن حقوق الإنسان، الذي كان الرئيس بايدن يسعى إلى إعادة تأكيده.
ولا يزال القتال مستمرا في جميع أنحاء أفغانستان بين مقاتلي طالبان وقوات الأمن الأفغانية. وقد يكون هجوم طالبان الأخير في مقاطعة لغمان بمثابة لمحة مسبقة لما ستشهده المدن والمحافظات في جميع أنحاء البلاد في الأشهر المقبلة. ووفقا لتقرير صادر عن مكتب المفتش العام، اكتسبت حركة طالبان قوة مضاعفة في بغلان وهلمند وقندهار وقندوز وأوروزغان. كما أن مسلحي طالبان يهاجمون بشكل مطرد للوصول إلى لشكرجاه، عاصمة مقاطعة هلمند. كما أن استراتيجيتها المتمثلة في اغتيال المسؤولين الحكوميين والصحفيين هي محاولة متعمدة لتقويض الثقة في الحكومة الأفغانية وتكشف عن التحضير المنهجي للمرحلة التالية من الصراع. والجدير بالذكر أن عدد نقاط تفتيش الشرطة التي تسيطر عليها الحكومة الأفغانية يتناقص، ويتحرك مقاتلو طالبان للسيطرة على الطرق السريعة الرئيسة. ولا تخفى الحالة الأمنية المتدهورة على البلدان التي لا تزال تربطها علاقات مع أفغانستان. فقد أعلنت أستراليا للتو إغلاق سفارتها في كابول، مشيرة إلى وجود مخاوف أمنية. وبينما تكهن الكثيرون بأن العنف المتتالي قد يجر البلاد إلى حرب أهلية، أظهرت طالبان أيضا صبرا استراتيجيا، خاصة وأنها تشعر اليوم أنها تعمل من موقع قوة. وفي ظل هذه الأحداث، سيواصل قادة طالبان محاولتهم لحث الجماعات المسلحة المتنافسة وكذلك قوات الأمن الأفغانية على الانشقاق، مع العمل في الوقت نفسه على تقويض الحكومة الأفغانية سياسيا حيثما أمكن ذلك.
ومن المؤكد أن باكستان لاعب رئيس في تقرير ما إذا كانت أفغانستان ستتمكن من تجنب المزيد من الانزلاق إلى حالات العنف وتزعزع الاستقرار. إن انتصار طالبان في أفغانستان قد يزيد من تشجيع المسلحين في باكستان الذين شنوا تمردا محتدما ضد الدولة لسنوات. وتشير التقارير التي نشرتها إذاعة أوروبا الحرة / راديو ليبرتي إلى أن حركة طالبان الباكستانية تواصلت مع المتمردين في مقاطعة بلوشستان المضطربة في باكستان. وتحدث وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن في وقت سابق من هذا الأسبوع مع رئيس أركان الجيش الباكستاني الجنرال قمر جاويد باجوه، مؤكدين الحاجة إلى العمل معا لضمان الأمن الإقليمي. وإذا كانت الولايات المتحدة ستقوم بصياغة استراتيجية فعالة لمكافحة الإرهاب في الخارج للتعامل مع تنظيم القاعدة والجماعات الجهادية الأخرى في أفغانستان، فإنها ستحتاج إلى تأمين قواعد عسكرية واستخباراتية لها في المنطقة. وبحسب ما ورد، تضغط روسيا على طاجيكستان وأوزبكستان لعدم السماح للولايات المتحدة بإنشاء قاعدة في أي من دول آسيا الوسطى. ويبقى من غير الواضح ما إذا كانت الولايات المتحدة ستبحث في مسألة إنشاء قاعدة في باكستان، ولكن بالنظر إلى أن الرأي العام في هذا البلد يعارضها بشدة، سيكون ذلك صعبا. ومهما حدث بعد ذلك في أفغانستان، فمن المؤكد أن جيران كابول سيلعبون دورا هاما في الأحداث المستقبلية، ومع تناقص الحضور الأمريكي يوما بعد يوم، لن تتمتع واشنطن بالدور العملي الذي كانت تتمتع به في السنوات العشرين الماضية.