أوّل الكلام آخره:
- صعد رجل الدين الشيعي العراقي مقتدى الصدر حملته ضد المنافسين الشيعة الموالين لإيران من خلال تسيير المظاهرات الجماهيرية والإصرار على إجراء انتخابات جديدة.
- كان خصوم الصدر في «إطار التنسيق» الموالي لطهران على وشك تشكيل حكومة جديدة لكنهم قد يوافقون على انتخابات جديدة لتهدئة التوترات.
- يرى البعض أن حكومة يقودها الصدر قد تكون أفضل للعراق من حكومة يقودها خصومه الشيعة.
- تأمل إيران في أن يتمكن حلفاؤها في بغداد من تشكيل حكومة، لكنها تجنبت اتخاذ موقف علني في الصراع على السلطة.
يبدو أن المنافسة السياسية بين رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر وخصومه الشيعة المدعومين من إيران أكثر حرارة من حرارة الصيف اللاهب في العراق. وفي 27 يوليو، عندما بدا أن خصوم الصدر، الذين يقودون كتلة برلمانية تسمى «الإطار التنسيقي»، كانوا على وشك تشكيل حكومة عراقية جديدة، دعا الصدر أنصاره إلى الاحتجاج على هذه الخطوة. وفي وقت لاحق، اقتحم أتباعه البرلمان العراقي وعرقلوا التصويت على تشكيل حكومة بقيادة الإطار. وجدد آلاف الصدريين احتجاجهم في 30 يوليو، ولم يقتحموا البرلمان فحسب، بل اقتحموا أيضا مراكز حكومية عدة في المنطقة الخضراء ببغداد. وفي الخامس من أغسطس، دعا الصدر مرة أخرى إلى الاحتجاجات، هذه المرة بعد صلاة الجمعة، واجتذب عشرات الآلاف من المتظاهرين في «استعراض للقوة» استهدف خصوم الصدر. وفي غضون ذلك، لا يزال عمل البرلمان العراقي معطلا، بما في ذلك إصدار تصاريح الميزانية الرئيسية التي تؤثر بشدة على الخدمات العامة.
وأيد المتظاهرون في الخامس من أغسطس مطالب الصدر بأن يصوت البرلمان على حل نفسه وتحديد موعد انتخابات جديدة. ويصر الصدر على أن نجاح فصيله في انتخابات أكتوبر 2021 كان ينبغي أن يمكّن كتلته من تشكيل حكومة جديدة تتألف من قوميين شيعة وعرب سنة وأكراد، باستثناء الجماعات الشيعية الموالية لإيران. وقد تمكن الإطار من عرقلة جهود تشكيل حكومة الصدر واكتسب اليد العليا بعد أن سحب الصدر أعضاء حزبه البالغ عددهم 73 عضوا من البرلمان العراقي. لكن بعد هذا الانسحاب، لم يتمكن الإطار من تشكيل حكومة جديدة بسبب الخلافات الداخلية داخل الائتلاف. وقد منح هذا التردد الصدريين الوقت لإعادة تجميع صفوفهم بعد انسحابهم من البرلمان. وكانت دعوات الصدر الأخيرة للاحتجاجات تصعيدًا كبيرًا ولكن المظاهرات قد تفقد في نهاية المطاف الدعم الشعبي والزخم مع تصاعد الإحباط السياسي. على أن داخل المعسكرين إدراكا للمخاطر التي قد يجلبها المزيد من التصعيد؛ على أن «إطار التنسيق» يدرك أن خياراته غير التصعيدية ستكون محدودة إذا رفض الإذعان لمطالب الصدر المتشددة.
وبدا أن المظاهرات الجماهيرية قد تجبر معارضي الصدر على التفكير في حل وسط، بما في ذلك إمكانية الرضوخ لدعوة الصدر لإجراء انتخابات جديدة. وقال الإطار التنسيقي في بيان له إنه «يؤكد دعمه لأي طريقة دستورية لحل الأزمات السياسية وتحقيق مصالح الشعب بما في ذلك إجراء انتخابات مبكرة». كما شدد بيانه على أهمية «عدم تعطيل عمل» المؤسسات الدستورية – في إشارة واضحة إلى احتلال أتباع الصدر للبرلمان. ومع ذلك، فليس من الواضح ما إذا كانت إعادة الانتخابات إذا جرت ستكسر الجمود السياسي في العراق. فمن الممكن تصور أن تؤدي الانتخابات الجديدة إلى نتائج مماثلة لتلك التي أجريت في أكتوبر 2021 والتي أدت إلى طريق مسدود.
ولا تزال الديمقراطية الوليدة في العراق تقف عند مفترق طرق، على أن جيرانها الإقليميين والمجتمع الدولي على دراية تامة بالآثار المترتبة على الصراع المستمر على السلطة. ومن المرجح أن يؤدي تشكيل حكومة موالية لطهران بقيادة إطار التنسيق إلى تعريض استقرار العراق للخطر من خلال إعادة إشعال التوترات الطائفية بين الأغلبية الشيعية في العراق والمجتمع السني. وقد ساهمت هذه التوترات، إلى حد كبير، في صعود تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، الذي كاد أن يطيح بالحكومة في بغداد واستلزم عودة القوات الأمريكية إلى العراق في عام 2014. وكان اختيار الإطار لمحمد شياع السوداني رئيسا للوزراء، وهو حليف لرئيس الوزراء السابق نوري المالكي الذي أدت سياساته خلال رئاسته للوزراء (2006-2014) إلى نفور العرب السنة في العراق، مما عزز سردية تنظيم الدولة الإسلامية ووسع قاعدة أنصاره. وقد كان السوداني عام 2011 رئيسًا لفترة وجيزة لـ «هيئة اجتثاث البعث» – التي أدت لتهميش العديد من السنة العراقيين من خلال استبعاد أي شخص كان على صلة بحزب البعث الحاكم بزعامة صدام حسين من أجهزة الدولة. ولذلك يرى البعض أن الصدريين إذا تمكنوا من الفوز في انتخابات جديدة وتشكيل حكومة ذات قاعدة عريضة لاحقًا، فإن بإمكانهم تعزيز الاستقرار العراقي. ولكن قد تعمل الميليشيات المدعومة من إيران والتي تشكل العمود الفقري للإطار وتتلقى الدعم من فيلق القدس في الحرس الثوري الإسلامي الإيراني على إفساد هذا السيناريو من خلال ارتكاب أعمال عنف ضد الصدريين أو حلفائهم.
ولنتائج الصراع على السلطة تداعيات مهمة على جهود الولايات المتحدة المستمرة منذ عقدين للحد من النفوذ الإيراني في العراق. فإذا ساد الإطار في المنافسة السياسية، فمن المرجح أن يطالب قادته الولايات المتحدة بسحب ما تبقى من أفرادها العسكريين البالغ عددهم 2500 عنصر من العراق، وهو هدف إيراني بعيد الأمد. وكانت القوات الأمريكية قد انتقلت إلى لعب دور استشاري في نهاية عام 2021، ولا يرى قادة الإطار من حاجة إلى استمرار المساعدة الأمريكية لاستئصال مقاتلي داعش الذين لا يزالون يعملون في المناطق النائية العراقية. أما الصدر فهو لم يشر من ناحيته إلى نيته العمل على طرد القوات الأمريكية من العراق، بل إنه دعم رئيس الوزراء الحالي، مصطفى الكاظمي، الذي جادل باستمرار بأن المساعدة الاستشارية الأمريكية والمشاركة الاقتصادية تساهم في الاستقرار السياسي للعراق، وتمنع تنظيم الدولة الإسلامية من إعادة تشكيل نفسه، ويسهل إعادة اندماج البلاد في الحظيرة العربية. لذلك يبدو أن انتصار الصدر يدعم بشكل أفضل المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة.
وتشكل الانقسامات داخل المجتمع العربي الشيعي في العراق معضلة لطهران، التي كانت حريصة على عدم دعم أحد المعسكرين علنًا ضد الآخر، وبالتالي زيادة الانقسام في المجتمع الشيعي. وتزامنًا مع مظاهرة الصدر الكبيرة في 5 أغسطس، صرح الناطق باسم الخارجية الإيرانية، ناصر كناني، أن «إيران تنظر بقلق شديد إلى الوضع في العراق، وتؤكد على ضرورة الحفاظ على الأمن والاستقرار في البلد المجاور». ومع ذلك، فإن النفوذ الإيراني في العراق سيتعزز بشكل واضح إذا تمكن إطار التنسيق من تشكيل حكومة في بغداد. ومن المرجح أن تسعى طهران إلى الوصول إلى هذه النتيجة دون إثارة العنف بين الشيعة أو زيادة التشرذم.