أوّل الكلام آخره:
- في 1 أغسطس 2022، أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن مقتل أيمن الظواهري، زعيم تنظيم القاعدة الحالي، والذي كان نائبا لأسامة بن لادن، على يد القوات الأمريكية.
- كانت القاعدة مسؤولة عن الهجمات التي وقعت في الولايات المتحدة في 11 سبتمبر2001 وعن كثير من الهجمات التي شنها المنتسبون والداعمون على مستوى العالم خلال العقدين الماضيين.
- حفزت هجمات الحادي عشر من سبتمبر تعاونًا عالميًا غير مسبوق في مجال مكافحة الإرهاب. وفي الآونة الأخيرة، برز تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) منافسا للقاعدة، وأدت الخلافات الاستراتيجية بين التنظيمين إلى تفتيت الحركة الجهادية العالمية.
- يثير مقتل الظواهري تساؤلات حول خليفته، وحول مشهد التهديد الإرهابي الحالي.
في 1 أغسطس، أعلن الرئيس الأمريكي بايدن أن الولايات المتحدة نفذت ضربة في كابول في نهاية الأسبوع أسفرت عن مقتل زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري. ومنذ مقتل أسامة بن لادن في مايو 2011، قاد الظواهري تنظيم القاعدة ويعتقد على نطاق واسع أنه عاد إلى أفغانستان بعد الانسحاب الأمريكي وما تلاه من سيطرة طالبان. وربما كانت وفاة الظواهري أثناء وجوده في كابول مفاجأة لأولئك الذين قبلوا تأكيدات طالبان بشأن النأي عن القاعدة. وهي تشير أيضا إلى أنه شعر براحة أكبر مكنته من السفر بحرية بعد انسحاب القوات الأمريكية قبل عام، وتؤكد أن تنظيمي القاعدة وطالبان ما زالا قريبين إلى يومنا هذا، على الرغم من مفاوضات الدوحة وآمال أولئك الذين اعتقدوا أن طالبان قد فتحت صفحة جديدة.
وقد لعب الظواهري دورًا رئيسيًا في التخطيط لهجمات 11 سبتمبر بصفته من أركان تنظيم القاعدة منذ الأيام الأولى بعد أن كان عضوًا في حركة الجهاد الإسلامي المصرية، وظل الظواهري شخصية رئيسية في عمليات القاعدة لأكثر من عقدين. لكن الرئيس بايدن أكد على أنه على الرغم من إخراج الظواهري من ساحة المعركة، فإن التهديد الذي تشكله مجموعات مثل القاعدة سيظل قائما: «فلتسمعوني الآن: سنظل دائمًا يقظين وسنتصرف وسنفعل دائمًا ما هو ضروري لضمان سلامة الأمريكيين وأمنهم في داخل البيت الأمريكي وفي جميع أنحاء العالم». ومع اقتراب الذكرى السنوية الأولى لانسحاب القوات الأمريكية، ستستخدم إدارة بايدن ضربة الظواهري للقول إن استراتيجية مكافحة الإرهاب عبر الأفق يمكن أن تكون فعالة، وللرد على منتقدي عملية الإخلاء الفاشلة في أغسطس الماضي الذين ركزوا على الآثار المترتبة عليها لجهة جهود الولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب.
ومنذ منتصف التسعينيات، كانت القاعدة جماعة إرهابية فتاكة للغاية، حيث شنت هجمات في أغسطس 1998 مستهدفة سفارتي الولايات المتحدة في كينيا وتنزانيا وهجومًا كبيرا في ميناء عدن في اليمن في أكتوبر 2000 ضد المدمرة الأمريكية كول. وإلى جانب بن لادن، رفع الظواهري التهديد الذي تشكله القاعدة من إقليمي إلى عالمي من خلال التخطيط لهجمات تستهدف «العدو البعيد»، أي الولايات المتحدة، حتى عندما جادل الظواهري نفسه بأن «العدو القريب» هو هدف أكثر أهمية. كانت هجمات الحادي عشر من سبتمبر نتيجة مباشرة لهذا الجدال بين قدامى المحاربين الجهاديين. وفي نهاية المطاف، دفعت هجمات القاعدة الولايات المتحدة إلى التورط في حربين في الشرق الأوسط وإلى قيادة حملة عالمية لا تزال قائمة ضد الإرهاب عززت تعاونًا غير مسبوق بين الحكومات والوكالات وخططا متعددة الأطراف. وفور مقتل بن لادن، أثبت الظواهري أنه يد ثابتة، وركز على الحفاظ على التنظيم الأوسع سليمًا في ظل سلسلة من التحديات الرئيسية. إن بقاءه أميرا للتنظيم لمدة عقد من الزمان هو في حد ذاته شهادة على موقعه داخل الحركة، حتى لو لم يكن دائمًا موضع تقدير من الجهات الخارجية التي كانت تشير إلى أسلوبه الممل ورسائله التي قد تغرق في التفاصيل.
إن قتل عدد لا يحصى من الحرس القديم في السنوات الأخيرة أو اعتقالهم يترك القاعدة أمام قائمة صغيرة من المرشحين لخلافة الظواهري. بل إن أكثر المحاربين القدامى شهرة في القاعدة، وهو سيف العدل، قد يواجه صعوبات في التواصل مع كوادر الجماعة، وهو ما ظهر أثناء إقامته في إيران لمعظم العقدين الماضيين. وبالنظر إلى عداء الجماعة لإيران والشيعة عموما، فإن وجود العدل الطويل في إيران قد يدفع بعض الدوائر إلى استبعاده وترشيح جهادي مثل أبي عبد الكريم المصري لتولي زمام القيادة، بالنظر إلى مشاركة الأخير الحاسمة في سوريا. وتحت قيادة الظواهري، تمكنت القاعدة من البقاء منظمة متماسكة، مع قدر عال من اللامركزية سمح للفروع المختلفة بالعمل على نحو شبه مستقل. وقد انتقد الظواهري ووصف بأنه لم يكن إلا مدبرا لأمر الجماعة بعد موت زعيمها المؤسس، لكنه في الحقيقة كان براغماتيًا إلى حد بعيد، وكان قادرًا على مساعدة القاعدة على الصمود في وجه عاصفة الربيع العربي، وصعود تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).
وعلى الرغم مما أصاب القاعدة على مر السنين، ولا سيما على صعيد الخسائر البشرية، بما في ذلك قيام داعش بصيد أعداد كبيرة من المسلحين في مختلف المسارح التي تعمل فيها المنظمتان، إلا أن الظواهري ظل على المسار الصحيح. وبناءً على ذلك، عمل بجد لتنمية العلاقات مع المجندين المحتملين الذين يركزون بشكل أكبر على الأهداف المباشرة وتحفزهم القضايا المحلية في المناطق التي اجتاحتها الحروب الأهلية. وفي كل من منطقة الساحل والقرن الأفريقي، عزز الجهاديون المرتبطون بالقاعدة علاقاتهم مع القيادة الأساسية للتنظيم ولا يزالون يستجيبون لتوجيهاتها. وتتزايد الشواهد على أن بعض فروع القاعدة على الأقل تجتذب المقاتلين الأجانب مرة أخرى. ولعل معرفة هوية الزعيم القادم للقاعدة ستخبرنا الكثير عن الخطط المستقبلية للتنظيم. وقد خصص الرئيس بايدن الكثير من خطابه مساء أمس لضحايا هجمات 11 سبتمبر في الولايات المتحدة، مشيرًا إلى أمله «بأن يشكل هذا الإجراء الحاسم شيئا من ندب جراحهم»، وتاليا اقتباسًا من فيرجيل (وهو الاقتباس الموضوع على النصب التذكاري في نيويورك لتخليد ضحايا 11 سبتمبر): «لن يمحوك يوم من ذاكرة الوقت».