أوّل الكلام آخره:
- سمح رجل الدين الشيعي العراقي مقتدى الصدر لأتباعه باقتحام مبنى البرلمان العراقي مرتين في أواخر يوليو للاحتجاج على جهود خصومه الموالين لإيران لتشكيل حكومة.
- رشح خصوم الصدر في «إطار التنسيق» أحد حلفاء رئيس الوزراء السابق نوري المالكي لمنصب رئيس الوزراء.
- أضعفت تصريحات المالكي المسرّبة التي تؤيد بقوة فصائل الميليشيات المدعومة من إيران احتمالات عودته إلى منصب رئيس الوزراء.
- يشكل وصول شخصية مؤيدة لإيران إلى المنصب التنفيذي الرئيسي في العراق أسوأ السيناريوهات المحتملة لواشنطن.
يبدو أن السيناريو الذي كان قد تنبأ به الخبراء في الشأن العراقي خلال الأشهر القليلة الماضية في طريقه إلى الظهور. وقد أطلق رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر العنان للاحتجاجات ضد جهود خصومه الموالين لإيران لتشكيل الحكومة العراقية المقبلة – بعد ما يقرب من عشرة أشهر على الانتخابات الوطنية التي جرت في أكتوبر 2022 وفاز بها فصيل الصدر بـ 73 مقعدًا من مقاعد البرلمان العراقي البالغ عددها 329 مما جعله في الصدارة. وسعى الصدر منذ ذلك الحين لتشكيل «حكومة أغلبية» بالشراكة مع العرب السنة والأكراد مهمشا الشيعة الموالين لطهران لأول مرة منذ عام 2003 تاريخ الغزو الأمريكي للعراق. لكن شركاء طهران العراقيين («إطار التنسيق») وحلفاءهم حصلوا على دعم كافٍ (يتجاوز ثلث المقاعد) لعرقلة جهود الصدر في بناء التحالف. وفي يونيو، سحب الصدر كتلته (سائرون) وتحدى خصومه أن يشكلوا حكومة. وبحلول أواخر يوليو، بدا إطار التنسيق قريبًا من النجاح، بعد أن ذهب أربعون مقعدا من مقاعد الصدريين المستقيلين إلى مرشحي الإطار بعد تفعيل بعض المواد في القانون العراقي. وفي 27 يوليو، عندما سعى الإطار للتصويت على حكومة جديدة برئيس وزرائها (والذي ينبغي أن يكون شيعيا وفق الأعراف السائدة المتفق عليها)، وعلى رئيس للجمهورية (ومنصبه شرفي إلى حد كبير، وينبغي أن يكون كرديا)، اقتحم الصدريون مبنى البرلمان العراقي، ومنعوا أي تصويت. وجدد آلاف الصدريين احتجاجهم في 30 تموز (يوليو)، ولم يقتحموا البرلمان فحسب، بل اقتحموا أيضا مراكز حكومية أخرى. ووردت أنباء عن إصابة أكثر من 100 متظاهر في اشتباكات مع قوات الأمن، التي سعت لضمان انعقاد البرلمان بأمان. ودعا رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، وبعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونام)، والعديد من قادة الكتل العراقية إلى الهدوء والحوار وتهدئة التوترات السياسية. وقد أكدت الاحتجاجات توقعات العديد من الخبراء بأنه إذا تمكن خصوم الصدر من تشكيل حكومة، فقد يرسل أنصاره إلى الشوارع لإظهار التزامه المستمر بالحكم الديمقراطي وحكم الأغلبية وتقويض شرعية أي حكومة لا تشمل حركته.
ويؤكد الصدر، وكذلك المسؤولون الأمريكيون والعديد من الخبراء الخارجيين، أن أي حكومة تهيمن عليها الفصائل الموالية لطهران ستعود إلى السياسات الطائفية التي مهدت الطريق لصعود تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) ابتداءً من عام 2014. ويسعى الصدر وحلفاؤه، على وجه الخصوص، إلى محاولة منع عودة نوري المالكي إلى رئاسة الوزراء. وكان المالكي، رئيس ائتلاف دولة القانون، قد حكم العراق بدعم من طهران بين عامي 2006 و2014، وشعر كثير من العرب السنة في العراق بالتهميش في عهده، مما خلق أرضية مناسبة للتمرد الداعشي. وفي محاولة لتقويض محاولات المالكي للعودة إلى السلطة سرب المؤيدون للصدر في أوائل يوليو شرائط صوتية سمع فيها المالكي يقول إن فصيله لديه علاقات وثيقة مع قيس الخزعلي، زعيم عصائب أهل الحق الموالية لإيران، وأن كتائب حزب الله وسيد الشهداء مرتبطة جميعا بإيران. كما أكد المالكي بحسب الأشرطة عمق العلاقات بين جميع الفصائل العراقية الموالية لإيران وفيلق الحرس الثوري الإيراني وقال: «عندما زرت إيران، تحدثت مع مستشار [المرشد الأعلى] الإيراني، علي أكبر ولايتي ورئيس مجلس الشورى ووزير الإعلام… وهم جميعا يطالبوننا بتركيز جهودنا مع الحرس الثوري».
كانت الأشرطة المسربة ضارة بما يكفي، حتى إنه في 25 يوليو، عدل «إطار التنسيق» عن ترشيح المالكي لرئاسة الوزراء ورشح محمد شياع السوداني بدلًا من ذلك. على أن من المرجح أن يعمل السوداني مع المالكي عن كثب إذا أصبح رئيسًا للوزراء. وكان السوداني عضوًا في حزب الدعوة الإسلامي المدعوم من إيران والذي يهيمن عليه الشيعة خلال حكم صدام حسين. وفي سن العاشرة، شهد السوداني والده وخمسة أفراد آخرين من عائلته يُعدمون بسبب عضويتهم في ذلك الحزب. وبعد انتخابات 2010 التي أسفرت عن ولاية المالكي الثانية، عيّن المالكي السوداني وزيرًا لحقوق الإنسان. وخلال عام 2011، كان السوداني رئيسًا لفترة وجيزة لـ «هيئة اجتثاث البعث» التي أدت إلى تهميش العديد من العرب السنة العراقيين عبر منع كل من كانت له صلات بحزب البعث الحاكم بزعامة صدام من العمل الحكومي. وشغل السوداني منصب وزير العمل والشؤون الاجتماعية خلال الفترة بين عامي 2014 و2018، في حكومة الرئيس حيدر العبادي.
إن وصول شخصية موالية لإيران إلى رئاسة الوزراء في العراق من شأنه أن يرسي السيناريو الأسوأ بالنسبة لواشنطن، التي سعت على مدى عقدين من الزمن للحد من النفوذ الإيراني في العراق. وكانت احتجاجات بغداد قد اندلعت في ظل اجتماعات لقائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني إسماعيل قاآني في بغداد، حيث وضع استراتيجية مع الفصائل الموالية لطهران لانتخاب السوداني رئيسًا للوزراء. وفي حالة تشكيل إطار العمل حكومة، فمن المرجح أن يستجيب قادتها بشكل إيجابي لإصرار طهران على مطالبة العراق للولايات المتحدة بسحب ما تبقى من أفراد الجيش الأمريكي البالغ عددهم 2500 عنصر. وكان دور القوات الأمريكية في العراق قد تحول إلى دور استشاري في نهاية عام 2021، ويرى قادة إطار التنسيق عدم الحاجة إلى استمرار المساعدة الأمريكية لقمع مقاتلي داعش الذين لا يزالون يعملون في المناطق النائية في العراق. ومع ذلك، فإن جميع الفصائل العراقية – حتى تلك المتحالفة مع إيران – تشعر بالاستياء من التدخل الإيراني المفرط. وقد يؤدي الضغط الإيراني على حكومة عراقية جديدة، على أقل تقدير، إلى تأجيج تحدي الصدر لإطار التنسيق وربما ينتج عنه فترة طويلة من التحريض السياسي والعنف المحتمل.