أوّل الكلام آخره:
- استمرت الاحتجاجات في عدة مدن فرنسية على اقتراح القانون الأمني الذي يقيد تصوير عناصر الشرطة.
- تحولت بعض الاحتجاجات إلى أعمال عنف، إذ يسعى الفوضويون إلى اختطاف الحركة التي نشأت في المقام الأول ردا على القانون المقترح وعلى إساءة معاملة الشرطة للمواطنين.
- صرحت الهيئات التشريعية الفرنسية بأنها ستعدل لغة «المادة 24» دون ذكر أي تفاصيل حول التغييرات المزمعة.
- على مدى العقدين المنصرمين، ما فتئت فرنسا تجد نفسها بشكل دوري غارقة في الاحتجاجات ضد وحشية الشرطة، فضلا عن التوترات المتفاقمة خاصة بين الشرطة وجماعات الأقليات.
للسبت الثاني على التوالي، تهتز فرنسا على وقع الاحتجاجات الصاخبة في جميع أنحاء البلاد للتنديد بمشروع قانون أمني مقترح يتضمن قيودا على تصوير عناصر الشرطة. وقد اندلعت الاحتجاجات، التي تحول بعضها إلى أعمال عنف، في باريس ومرسيليا ورين وليون، فضلا عن العديد من المدن الفرنسية الصغيرة الأخرى. ومن أهم العوامل الرئيسة الأخرى في الاحتجاجات مقطع فيديو تظهر فيه الشرطة وهي تضرب ميشيل زكلير في أواخر تشرين الثاني / نوفمبر. وفي شريط الفيديو، ضرب ثلاثة من عناصر الشرطة من البيض السيد زكلير وهو أسود البشرة، دون أن يظهر في التسجيل استفزازه عناصر الشرطة على نحو قد يلجئهم إلى ضربه. وقد استدعت الصور إلى الأذهان صور مقتل جورج فلويد على يد شرطة مينابوليس بالولايات المتحدة الصيف الماضي، وهو ما أدى حينها إلى اندلاع الاحتجاجات على امتداد الولايات المتحدة. وتجرّم المادة 24 الفرنسية، كما في صياغتها الأوّليّة، تصوير عناصر الشرطة وتحميل هذه الصور إذا استهدف ذلك «الإضرار بسلامتهم البدنية أو النفسية». ويشعر المحتجون وغيرهم بالقلق من أن هذا ما هو إلا محاولة من الدولة لإخفاء حوادث سوء سلوك الشرطة تحت غطاء «سلامة العناصر». وبعد عدة أسابيع من الضغط، أعلنت الهيئات التشريعية التابعة لحزب الرئيس إيمانويل ماكرون «الجمهورية إلى الأمام» عن «إعادة صياغة كاملة» للقانون المقترح.
وعند تقويم المادة 24 المقترحة، يظهر أن الصعوبة في تحديد «النية» عند النشر عبر الإنترنت من شأنها أن تمنح الدولة هامشا كبيرا وقد تؤدي إلى تقليص الحقوق المدنية. وقال المسؤول الكبير في «الجمهورية إلى الأمام» كريستوف كاستانير إن المادة 24 تحمل هدفين وهما حماية الشرطة وحماية الحريات المدنية. وأضاف أن حزبه سيعمل على تبديد المخاوف بشأن القانون المقترح، مشيرا إلى أنه «عندما يستمر سوء الفهم بالتفاقم حول مثل هذا الموضوع الأساسي، فمن واجبنا أن نضع جميعنا علامات استفهام حوله». ومن غير المرجح التوصل إلى حل هذه المسألة بسلاسة، إذ إن فرنسا ليست البلد الوحيد الذي يكافح للتعامل مع القضايا المتعلقة بوسائل التواصل الاجتماعي ومع الحاجة الملحة إلى التدقيق في سلوك الشرطة. ولطالما كافحت الولايات المتحدة في التعامل مع سوء سلوك الشرطة وأفعالها الجرمية، وخاصة تلك التي تستهدف مجتمعات الأقليات. وتدل حركة «إلغاء تمويل الشرطة» الناشطة حاليا على أن الحكومات المحلية وإدارات الشرطة التابعة لها تحتاج إلى معالجة هذه المسائل بشكل أفضل. على أن تشويه صورة الأفراد أو الجماعات التي تدعو إلى تغيير الوضع الراهن يجعل النقاش العقلاني مستحيلا. وبالمثل، فإن اعتماد بعض الجماعات العنف واندساسها في الاحتجاجات اللاعنفية يعقد النقاش بشكل كبير ويشوش الرسالة المقصودة. وفي الاحتجاجات الفرنسية الأخيرة، انضم المئات من الفوضويين إلى المعركة، وأطلقوا مقذوفات على الشرطة، ودمروا الممتلكات، وأحرقوا المركبات.
وتبرز مخاوف مشروعة بشأن التهديدات الموجهة على الإنترنت ضد عناصر الشرطة، كما هو الحال بالنسبة لأي شخص مهدد بالعنف. ومع ذلك، فإن تقييد حق الجمهور في تصوير ممثلي الدولة الذين يؤدون مهام رسمية ليس دستوريا وليس وسيلة فعالة للحد من التوترات. وقد اعتمدت الأجهزة الأمنية في جميع أنحاء العالم كاميرات المراقبة العامة، وهي قد أثبتت فعاليتها في التحقيق في الجرائم. ويصح قول الأمر نفسه عن العديد من مقاطع الفيديو التي التقطها أفراد الشعب والتي تظهر سوء سلوك الشرطة أو حتى سلوكها الإجرامي. ومن المؤكد أن المسؤولين يستحقون الحماية من التهديدات والمضايقات عبر الإنترنت، ولكن تقييد الحريات المدنية أو منع آليات المساءلة لا يشكلان أبدا ردا مناسبا في المجتمعات الديمقراطية.
وعلى مدى العقدين المنصرمين، ما فتئت فرنسا تجد نفسها بشكل دوري غارقة في الاحتجاجات ضد وحشية الشرطة، فضلا عن التوترات المتفاقمة خاصة بين الشرطة وجماعات الأقليات. وفي عام 2005، صعق شابان بالكهرباء بعد اختبائهما في محطة كهرباء فرعية لتجنب إلقاء الشرطة القبض عليهما في منطقة كليشي سو بوا. وأعقب ذلك عدة أسابيع من أعمال الشغب والحرق العمد، مع اندلاع الاحتجاجات ردا على مزاعم بمضايقة الشرطة على نطاق واسع لجماعات الأقليات. أما اليوم، فقد كان مسعى الرئيس الفرنسي ماكرون بادئ الأمر يكمن في العمل على تمرير مشروع قانون الجريمة الأخير، ليظهر صرامته في حفظ «القانون والنظام» قبل الانتخابات العام المقبل، إذ توقع الرئيس أن يواجه تحديا من القوميين اليمينيين. ولا تعكس الاحتجاجات التي اندلعت ردا على وحشية الشرطة إلا أحدث الأمثلة عن حالة الاضطراب في فرنسا. ففي السنوات القليلة الماضية تظاهر «أصحاب السترات الصفراء» في جميع أنحاء البلاد بشكل دوري ردا على ارتفاع تكاليف المعيشة وتزايد التفاوت الاجتماعي في البلاد. وقد اندلعت احتجاجات أخرى لردّ الإصلاحات المقترحة لنظام المعاشات التقاعدية السخي في فرنسا. وتواصل فرنسا أيضا كفاحها مع الهجمات الإرهابية. وعلى مدى السنوات الثماني الماضية، تعرّضت فرنسا لأكثر من 34 هجوما إرهابيا، أغلبيتها مستوحى من الفكر السلفي الجهادي، مما أسفر عن مقتل المئات من مواطنيها. وقد سلطت الهجمات الأخيرة ضد مدرس فرنسي وفي كاتدرائية في نيس وكذلك تداعيات الجدل حول الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للنبي محمد الضوء مرة أخرى على علاقة فرنسا مع سكانها المسلمين. وستواصل فرنسا مواجهة مثل هذه التحديات في الوقت الذي تتصدى فيه الحكومة لإعادة صياغة القانون المقترح، ولمعالجة دعوات المطالبين بالتغيير.